أثار التفجير الأخير الذي تعرّض له مستودع سلاح وذخيرة تابع لأحد الفصائل العراقية المسلّحة في مدينة النجف جنوب غربي بغداد، نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، مجدداً، الجدل حول مخازن الأسلحة والذخائر التابعة لعشرات الفصائل العراقية المسلّحة والتي تنتشر داخل المدن وعلى أطرافها، وتتخذ من منازل هجرها أهلها، أو مبانٍ حكومية ومعسكرات سابقة، مقرات لها. وفتح الانفجار الباب أمام عودة التحذيرات من تكرار حوادث التفجيرات داخل تلك المستودعات، التي أصبحت بمثابة قنابل موقوتة تهدد أمن وحياة العراقيين.
الانفجار الأخير، الذي عزته السلطات إلى سوء التخزين وارتفاع درجات الحرارة، أدى إلى إصابة عدد من المواطنين في النجف، إضافة إلى إلحاقه أضراراً مادية كبيرة بالمنازل السكنية، نتيجة تطاير الصواريخ والقذائف المتأثرة بالحريق الذي اندلع في المستودع التابع لمليشيا "فرقة الإمام علي القتالية" والواقع جنوبي النجف.
مسؤول عراقي: لا يزال ما لا يقل عن 80 مستودعاً ومخزن سلاح لفصائل "الحشد"، في المدن
وتحدث مسؤول عراقي في بغداد، عن طلب جديد من السلطات وجّهته إلى مسؤولين في "الحشد الشعبي"، بأهمية تفعيل قرار مجلس الوزراء السابق للعام 2017 إبان حكومة حيدر العبادي، بنقل مستودعات ومقرات السلاح إلى خارج المدن والتجمعات السكانية بما لا يقل عن مسافة 20 كيلومتراً، والالتزام بإجراءات السلامة المتبعة في خزْن المواد المتفجرة. وأكد المصدر وجود ما لا يقل عن 80 مستودعاً ومخزن سلاح لفصائل تابعة لـ"الحشد"، وتحوي أسلحة وصواريخ ومواد متفجرة، لا تزال في المدن. وأوضح أن بغداد وبابل وديالى وصلاح الدين ونينوى وكربلاء، تتصدر المدن أو المحافظات العراقية من حيث خطورة الوضع المرتبط بوجود مثل هذه المخازن فيها، "إذ أقيم بعض تلك المخازن داخل مناطق سكنية، وأخرى على مشارفها، علماً أن فصائل عدة كانت التزمت بنقل مخازنها إلى مناطق بعيدة، منذ فترة، وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة".
ولفت المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن بعض الفصائل تتذرع بعدم توفر مستودعات بديلة لها، فيما تصر أخرى على التأكيد أنها قامت بنقل مخازنها، وذلك بخلاف الحقيقة. وأشار إلى أن فصائل مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء"، تعتبر وجود سلاحها بالقرب منها مسألة أمنية وحسّاسة، وهي تتعمد وضعه في المناطق السكنية، لحمايته، إذ إنها تعتبر أنه في حال قررت واشنطن استهداف مقرات لها، فإنها لن تقترب من مناطق سكنية، بحسب شرحه. وأوضح المصدر، بحسب التقرير الأمني الأخير للسلطات، أن مستودعات أسلحة فصائل "الحشد"، تقسم إلى قسمين: الأول يشمل الرسمية المسجلة والمعلومة لدى السلطات العراقية، والثاني يتضمن تلك التي تحتفظ بها الفصائل لنفسها كترسانة خاصة، وتضم قنابل هاون وصواريخ موجهة وقذائف مدفعية ودبّابات وبراميل تي أن تي وسي فور، و"كلّها قابلة لأن تكون مشروع كارثة" بحسب قوله. وأقرّ بأن "الأجهزة الأمنية تعرف مكان عدد غير قليل من هذه المستودعات، لكنها لا تقترب منها، نظراً لحساسية الموضوع سياسياً، وتجنباً لمواجهة بين حكومة مصطفى الكاظمي وتلك الجهات".
وتملك الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران، مقرّات خاصة لتخزين أسلحتها، وعتادها الثقيل المتمثل في الصواريخ والقاذفات والمدافع، فضلاً عن عشرات الآلاف من قطع الأسلحة المتوسطة والخفيفة والذخيرة الخاصة بها، ومتفجرات خام وألغام وعبوات ناسفة مختلفة، يصل وزنها الإجمالي إلى عشرات آلاف الأطنان، وكلها بحكم المرخّصة من الحكومة العراقية ومدرجة ضمن ترسانة "الحشد الشعبي" التي تشكلت خلال سنوات الحرب على تنظيم "داعش". لكن انتشار هذه المخازن داخل المدن، ومن دون مراعاة لوسائل الحماية والأمن والحفظ وفق المعايير، بات يشكل خطراً حقيقياً على السكّان، ويحول هذه المخازن إلى قنابل موقوتة، قابلة للانفجار في أي لحظة، على غرار ما حصل في مرّات سابقة. وقتل وأصيب 204 عراقيين جرّاء ثلاثة انفجارات لمخازن أسلحة، وقعت بين العامين 2016 و2018 في بغداد وحدها: الأول في منطقة هور رجب، جنوبي العاصمة، والثاني في حي العبيدي شرقي بغداد، والثالث في مدينة الصدر، وأدت جميعها أيضاً إلى وقوع أضرار مادية، بما فيها انهيار منازل سكنية.
تملك الفصائل مخازن سلاح مسجلة لدى السلطات، وأخرى خاصة
وتعليقاً على ذلك، اعتبر النائب العراقي باسم خشان، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "مناطق معينة في بغداد وبعض المحافظات العراقية الأخرى، باتت عملياً تحت سيطرة ونفوذ فصائل وجماعات مسلحة، حوّلت مباني كثيرة إلى مخازن لأسلحتها، والتي بعضها رسمي ومعلوم للحكومة، وبعضها الآخر غير رسمي". وشدّد خشان على أنّ "وجود هذه الأسلحة والمتفجرات وسط الأحياء السكنية، يمثل مصدر خطر كبير على سلامة الأهالي، وينذر بوقوع كوارث أمنية وإنسانية لا تحمد عقباها".
وشدّد النائب العراقي على أن "الجهات الحكومية المختصة، مطالبة بالتحرك السريع من أجل تنظيف المناطق السكنية من أسلحة الجماعات المسلّحة، التي تهدد حياة وسلامة المواطنين"، لافتاً إلى أن "التحرك الحكومي والأمني يتطلب عمليات أمنية حقيقية لمحاربة وحصر السلاح المنفلت، وليس إطلاق حملات إعلامية وعمليات تستهدف أسلحة المواطنين الخفيفة غير المرخصة، فيما تترك السلاح الثقيل والمتوسط بين الأحياء السكنية"، على حدّ قوله.
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، علي البيدر، أن تعمد بعض الفصائل وضع مخازن سلاحها في الأحياء السكنية يأتي لتفادي استهداف جوي لها من قبل الولايات المتحدة، محذراً بدوره في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن "استمرار وجود تلك المخازن، قد يؤدي إلى وقوع كوارث، خصوصاً أن إمكانية قصفها قائمة حتى مع وجودها داخل أحياء سكنية". وذكّر البيدر بـ"توجيه الحكومة أكثر من مرة أوامر بإخلاء المناطق السكنية من مخازن الأسلحة، من دون أن تستجيب لها تلك الجماعات، كما أن استمرار عمليات القصف الصاروخي من داخل أحياء بغداد السكنية يؤكد وجود تلك المخازن الخطيرة بين منازل المدنيين، وعدم اكتراث تلك الجماعات لحياة المواطن العراقي، ويبرهن في الوقت ذاته على ضعف الحكومة في مواجهة تلك الجماعات".
وردّاً على ذلك، أكد كمال الحسناوي، نائب زعيم مليشيا "حركة الأبدال" أحد أبرز الفصائل العراقية المسلّحة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ مخازن السلاح التابعة لفصائل "الحشد الشعبي" نقلت إلى خارج المدن، لافتاً إلى أنّ ما هو موجود حالياً داخل المدن "يعود لعصابات وتجار سلاح يستغلون اسم الفصائل المسلحة". وشدّد الحسناوي على أن قيادة العمليات المشتركة العراقية، على معرفة بعمليات نقل سلاح الفصائل إلى خارج المدن، وأن الحكومة مسؤولة عن ملاحقة المخالفين الذين ينتحلون صفات وأسماء الفصائل في عمليات تخزين داخل المدن.