مع ازدياد التراشق الإعلامي بين حركتي "حماس" و"فتح"، وغياب آفاق استكمال مشروع المصالحة الفلسطينية، باتت الخشية من عودة الانقسام الداخلي للسيطرة على المشهد، رغم إقرار كل الأطراف أنّ قطار المصالحة لم ينطلق على سكته الصحيحة حتى بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
حركة "فتح" تتهم "حماس"، بالوقوف خلف أعمال تفجيرية في القطاع، كالتي طالت البنوك، وتحريضها على السلطة وقيامها باعتقالات انتقامية ضد عناصرها وقياداتها، إلى جانب رفض تسليم القطاع إلى حكومة الوفاق. أما "حماس" التي تشكو من غياب حكومة الوفاق عن مشاكل غزة وترى أنّ قراراً سياسياً من الرئيس محمود عباس هو الذي يعيق الحل، فتتهم "فتح" بالسعي لإقصائها من المشهد السياسي، والانقلاب على مفهوم الشراكة الوطنية الذي نصت عليه اتفاقات القاهرة.
وعلى الرغم من تأكيد الحركتين حرصهما على إتمام المصالحة، واستكمال تنفيذ ملفاتها، وعدم وجود رغبة لديهما في العودة إلى مربع الانقسام الأول، إلا أنّ كلا منهما يصر على أن يبدأ الآخر بالتقدم خطوة نحوه، وهو ما يعيق كل مشاريع استكمال المصالحة.
ويقول القيادي في "حماس" إسماعيل رضوان لـ "العربي الجديد"، إنّه "لا عودة إلى الانقسام، ونحن متمسكون بالمصالحة وتحقيقها، واستعادة الوحدة، لأنها تخدم قضية شعبنا الفلسطيني"، لافتاً إلى أنّ ما يمارس ضد غزة، وعدم الالتزام بملفات المصالحة من قبل الرئيس محمود عباس، وتنكر حكومة الوفاق الوطني لدورها ومهماتها ومسؤولياتها تجاه القطاع، مخالفة صريحة لاتفاق القاهرة".
ويؤكدّ رضوان أنّ "حماس" لن تتراجع عن المصالحة أبداً، ولكنها ستجبر كل المعنيين الذين يحاولون التحلل من التزامات المصالحة على تطبيق الاتفاقات، ومعها في ذلك، كل القوى الوطنية والإسلامية، لأنّ المصالحة خيار وطني يجب الاستمرار فيه.
ويشير القيادي في "حماس"، إلى أنّ الذي يريد العودة إلى مربع الانقسام من خلال السلوكيات والتصرفات وعدم الالتزام باتفاق القاهرة والاتفاقات الموقعة، سيصبح منبوذاً من الشعب الفلسطيني، وعليه أن يراجع نفسه.
ويلفت رضوان إلى أنّ كل الخيارات واردة للتعامل مع تنكر حكومة الوفاق لحل مشكلة الإعمار والمعابر والموظفين، والحفاظ على المؤسسات الوطنية، وقد يكون أحد الخيارات تشكيل هيئة وطنية لإدارة هذه الملفات، غيرّ أنّ ذلك يحتاج إلى توافق فصائلي وطني، ومن مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية الوطنية. ويبين أنّه يجب الخروج من هذه الحالة التي تعيشها الساحة الفلسطينية، ولا يمكن أن يستمر هذا التنكر لغزة، في ظل أننا "معنيون بتعزيز صمود وثبات شعبنا الذي يواجه عدواً شرساً".
في المقابل، يؤكد القيادي في حركة "فتح" فيصل أبو شهلا لـ "العربي الجديد"، أنّ الأمور لا تسير قدماً كما هو مطلوب ومتفق عليه، وهناك تأخير في تنفيذ كافة الملفات المتعلقة بالمصالحة، وهناك يومياً عقبات جديدة، وهذا يجعل الصورة غير واضحة، وبالذات في القطاع.
ورغمّ تأكيد أبو شهلا أنّ حركته لن تتراجع عن خيار الوحدة والمصالحة، إلا أنه طالب برفع اليد عن حكومة الوفاق، وإعطائها فرصة تنفيذ رؤيتها للخروج من المأزق الراهن، وتمكينها من العمل في غزة، وتسليمها المعابر، وإزالة العوائق جميعاً أمامها.
ويشير أبو شهلا إلى أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ كل ما اتفق عليه مع "حماس"، ولم تستلم حكومة الوفاق غزة، ولا تزال هناك حكومة ظل قائمة في القطاع، تتصرف من خلالها "حماس" وكأنها المسيطر على القطاع، وتطلب المحاصصة في كل شيء، وهذه معيقات.
ويتفهم أبو شهلا قلق الفلسطينيين من العودة إلى مربع الانقسام، ولا سيما في غزة، التي لا يزال الحصار مضروباً عليها، ولم تبدأ عملية إعادة إعمارها كما يجب، مؤكداً أنّ الإشكاليات هذه تعطي مؤشرات غير إيجابية للناس، وتقلق الجميع.
في غضون ذلك، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، عدنان أبو عامر إلى أنّ الوضع الفلسطيني لم يغادر مرحلة الانقسام بعد، وكل ما شهدناه في الأشهر الستة الماضية، إجراءات بروتوكولية بما فيها تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
ويؤكدّ أبو عامر لـ "العربي الجديد"، أنّ كل الإجراءات والخلافات والقصور، تدلل على أننا ما زلنا في مرحلة الانقسام، وأنّ مسألة العودة للمربع الأول من الانقسام أمر قائم، وله شواهد كثيرة، ولا سيما إذا ما قدر لغزة أن تقوم بأعبائها منفردة، وإذا أمعنت حكومة الوفاق في إدارة ظهرها للقطاع.
ويبين أبو عامر أنّ الخيار الأساسي للخروج من المأزق الراهن، متوفر بيد الرئيس الفلسطيني، بشكل مباشر وواضح، فالحكومة هي حكومة الرئيس، ولذلك عليه مسؤولية أخلاقية ووطنية، عبر المبادرة وعدم السماح بعودة الانقسام، سواء باعترافه بالوضع بغزة، والتفاهم مع حماس على الحد الأدنى، أو الدعوة إلى انتخابات عامة تنقذ الوضع الفلسطيني، رغم أنّ الانتخابات قد لا تكون الحل القادر على الخروج من هذه الأزمات.
ويلفت المحلل السياسي في غزة إلى أنّ بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، يدفع "حماس" إلى خيارات مكلفة عليها وعلى الفلسطينيين، وهي التي تبدو في مأزق حقيقي، يجعلها تنتقل من بديل مكلف، إلى آخر أكثر كلفة في ظل استمرار الخلاف واشتداده.
ولا يعتقد أبو عامر، أنّ هناك ضغوطاً من الإقليم لمنع المصالحة الفلسطينية، إذا توفرت النوايا الحقيقية لطي صفحة الانقسام بشكل كامل، لافتاً إلى أنّ "حماس" إذا شعرت بأنّ تقاربها مع إيران، سيريحها مالياً، فقد تعود للقيام بالأعباء المالية والإدارية في غزة، في ظل ما نشهده من إدارة الظهر من قبل السلطة وحكومة الوفاق للقطاع.