مخيم اليرموك... استثمار سياسي بمبادرات تروّج لإعادة الأهالي

29 مارس 2023
لم تتم إزالة الردم من عمق اليرموك (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يحاول النظام السوري الإيحاء بسعيه لتسهيل عودة أهالي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة دمشق، وذلك عبر قرارات وإعلانات بين الفينة والأخرى في هذا السياق، بعد سنوات من الحرب والتهجير، وهي قرارات يعتبرها معظم الناشطين والمتابعين مجرد مسكنات إعلامية، سرعان ما تتبخر على أرض الواقع.

ويقع مخيم اليرموك على مساحة 2,11 كيلومتر، ويبعد 8 كيلومترات عن دمشق، وكان يقطنه نحو ربع مليون لاجئ من فلسطين قبل عام 2011، ما يجعله أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين، ولذلك لقب بـ"عاصمة الشتات الفلسطيني".

وذكرت مصادر إعلامية، قبل أيام، أن اللجنة الأمنية في دمشق وريفها ألغت شرط مراجعة الفروع الأمنية للحصول على موافقة العودة إلى أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود جنوبي العاصمة دمشق، وجرى استبدال ذلك بطلب خطّي يقدم إلى مفرزة "الأمن العسكري" عند مدخل شارع الثلاثين في المخيم، التي باتت هي المسؤولة عن تدقيق الطلبات وإجراء "الفيش الأمني" للعائلة، أو الأفراد الراغبين بالعودة إلى منازلهم.

ووفق موقع "صوت العاصمة"، فقد أصدر الأمن العسكري نشرة جديدة تضم أسماء 100 شخص سُمح لهم بالعودة إلى منازلهم في مخيم اليرموك، و50 آخرين من أهالي الحجر الأسود المجاور، كانوا قد تقدموا بطلبات للعودة في وقت سابق. وترفض أجهزة المخابرات، عودة كل من لديه قضايا أمنية أو حالة اعتقال سابقة، وكذلك من لديهم أبناء مطلوبين أو موجودين في الشمال السوري، أو لهم ارتباطات بالفصائل المسلحة التي كانت تُسيطر على المنطقة، إضافة إلى المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية.

ومنذ السيطرة عليه من جانب قوات النظام عام 2018، شهد المخيم، فضلاً عن الدمار اللاحق به، عمليات "تعفيش" متواصلة، أي سرقة منظمة تتولاها مجموعات تعمل بحماية قوات النظام وأجهزتها الأمنية. وجرى بيع كل شيء يمكن بيعه، من أثاث وتجهيزات، وحتى قضبان الحديد في أسطح المنازل وأعمدتها. وكثيراً ما يتم تهديم بيوت فيها أضرار بسيطة، بهدف الحصول على الحديد والألومنيوم وأبواب الخشب وتجهيزات المطبخ وبيعها خارج المخيم بواسطة متعهدين يدخلون عبر الحواجز الأمنية للنظام.

هناك الكثير من طلاب المدارس في المخيم، لكن لا توجد مدارس مؤهلة حتى الآن داخله

وأصدرت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" تقريراً عام 2018 يوثق حالات النهب و"التعفيش" التي طاولت منازل مخيم اليرموك، عبر استبيان إلكتروني أظهر أن 93.2 في المائة من المشاركين تعرضت منازلهم إلى "التعفيش"، من نهب الأثاث والأبواب والنوافذ والأسلاك الكهربائية وغيرها. ووفق مسح أجرته وكالة الأمم المتحدّة للتدريب والبحث عام 2019، فإن منطقة مخيم اليرموك تحتل المرتبة السابعة بين أكثر المناطق دماراً في الحرب السورية.

مبادرات محلية بلا اكتراث رسمي

وتسعى بعض الجهات المحلية الناشطة في مخيم اليرموك أو خارجه إلى إطلاق مبادرات، أو القيام بحملات لترفع الأنقاض وتنظيف الشوارع وإنارتها بغية تشجيع الأهالي على العودة. وطلبت مبادرة "يد بيد"، التي أطلقها ناشطون من المخيم من محافظة دمشق، التي يتبع المخيم لها إدارياً، المشاركة في تحسين الواقع الخدمي ورفع الأنقاض وتنظيف الأتربة من المخيم. وكانت استجابة المحافظة عبر زيارة قام بها المحافظ محمد طارق كريشاتي للمخيم في 11 مارس/آذار الحالي، أطلق خلالها تصريحات جديدة، تعد باتخاذ إجراءات سريعة لتسهيل عودة الأهالي.

وقال كريشاتي إن المحافظة "قطعت أشواطاً بالنسبة للخدمات، خصوصاً في ما يتعلق بالصرف الصحي والمياه، حيث وصلت التمديدات إلى جميع الشوارع الرئيسية والأبنية". وأضاف أنه سيجرى تفعيل خدمات الكهرباء وإيصالها إلى نحو 1800 عائلة موجودة حالياً في المخيم. كما وعد المحافظ بتأهيل فرن خبز في المخيم وافتتاحه قريباً، إضافة إلى افتتاح محل لبيع الخضار والمواد الغذائية، ضمن المحال الواقعة أسفل مبنى بلدية اليرموك، وتأهيل مسجد الوسيم قبل قدوم شهر رمضان (الخميس الماضي). كما تعهد بتسيير حافلات للركاب لخدمة الأهالي، الذين ما زالوا يصلون إلى المخيم بوسائل نقل خاصة.

وبعد أيام على زيارة المحافظ، نشر المحامي والناشط في المخيم نور الدين سلمان على صفحته في موقع "فيسبوك" صوراً لإحدى الحافلات التابعة لوزارة النقل، وصورة أخرى لحافلة صغيرة خاصة، تسيران في شوارع المخيم. ووفق سلمان، فإن المحافظة قررت ترصيف الشوارع من منطقة مستشفى حلوة زيدان، أول شارع اليرموك، إلى شارع لوبية عند منتصف المخيم تقريباً.

وتأتي هذه الحملة عقب قرار رسمي صادر عن المحافظة مطلع العام الحالي، يلزم الأهالي الذين لديهم منازل مدمرة، أو آيلة للسقوط جزئياً أو كلياً، بضرورة إزالتها تحت طائلة الغرامة، وعلى نفقتهم الخاصة، خلال شهر واحد، قبل أن يتم تجميد هذا القرار لاحقاً بعد اعتراضات عدة، لكن من دون إلغائه.

شهادات تنفي تسوية الأوضاع

غير أن أحد سكان المخيم، ممن تواصل معهم "العربي الجديد" ويدعى م. رشدان، أفاد بأن الحافلة التي انتدبت للمخيم تعمل لساعات محدودة وبشكل كيفي، بحيث لا يمكن للسكان الاعتماد عليها نظراً لعدم معرفة مواعيد وصولها أو مغادرتها، وكذلك الأمر بالنسبة لحافلة النقل الخاصة، مستذكراً أن أكثر من 40 حافلة عامة ونحو 100 خاصة كانت تعمل على خط مخيم اليرموك ومخيم فلسطين قبل 2011. وأضاف أن الحاجز الأمني الموجود عند مدخل المخيم، لم يعد يتشدد كثيراً في دخول الأهالي لتفقد منازلهم، في حال كانوا قادمين سيراً على الأقدام، أما إذا كانت بحوزتهم سيارة، فيجب أن يبرزوا ورقة تؤكد حصولهم على موافقة لترميم منزلهم.

شخص آخر ممن يتردد باستمرار على بيته في المخيم محاولاً ترميمه، قال، لـ"العربي الجديد"، إن معظم المناطق في الجزء الثاني من المخيم باتجاه الحجر الأسود، لم يتم إزالة الردم والأنقاض منها، والتركيز يتم كما يبدو عند مدخل المخيم من جهة الميدان والزاهرة، أي محافظة دمشق، وليس في عمق المخيم وحاراته الداخلية التي ما زالت تعاني من تراكم كتل الردم. وأشار إلى وجود عدد قليل من محلات الخضار، لكن اعتماد الأهالي ما زال على خارج المخيم، لتأمين المواد الغذائية، بما في ذلك الخبز.

وأوضح أن هناك الكثير من طلاب المدارس في المخيم، لكن لا توجد مدارس مؤهلة حتى الآن داخله، باستثناء مدرسة أسد بن فرات، وتتولى منظمة "أونروا" التابعة للأمم المتحدة نقل الطلاب عبر حافلات إلى مدارس خارج المخيم.

من جهتها، قالت هيا شرعان، في تعليق لها على "فيسبوك"، إنها كلما دخلت إلى المخيم، تجد الوضع أسوأ من السابق، وتظل أسبوعاً في حالة اكتئاب نظراً لمشاهد الدمار الواسع في المخيم، ما يجعل من مسألة عودة المخيم للحال الذي كان عليه قبل الحرب أمراً صعباً جداً قد يكون في عهد أحفادنا، كما تقول.

أيمن أبو هاشم: تصريحات المسؤولين في محافظة دمشق والجهات الفلسطينية فقاعات إعلامية لتخدير الأهالي

ومثلها علقت ريما قاسم قائلة إن الدخول للمخيم أمر سهل، لكن مجموعات "التعفيش" المختصة بسرقة حديد أسقف المنازل ما زالت تعمل في المخيم حتى الآن. وأضافت القاسم، في منشور آخر لها على "فيسبوك": "تشردنا في أصقاع الأرض. مات من مات وفقد من فقد. ما الفائدة من الرجوع إلى الأنقاض والذل والجوع؟ هل تعود الروح للمخيم، وقد فقدنا أعز الأحباب، ولم نعد نملك سوى البكاء على الأطلال".

غير أن المحامي نور الدين سلمان، الذي يقدّم نفسه على أنه "رئيس اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في سورية"، قال، على صفحته في "فيسبوك"، إن "الكثير من الأهالي يتحضرون للرجوع إلى بيوتهم بمخيم اليرموك، خصوصاً في حيي التقدم والعروبة... لنقل بعشرات الآلاف". ويتوجب على من يريد ترميم منزله الحصول على ورقة ترميم من البلدية، ومن يسكن فعلاً الحصول على بطاقة سكن.

قرارات إعلامية واستثمار سياسي

ورأى الناشط الفلسطيني المحامي أيمن أبو هاشم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات المسؤولين في محافظة دمشق والجهات الفلسطينية العاملة مع حكومة النظام السوري، غالباً ما تكون فقاعات إعلامية لتسكين الأهالي، الذين يستغربون هذا البطء الشديد في إجراءات عودتهم لمناطقهم بعد خمس سنوات من استعادة قوات النظام على المنطقة من جهة، وبغية إعطاء انطباعات للجهات المانحة بأن ثمة جهوداً تبذل على الأرض لإعادة المهجرين، وأن هناك حاجة للمزيد من المساعدات لتمكين الأهالي من العودة، من جهة أخرى.

ولفت أبو هاشم إلى أن المكان الأسرع تأهيلاً في المخيم كان "النادي العربي"، والذي تقام فيه المهرجانات وتلقى الكلمات الحماسية والوعود الكاذبة، على غرار المهرجان الحاشد الذي أقيم العام الماضي بذكرى يوم الأرض، وحضره مسؤولون من حكومة النظام والفصائل الفلسطينية و"حزب الله"، من دون أن يخجل هؤلاء جميعاً من مناظر الدمار المحيطة بالمكان، والتي لم تكن بفعل قصف إسرائيلي، بل "قصف وطني من نظام ممانع"، وفق قوله.

وأضاف: "لو كانت هناك جدية في عودة من تبقى من أهالي اليرموك في سورية، حيث تشير المعطيات إلى مغادرة أكثر من نصفهم خارج البلاد، لكان هناك عمل حثيث ومستدام لترحيل الأنقاض على الأقل، وتزويد بلدية اليرموك بالآليات والكوادر اللازمة، بدل الاعتماد على مبادرات أهلية ضعيفة الإمكانات".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية
المساهمون