مخاوف من ارتدادات تطورات تشاد على الجنوب الليبي الهشّ

مخاوف من ارتدادات تطورات تشاد على الجنوب الليبي الهشّ

21 ابريل 2021
تدور في تشاد عمليات مسلّحة (عبدالله أدوم محمد/الأناضول)
+ الخط -

طالب مجلس النواب الليبي، رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، والحكومة بـ"اتخاذ إجراءات عاجلة" لحماية الحدود الجنوبية للبلاد، في وقت حذر فيه مراقبون من تداعيات الوضع في تشاد، على الأوضاع الأمنية الهشة في الجنوب الليبي.

وشدد المجلس، في بيان أصدره في أولى ساعات صباح اليوم الأربعاء، على ضرورة إسراع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بـ"توحيد المؤسسة العسكرية لضمان أمن البلاد واستقرارها".

وجاء البيان بعد ساعات من وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي، متأثراً بجروح أصيب بها على جبهة القتال مع مسلّحي المعارضة التشادية.

وقال المجلس، في بيانه، إنه "يتابع الأحداث المتسارعة التي تمرّ بها دولة تشاد الجارة، وما قد يترتب عليها من زعزعة للأمن أو عمليات نزوح في المنطقة"، مهيباً بجميع الجهات المختصة "اتخاذ كلّ الإجراءات العاجلة والحازمة من أجل تأمين وحماية البلاد وحدودها الجنوبية، وصون سيادتها".

وعبّر عضو مجلس النواب عن مدينة مرزق (أقرب المدن الليبية للحدود الليبية التشادية) محمد آدم، عن قلقه البالغ من مستجدات الأوضاع في تشاد، وإمكانية تأثيرها المباشر على مناطق الجنوب الليبي، محذراً من أن المنطقة تعيش فراغاً أمنياً كبيراً.

وحث آدم، في حديثه مع "العربي الجديد"، الحكومة بسرعة على ملء الفراغ الأمني، وتكثيف الوجود الأمني على الحدود الجنوبية و"النظر بعين الاعتبار للمنزلق الذي يمكن أن ينجرّ إليه الجنوب الليبي".

ويحذر الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيظ، من مغبة تحول الجنوب الليبي لظهير للأعمال المسلّحة الدائرة في تشاد، وقال: "في كلا الحالتين، لو نجح المعارضون في التقدم، سيكون عليهم تعزيز مواقعهم في جنوب ليبيا، وتكديس المزيد من الأسلحة والمقاتلين"، مضيفاً: "في الحالة الثانية، وهي خسارتهم للمعركة، يعني أنهم لن يجدوا ملاذاً إلا إلى مناطق الجنوب".

ويتابع عبد الحفيظ حديثه مع "العربي الجديد"، بالقول إنّ "انكسار قوة اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي كانت توفر لهم دعماً، وتوزع مواقعهم وتحدّدها، يعني إضافة عامل جديد ليزيد شكل الفوضى وعدم السيطرة على تلك الحركات المعارضة".

وينشط في الجنوب الليبي عدد من حركات التمرد التشادية، خصوصاً في القرى الرابطة بين سبها ومرزق، وسط الجنوب، والكفرة، جنوب شرقي البلاد، وهي اشتبكت في مرات عدة مع مجموعات قبلية مسلّحة، لكن أطراف الصراع في ليبيا تتبادل الاتهامات بشأن استعانتها بمقاتلي تلك الحركات للقتال في صفوفها، إلا أن تقارير خبراء الأمم المتحدة، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2019، أكدت استعانة حفتر بحركتين تشاديتين للقتال ضمن مليشياته، هما حركة "جبهة الوفاق" بقيادة مهدي علي محمد التي تؤمّن لحفتر قطاعاً من منطقة الجفرة بقوة قوامها 700 مسلّح، وحركة "اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية"، والتي منحها حفتر مواقع في وسط جنوب ليبيا قريباً من منشآت نفطية.

وفي إبريل/ نيسان من العام الماضي، أعلنت عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة "الوفاق" السابقة، مقتل رئيس "حزب العمل" التشادي المعارض، قربان جدي نكور، ضمن صفوف مليشيات حفتر، أثناء تعرضه لقصف جوي في منطقة الوشكة، غربي سرت، قبل أن يؤكد الحزب مقتل زعيمه في بيان رسمي في ذات الفترة.

ويحذر عبد الحفيظ أيضاً من إمكانية تحول مناطق الجنوب الليبي إلى ساحة لتصفية الحسابات بين تلك الحركات، سيما وأنّ أغلبها في صراع قديم، لكن الباحث السياسي الليبي إبراهيم توكه، يرى أنّ تطور الأوضاع في المنطقة سيسرّع من إثارة ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة في ليبيا مجدداً، وباهتمام إقليمي ودولي أوسع.

ويعلّق توكه، وهو عضو بمركز جنوب ليبيا للدراسات والبحوث (أهلي) في حديث مع "العربي الجديد"، على دعوة مجلس النواب للسلطة الجديدة لتأمين الجنوب، بالقول إنها "نوع من إخلاء المسؤولية"، وتابع: "النواب يدركون أنّ الحكومة ومجلسها الرئاسي عاجزان حتى عن تأمين مقارهما في طرابلس، فضلاً عن نشر قوات في الجنوب الهش والمنفلت إلى أقصى درجة".

وفيما يقر توكه بوجود عدة عوامل قد تسرّع حدوث ارتدادات مباشرة لمقتل الرئيس التشادي على مناطق جنوب البلاد، منها أن بعض حركات التمرد التشادية تحتضنها قبائل لها امتدادات في عمق البلدين، يرى أن السلطة في ليبيا يمكنها أن تستثمر تلك العوامل بشكل عكسي للحدّ من انتقال الفوضى إلى مناطق الجنوب.

ويقترح توكه أن يدخل مندوبون عن الحكومة والمجلس الرئاسي كوسطاء للدعوة لطاولة حوار بين النظام التشادي والمعارضة، مؤكداً أن مثل هذه الخطوة ستلقى دعماً إقليمياً واسعاً، خصوصاً أن وقوع تشاد في وسط منطقة توتر أفريقي، يؤثر سلباً على دول المنطقة كلها.

وقال: "أعتقد أن مثل هذه الخطوة هو كل ما يمكن أن تلعبه الحكومة والمجلس الرئاسي، وستلقى دعماً إقليمياً، خصوصاً أن مناطق الجنوب الليبي تشكل فضاءً للمجموعات الإرهابية الخطيرة في النيجر مثلاً، ما سيشجع دولاً كبرى قلقة من إمكانية عودة نشاط ملف الإرهاب في المنطقة"، لكنه يعود ويؤكد أن الحدث "مناسبة مهمة للسلطة الجديدة في ليبيا، يمكنها أن تستثمرها لإثارة ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وحشد الدعم الدولي لإنهائه".