تحمل عملية إطلاق النار التي وقعت، صباح اليوم السبت، في الجيب الاستيطاني "مدينة داود" ببلدة سلوان المحيطة بالقدس وأسفرت عن إصابة مستوطنين، أحدهما بحالة حرجة، دلالات خاصة. وجاءت هذه العملية بعد 14 ساعة على عملية إطلاق نار شهدتها، الليلة الماضية، مستوطنة "نفيه يعكوف" في القدس.
وتعد "مدينة داود" الجيب الاستيطاني الأكثر تحدياً للوجود الفلسطيني في القدس والأكثر استفزازاً للمقدسيين، مقارنة بالجيوب الاستيطانية الأخرى في المدينة المحتلة، بسبب ممارسات المستوطنين فيها ضد المواطنين الفلسطينيين من أهالي سلوان.
وكانت منظمة "عطيرات كوهنيم" الدينية اليهودية، التي تعنى بتهويد القدس، دشنت هذا الجيب في قلب بلدة "سلوان" بحجة أن "الملك داود" كان فيها قبل ألفي عام وتحت ذريعة أن هذه البلدة ضمت في السابق حياً يهودياً.
وبسبب التوجهات الموغلة في التطرف التي يتسم بها أتباع "عطيرات كوهنيم"، حول مستوطنو "مدينة داود" حياة أهالي سلوان إلى جحيم من خلال شن الاعتداءات عليهم، التي ينفذونها بشكل مباشر أو تنفذها شركات الحراسة التي تعكف على تأمينهم.
ويشبه سلوك مستوطني "مدينة داود" العدواني سلوك مستوطني الجيب الاستيطاني في مدينة الخليل من حيث الاستعداد لتنفيذ اعتداءات ضد الأهالي من أصحاب الأرضي.
ويحظى جيب "مدينة داود" بدعم قطاعات حزبية واسعة داخل الحكومة وخارجها. فكثيراً ما يشارك وزراء ونواب عن حزب الليكود الحاكم في الاحتفالات التي ينظمها المستوطنون هناك.
وبسبب الأهمية التي تنظر بها إلى هذا الجيب، شرعت إسرائيل في تدشين نفق أرضي يصل "مدينة داود" بحائط البراق، الذي يطلق عليه اليهود "حائط المبكى".
بلدة سلوان
تُعد سلوان من أكبر البلدات الفلسطينية مساحة وأقدمها وأكثرها قرباً من المسجد الأقصى، لا يفصل بين مدخلها الشمالي، حي وادي حلوة، والمسجد الأقصى، إلا سور القدس الجنوبي المحاذي لوادي حلوة، فبرز الحي في واجهة الاستهداف الإسرائيلي نظراً لأهميته التاريخية وادعاء الجمعيات الاستيطانية وعلماء الآثار بإيجاد حجارة للهيكل المزعوم في هذا الحي.
ومنذ احتلال إسرائيل مدينة القدس عام 1948، وما تلاه من السيطرة الكاملة عام 1967، تسعى إسرائيل للسيطرة على سلوان، فقد صادرت قوات الاحتلال نحو 73 ألف دونم من أراضيها الواسعة، بعد حرب عام 1967 مباشرة، بعدما كان الاحتلال قد سيطر على مساحات واسعة منها بعد حرب العام 1948.
وتعتبر سلطات الاحتلال حي وادي حلوة من بقايا "مدينة داود"، أما أحياء العباسية وحي البستان ووادي الربابة فتعتبرها حدائق خلفية لـ"مدينة داود"، أما القسم الشرقي الجنوبي من سلوان، فقد بنى المستوطنون مستوطنة تتحكم بشارع القدس - أريحا القديم، كذلك الشوارع والطرق المؤدية إلى داخل أحياء بلدة سلوان. ولتعزيز قبضتها، قامت السلطات الإسرائيلية بإصدار أوامر هدم لعشرات المنازل في مختلف أنحاء البلدة.
وعلى مدخل سلوان الشمالي، تقع القصور الأموية، وتم افتتاحها قبل نحو ست سنوات على أنها "مطاهر" للهيكل المزعوم، بعد سيطرة إسرائيل عليها، فبنت فيها مدرجات ومنصات حديدية على شكل مسار أطلق عليه "مسار توراتي لمطاهر الهيكل". وتتواصل عمليات الحفر في منطقة القصور الأموية منذ سنوات، وسرق الاحتلال حجارة ضخمة وأتربة من الموقع، بينما يزداد التنقيب ومصادرة الأراضي والاستيلاء على المنازل بطرق ملتوية وتسريب الكثير منها للمستوطنين.
وقبل أكثر من 30 عاماً، شرعت جمعية "العاد" بالسيطرة على أملاك وأراضي المقدسيين تحت قانون "أملاك الغائبين" الذي يمنع العرب من العودة إلى منازلهم غرب القدس، أو بمساعدة ما يعرف بالصندوق القومي "الكيرن كييمت" لنقل ملكية أراضي الفلسطينيين إلى جمعية "العاد".
وتولت الجمعية مسؤولية "حماية وحفظ الحديقة الوطنية" المسماة "مدينة داود"، التي تُشرف عليها "سلطة الطبيعة والحدائق"، مستخدمة في الترويج لها الرواية التوراتية، في حين ضاعفت سلطة الآثار الإسرائيلية عمليات التنقيب والحفريات بصورة مخالفة للقوانين، وساهمت وزارة السياحة الإسرائيلية بجلب السياح اليهود والأجانب من أنحاء العالم لزيارة ما سمّته "مدينة داود" التي أصبحت محجاً للسياح.