مداولات "إنسانية" حول سورية في بروكسل ومجلس الأمن

29 مارس 2021
تضغط روسيا والنظام لإيصال المساعدات إلى مناطق النظام (الأناضول)
+ الخط -

يشكل المؤتمر الخامس للمانحين حول "دعم مستقبل سورية والمنطقة"، والذي ينطلق اليوم الإثنين بشكل افتراضي، وبتنظيم مركزي من العاصمة البلجيكية بروكسل، محطة هامة في سياق الأزمة السورية، خلال هذه الفترة، نظراً لتعقد مسارات الحلّ السياسي حيال هذه الأزمة المستمرة منذ 10 أعوام، والتي ستدخل منعطفاً جديداً بعد أشهر من الآن، عند استحقاق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها من قبل النظام السوري وحلفائه، منتصف العام الحالي، من دون التوصل إلى حلّ شامل في البلاد.

مسألة عودة اللاجئين غير مطروحة في مؤتمر بروكسل كما يريدها النظام وحلفاؤه 

يأتي ذلك على وقع ردود الفعل الدولية المتذمرة من النظام وحلفائه، تجاه مماطلتهم وتعطيلهم لمسارات الحل، لا سيما مسار عمل اللجنة الدستورية، التي لم تفض جولاتها الخمس إلى نتائج تذكر في طريق صياغة دستور جديد لسورية. ويعد ملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، محطة ستشكل نقطة خلاف متجددة بين الدول الفاعلة في الملف السوري، وتحديداً روسيا والولايات المتحدة. وباتت مواقف الإدارة الجديدة في واشنطن حيال القضية السورية، تتكشف تباعاً، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم. وربما ستكون تلك المواقف أكثر وضوحاً اليوم الإثنين، مع ترؤس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جلسة لمجلس الأمن الدولي حول سورية، سيناقش خلالها مواضيع ونقاطا هامة، في مقدمتها التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية - الأممية إلى سورية، والتي ستنتهي منتصف العام الحالي.

أما في ما يتعلق بمؤتمر بروكسل، فقد حصلت "العربي الجديد" على الأجندات التي سيناقشها المجتمعون، من منظمات ودول، في المؤتمر الذي سيستمر يومين، والذي ستتركز النقاشات فيه حول خمسة محاور رئيسية، لتحقيق ثلاثة أهداف تمّ وضعها من قبل المنظمين. وتتناول المحاور الخمسة، "تمكين المرأة ومشاركتها"، "الصحة"، "العائدون والنازحون واللاجئون - الحماية"، الحيّز المدني وقضايا التماسك الاجتماعي"، بالإضافة إلى "التعليم - الشباب واليافعون". كذلك حُدّد الهدف العام للنقاشات بـ"تعزيز الثقة والتفاهم المتبادل بين السوريين من كافة المناطق الجغرافية، وبين السوريين والاتحاد الأوروبي". ويتفرع عن هذا الهدف ثلاثة أهداف، تتركز على "تعزيز الحوار الموضوعي بين السوريين من مناطق جغرافية مختلفة"، و"دعم الحوار والتبادل بين الاتحاد الأوروبي والمجتمع المدني السوري"، و"تحسين استجابة الاتحاد الأوروبي للأزمة السورية من خلال عمليات الحوار مع المجتمع المدني في مجالي البرمجة والسياسات".

وفي ما يتعلق بالمحور الأهم، المتعلق بـ"العائدين والنازحين واللاجئين وكيفية حمايتهم"، فقد أشارت مسودة المحاور التي وزعت على المنظمات والدول المشاركة، وحصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أنه "لا يمكن مناقشة الأوضاع السورية في أيّ محفل، دون التطرق إلى وضع العائدين والنازحين واللاجئين السوريين، سواءً كانوا نازحين داخلياً أو إلى دول الجوار أو الشتات، والذين تبرز قضاياهم متقاطعة مع مختلف القضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية وباقي القوى الفاعلة، لنناقش أكثر القضايا حساسية كشروط العودة ومحدداتها، آليات الحد من العودة القسرية، وغيرها من المواضيع المتعلقة بحماية الفئات المختلفة مع التركيز على الفئات المهمشة".

وحول هذا المحور تحديداً، أشار المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، الحقوقي سامر ضيعي، الذي يشارك في المؤتمر كممثل عن منظمته، إلى أن "التركيز على ملف اللاجئين والنازحين خلال المؤتمر، يأتي انطلاقاً من حجم هذه الشريحة، سواءً داخل سورية أو خارجها، بالإضافة للوضع الإنساني الصعب الذي يعانيه اللاجئون والنازحون على حدّ سواء". وأكد ضيعي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة عودة اللاجئين غير مطروحة في المؤتمر كما يريدها النظام وحلفاؤه، ويجب سحبها كورقة ضغط سياسية يستخدمها النظام والروس، بالترويج إلى أن العودة ستكون آمنة، وأن البلاد في وضع أمني وسياسي واقتصادي مستقر. ومن هنا سنؤكد في المؤتمر أن العودة يجب فعلياً أن تكون آمنة وكريمة، وطوعية في المقام الأول، والضغط على الدول المستضيفة للاجئين بألا تكون هناك عودة أو إعادة قسرية". ولفت ضيعي إلى أن "هناك الكثير من المشاكل التي ستواجه مسألة العودة في ظلّ الظروف الحالية، منها كثرة المطلوبين للخدمة الإجبارية في صفوف قوات النظام، بالإضافة إلى الآلاف من المطلوبين للأفرع الأمنية والمهددين بخطر الاعتقال عند أول منفذ حدودي، وهذا بالنسبة للشباب".

تنتهي آلية إدخال المساعدات إلى سورية منتصف العام الحالي، مع نوايا روسية لإيقاف تجديدها في مجلس الأمن

أما بالنسبة لعودة اللاجئين بشكل عام، فنوّه الحقوقي السوري إلى أن "الأوضاع الإنسانية والمعيشية في سورية تمرّ بأصعب مراحلها، بسبب سوء الوضع الاقتصادي الذي أوصل النظام البلاد إليه، وهناك معاناة حقيقية لمن هم داخل البلاد نتيجة هذه الأوضاع"، مؤكداً أن "العودة في ظلّ هذه الظروف، ستشكل كارثة أكبر، إن لم تفض الجهود الدولية إلى حلّ يمكن من خلاله تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى حلّ سياسي شامل يتضمن تنفيذ القرارات الأممية بما يلبي تطلعات السوريين، لتبدأ من بعدها العودة". وشدّد ضيعي على أن "الأهم خلال المؤتمر، هو التركيز على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر المعابر، لتحسين أوضاع النازحين والسوريين عموماً، إذ ستنتهي الآلية منتصف العام الحالي، مع نوايا روسية لإيقاف تجديدها بمجلس الأمن".

وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قد أشار في بيان حول المؤتمر مستهل شهر مارس/آذار الحالي، إلى أن من أهداف المؤتمر إعادة تأكيد دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حلّ سياسي تفاوضي للنزاع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والسعي إلى الحفاظ على الدعم الدولي للاجئين السوريين.

النقطة الأخيرة التي أشار إليها ضيعي، أي تجديد آلية إدخال المساعدات، ستكون أبرز المحطات التي سيتناولها بلينكن خلال ترؤسه جلسة مجلس الأمن حول سورية مساء اليوم الإثنين. ويدل ترؤس بلينكن بنفسه للجلسة، على أنه مؤشر لعودة الزخم الأميركي إزاء الملف السوري، بعدما شهد الأسبوع الماضي موقفاً أميركياً حاسماً حيال تعاطي إدارة جو بايدن مع الانتخابات الرئاسية للنظام، عبر دبلوماسي أميركي في البعثة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أشار إلى رفض هذه الإدارة للانتخابات ونتائجها المستقبلية إن لم تكن تحت إشراف الأمم المتحدة، وقبل إنجاز الحلّ السياسي الشامل في البلاد.

بلينكن سيوضح في مجلس الامن أن آلية أكثر سهولة يجب اعتمادها في إدخال المساعدات مستقبلاً

وأوضحت البعثة الأميركية في الأمم المتحدة، في بيان، حول ترؤس بلينكن لجلسة مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع الإنسانية في سورية، أن الأخير "سيعزز دعم الولايات المتحدة للشعب السوري من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والوصول الإنساني من دون عوائق إلى كل المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء سورية".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مقربة من الخارجية الأميركية، أن بلينكن سيتطرق بشكل رئيس إلى مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية الأممية عبر المعابر، والتي ستنتهي في 11 يونيو/حزيران المقبل. ولم تشر المصادر بدقة إلى وجهة النظر الأميركية حيال آلية التجديد، إلا أن المصادر قالت إن بلينكن سيوضح تركيز بلاده على هذا الشأن بأن تكون هناك آلية أكثر سهولة في عملية إدخال المساعدات مستقبلاً.

وكانت روسيا قد عطّلت العام الماضي أكثر من جلسة في مجلس الأمن تضمّنت أربعة مشاريع لقرارات حول تمديد آلية إدخال المساعدات عبر المعابر، إلا أن المجلس توصل إلى تمديد آلية إدخال المساعدات لمدة عام واحد (معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، شمال إدلب)، وإلغاء معبر باب السلامة الحدودية مع تركيا، شمال حلب. وتضغط روسيا والنظام للدفع باتجاه إيصال المساعدات الأممية عبر مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، وذلك من خلال فتح معابر فرعية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في كل من إدلب وحلب، الأمر الذي قوبل بشروط تركية خلال مباحثات الدوحة الأخيرة حول سورية (في 11 مارس/آذار الحالي)، بين كلّ من تركيا وروسيا وقطر، في مقدمتها تقديم حلول في ما يخص المعتقلين لدى النظام، وعدم تسلم النظام للمساعدات وتوزيعها، وحصر الأمر بيد المنظمات الدولية الفاعلة في مناطق سيطرته، لضمان عدم التلاعب في توزيع المساعدات من قبل النظام.

المساهمون