يبدو ملف التفاهمات التي تقودها مصر في ما يخص الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، مع الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، أكثر الملفات أهمية وحساسية بالنسبة إلى القاهرة التي يترقب المسؤولون فيها عن هذا الملف ما سيسفر عنه تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو.
ووفقاً لمعلومات حصل عليها "العربي الجديد"، فإن القاهرة تخشى من أن تؤدي أي قرارات إسرائيلية غير محسوبة تتخذها الحكومة الجديدة إلى نسف التفاهمات السابقة التي توصلت إليها مصر، سواء مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أو مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، مثل التوسع في الاستيطان، خصوصاً في القدس الشرقية، وتكريس نظام الفصل العنصري والتشدد في ملف الأسرى. وهو الأمر الذي يهدد بتفجير الوضع الأمني في الضفة وغزة من جديد، ما يمكن أن ينعكس على الوضع الأمني الداخلي في مصر.
عسكري سابق: صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف يمكن أن يهدد بخسارة العلاقات التي بنتها إسرائيل مع مصر
وفي هذا السياق، فإن المسؤولين المصريين ينتظرون من نتنياهو إثبات أن التفاهمات مع مصر لا تزال سارية وأن الالتزامات التي أخذتها إسرائيل على عاتقها لا تخضع لأهواء الأعضاء المتطرفين في حكومته مثل بتسلئيل سموتريتش.
وعلق باحث سياسي مصري على الوضع الحالي بأن "الأساس الذي بنيت عليه العلاقات (الاستراتيجية) بين النظام المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والاحتلال الإسرائيلي هو الاعتراف العميق من الطرفين بالمصالح الأمنية المتبادلة، ولذا فإن المساس بتلك المصالح من جانب أي طرف، يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات بين الجانبين".
العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية مهددة
من جهته، قال عسكري مصري سابق، وهو خبير في الشؤون الاستراتيجية، إن "صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف يمكن أن يهدد بخسارة العلاقات الأمنية والاستخبارية القوية التي بنتها إسرائيل مع مصر، والتي تجسدت في موافقة إسرائيل على العمليات العسكرية المصرية في المناطق، التي كان من المفترض أن تظل منزوعة السلاح بموجب معاهدة السلام الموقعة بين البلدين (في عام 1979)، وزيادة أعداد القوات المصرية في المنطقة (ج) بموجب تعديلات أدخلت على الملاحق الأمنية للمعاهدة".
وأضاف العسكري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "حتى الترتيبات الخاصة بنقل جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر من مصر إلى السعودية، بإذن إسرائيل التي وافقت على رحيل القوات العسكرية متعددة الجنسية الموجودة على الجزيرتين بموجب معاهدة السلام أيضاً، واستبدالها بكاميرات مراقبة تثبت على الأراضي المصرية، أصبحت معطلة الآن، مع الأنباء الخاصة باعتراض مصر على تفاصيل خاصة بتركيب تلك الكاميرات".
ولفت إلى أن "خسارة العلاقات العسكرية والأمنية والاستخبارية بين مصر وإسرائيل في الوقت الحالي ستضر بالطرفين على حد سواء". وأوضح أن محاولات مصر لتحييد التهديد الأمني، الذي يمكن أن يتطور في غزة ويمتد إلى أراضيها، والذي يعتمد على التطابق الحالي للمصالح الإسرائيلية والمصرية، معرضة حالياً للفشل مع وجود خطة إسرائيلية لحكومة اليمين المتطرف تهدد بتفجير الوضع في غزة والضفة الغربية.
باحث مصري: أي مساس بالمصالح الأمنية المتبادلة يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات
وأشار العسكري المصري إلى أن "خطة إسرائيل لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لقطع الطريق على أي عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين أثبتت فشلها، بعد ممارسات قوات الاحتلال في الضفة والقدس الشرقية، التي وحدت الفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وقوضت جهوده للتعامل مع كل منطقة على حدة".
وقال الخبير الاستراتيجي المصري، إن "الوضع الحالي يتمثل في التزام حركة حماس في قطاع غزة بالتفاهمات التي توصلت إليها مع مصر، وبشكل غير مباشر مع إسرائيل أيضاً، وذلك بدعم من الأموال الخليجية التي تدخل إلى القطاع، ومشاريع إعادة الإعمار التي تنفذها مصر. وبالنسبة للضفة الغربية، هناك أيضاً هدوء ووقف إطلاق نار، مع تنفيذ قوات الاحتلال الإسرائيلي العديد من العمليات، تحديداً ضد الجهاد الإسلامي. لكن مصدر الخطر يتمثل في محاولات الاحتلال تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي، والتوسع الاستيطاني المتسارع في القدس الشرقية، بالإضافة إلى التدهور الخطير في ظروف السجن للأسرى الفلسطينيين في إسرائيل".
تهديد علاقات إسرائيل بمصر والفلسطينيين
وأضاف المصدر أن "نتنياهو رغم توجهاته العلمانية، إلا أنه وجد طوق النجاة لحكومته في التحالف مع اليمين الديني، الذي حصل على نسبة كبيرة من المقاعد، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل تتجه إلى حالة يمينية متطرفة لم تشهدها في السابق، وهو ما يهدد علاقاتها مع مصر ومع الفلسطينيين".
ولفت إلى أن "تلك التطورات (الخطيرة) في الوضع داخل إسرائيل والأراضي المحتلة ينذر بإنهاء حالة الهدوء وعودة العمليات العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة، وهو ما يهدد الجبهة الداخلية المصرية".
وقال العسكري المصري السابق إنه "على الرغم من نجاح القوات المسلحة المصرية، في تحجيم نشاط الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، لا سيما على الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل، إلا أن أنشطة تلك الجماعات انتقلت إلى مناطق في العمق المصري، خلال الأشهر الماضية وتحديداً في مناطق شرق قناة السويس كقرية جلبانة ومدينة القنطرة شرق، التي حاول تنظيم داعش الإرهابي السيطرة على أجزاء منها لكن الجيش المصري استعاد السيطرة عليها".
وتابع المصدر: "الهجوم الإرهابي الذي تعرض له كمين أمني في محافظة الإسماعيلية، غربي قناة السويس، الجمعة الماضي، وخلّف عدداً من القتلى والجرحى في صفوف قوات الشرطة، يؤكد أن الأوضاع الأمنية في البلاد لا تزال غير مستقرة".