تدلّ عودة الاغتيالات وعمليات التصفية في مخيم الهول، الواقع جنوب محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، والذي يحوي نازحين سوريين وعراقيين وعائلات لعناصر تنظيم "داعش"، على فشل الحملة الأمنية التي أطلقتها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدعم من التحالف الدولي، نهاية مارس/آذار الماضي، واستمرت حتى الثاني من إبريل/نيسان، لإنهاء الفلتان الأمني في المخيم، بعد تزايد عمليات العنف، من اغتيال وتنكيل.
وعادت عمليات الاغتيال والتصفية خلال الأسبوع الماضي إلى المخيم، مستهدفة، على وجه التحديد، اللاجئين العراقيين داخل المخيم، وهو ما يثير مخاوف من أن يكون مبرراً لدفع "قسد" نحو إفراغ المخيم. ويوم السبت الماضي، قُتل شاب وامرأة في حادثتين منفصلتين، كلاهما قضى بطلقة في الرأس داخل الخيمة التي يقطناها. وسبقتهما حادثة مماثلة بقتل لاجئ عراقي. والحالات الثلاث جاءت بعد انتهاء الحملة الأمنية لـ"قسد" في المخيم. لكن مصادر مقربة من قوات الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة إلى "الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشرق سورية، أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن محاولات الاغتيال لم تتوقف أبداً في المخيم، وهي مستمرة بشكل شبه يومي، وأن الحالات الثلاث هي المعلن عنها فقط من قبل "الأسايش" فيما الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك.
ستبدأ "الإدارة الذاتية" حملة ضغط على الدول المعنية لسحب رعاياها من الأطفال والنساء
وتنشط داخل المخيم خلايا تتبع لـ"داعش"، تنفذ عملياتها بحق من تتهمهم بالتعامل مع الحكومة العراقية أو "قسد" أو التحالف الدولي، أو من تطلق عليهم أحكام الردة نظراً لأسباب مختلفة، منها عدم التعامل مع تلك الخلايا ومساعدتها. وباتت "الإدارة الذاتية"، وذراعها العسكرية "قسد"، يبديان أخيراً رغبتهما في التخلص من كابوس المخيم بشكل نهائي، لا سيما مع ظهور ملامح تنسيق مع روسيا حيال الأمر، إذ كانت موسكو قد سحبت جزءاً كبيراً من أطفال مقاتلي "داعش" الذين يحملون الجنسية الروسية الشهر الماضي، وسبقت ذلك دفعات أخرى سواء لأطفال أو نساء روس، أو يتبعون إلى جمهوريات آسيا الوسطى أو دول الاتحاد السوفييتي السابق، الحليفة لروسيا.
ويوم الجمعة الماضي، دعا نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، غينادي كوزمين، خلال جلسة غير رسمية لمجلس الأمن، المجتمع الدولي، إلى إنقاذ الأطفال من مخيم الهول للنازحين. وقال "ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية لحماية الأطفال الأبرياء"، مضيفاً "نود التذكير بأنه بموجب القانون الدولي، بما فيه اتفاقية حقوق الطفل، فإن الدول ملتزمة بإعادة مواطنيها، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع تحوّل أطفال مواطنيها إلى أشخاص بلا جنسية". وأشار إلى أنه على الرغم من الصعوبات المتعلقة بوباء فيروس كورونا، عاد إلى موسكو خلال العام الأخير 145 طفلاً روسياً. ومنذ عام 2017، تمت إعادة 274 طفلاً تقل أعمارهم عن 16 سنة، 122 منهم من العراق و152 من سورية.
وكانت "قسد" قد اعتقلت 57 مشتبهاً بانتمائهم لـ"داعش" في المخيم خلال حملتها الأخيرة. لكن ذلك، على ما يبدو، لا يعني تطهير المخيم بشكل كامل، بحسب القيادي في "قسد" آختين قامشلو، الذي قال، في حديث لـ"العربي الجديد": "بالفعل كانت هناك حملة وتم اعتقال الكثير من عناصر داعش، والاستيلاء على الكثير من الأسلحة، لكن لم يتم تطهير المخيم بعد، ولا يزال هناك بعض العناصر المختبئين". وأضاف قامشلو: "العمل الآن يجري على إخلاء المخيم من خلال سحب الدول رعاياها"، مشيراً إلى أن كازاخستان وروسيا وغيرهما سحبت عدداً من الأطفال والنساء من رعاياها وأطفال المقاتلين، إلا أنه لا يزال هناك الكثير، بحسب قوله. وأضاف: "الإدارة الذاتية تشجع هذا الإجراء. وطالبت الإدارة الدول بإعادة رعاياها مراراً ومحاكمتهم في بلدانهم، لكن التجاوب من الدول كان ضعيفاً"، منوهاً إلى أن "الإدارة" ستبدأ حملة ضغط على الدول المعنية لسحب الرعايا من الأطفال والنساء، مؤكداً معلومات تفيد بالاتجاه إلى إفراغ المخيم خلال الفترة القريبة المقبلة.
وأكد قامشلو أن "هناك تنسيقاً بين الإدارة الذاتية وروسيا حيال هذا الأمر، وبدا ذلك من خلال سحب دفعات من الأطفال والنساء، سواء من قبل روسيا أو دول حليفة لها، إذ طلبت الإدارة من روسيا مساعدتها في حل مشكلة المخيم وقاطنيه بشكل مباشر، باعتبارها منتشرة على الأرض السورية، وشمال شرق سورية بشكل خاص". ونوه إلى أن "الاتجاه الآن من قبل الإدارة والروس ينصبّ نحو الضغط على الدول الغربية لاسترداد رعاياها، وسيتم إخلاء مخيم الهول لأنه بات خطراً كبيراً، وتخاف الإدارة الذاتية أن يصبح قاعدة لداعش ينطلق منها مرة ثانية لشن هجماته، وهذا وراد جداً. ونحن في قسد محتاطون لهذا الأمر، فصحراء تدمر والصحراء الشامية مليئة بعناصر داعش، ولدينا مخاوف من أن يتم فتح خطوط تنسيق بين هؤلاء الدواعش، خارج المخيم وداخله". وتابع: "نقوم حالياً بملاحقة الخلايا النائمة خارج المخيم، وفي الوقت نفسه هناك تبادل معلومات استخباراتية على مستوى عالٍ من داخل المخيم، لكي لا يكون هناك تواصل بين الدواعش. وهدفنا ألا يعود داعش مرة ثانية، لأن عودته ستكون بقوة أكبر وبأساليب جديدة في الهجوم".
عباس شريفة: مخيم الهول بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة
ويوم الأحد الماضي، أطلقت "قسد" عملية عسكرية وأمنية واسعة، بالتعاون مع التحالف الدولي، لملاحقة الخلايا النائمة والنشطة في ريف محافظة دير الزور الشمالي، شرقي البلاد، لا سيما مع تعاظم نشاط "داعش" في البادية السورية.
وحول احتمالية تحوّل مخيم الهول إلى قاعدة لانطلاقة جديدة لتنظيم "داعش"، رأى الباحث والخبير في الجماعات الجهادية، عباس شريفة، أنه "مع غياب المعالجة المهمة، وانعدام مراكز التأهيل النفسي والفكري والاجتماعي لعوائل ونساء وأطفال داعش، يشكل مخيم الهول اليوم أزمة خطيرة جداً، فهو بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لأنه في وضعه الحالي يعبّر عن احتضان مجتمع داعشي داخلي، وتربية أطفال في محاضن داعشية، سيخرج منهم متطرفون وغلاة عندما يكبرون ضمن هذه البيئة المتوحشة". وعن الحلول، لفت شريفة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحل يكمن في عدم حصر المعالجة بالعزل واستخدام المقاربة الأمنية، ولا بد من مراكز تأهيل وإيواء وتأمين بيئة سليمة لهؤلاء النساء والأطفال حتى لا يتحوّلوا إلى أزمة جديدة. وهذا يتطلب من الدول التي لها رعايا ضمن المخيم أن تضطلع بمسؤولياتها، وتقوم باستلام مواطنيها وإخضاعهم لعملية تأهيل نفسي وفكري واجتماعي".
ومع نهاية عام 2019، بدأت دول أوروبية، في مقدمتها فرنسا وألمانيا، استعادة أطفال من مواطنيها ممن هم أبناء مقاتلي التنظيم، في حين كانت دول آسيا الوسطى الأكثر عدداً للأطفال الذين أعيدوا إلى بلدانهم من قبلها، كأوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان. وفي وقت سابق من الشهر الماضي، نقلت وكالة أنباء "هاوار"، التابعة إلى "الإدارة الذاتية"، عن إدارة مخيم الهول، الواقع جنوب شرق محافظة الحسكة، أن عدد القاطنين داخل المخيم في آخر إحصائية صدرت في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، يشير إلى وجود 62287 شخصاً، منهم 30706 لاجئين عراقيين، بالإضافة إلى 22616 سورياً. أما عدد أفراد عوائل تنظيم "داعش" فقد بلغ 8965 شخصاً، وهم من النساء والأطفال فقط.