أعلنت جماعة "الإخوان المسلمين"، الأحد الماضي، اختيار الدكتور صلاح عبد الحق عضو مجلس الشورى العام للجماعة، قائماً جديداً بأعمال المرشد، وذلك خلفاً للراحل إبراهيم منير الذي وافته المنية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
خلافات "الإخوان" بين جبهتين
الإعلان جاء وسط خلافات داخلية تشهدها الجماعة، بين ما يعرف إعلامياً بـ"جبهة لندن" و"جبهة إسطنبول"، وفي ظل تحولات إقليمية كبيرة، في مقدمتها التقارب بين مصر وتركيا.
وفي السياق، يعلّق أحد قادة الجماعة البارزين في العاصمة البريطانية لندن محمد سودان، في حديث مع "العربي الجديد"، على مختلف التطورات بما في ذلك الخلافات الداخلية للجماعة بالقول: "نتمنى أن يعود الجميع إلى رشدهم وأن يعودوا للجماعة الأم فهناك محاولات كثيرة للمّ الشمل، وبالنسبة لنا يهمنا أن يكون لم الشمل اليوم قبل غد".
وسودان هو مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للجماعة في مصر، والذي صدر بحقه حكم قضائي بحلّه، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، بالانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013.
ينفي سودان أن تكون الفترة الماضية قد شهدت أي اتصالات بين قيادات في الجماعة والنظام المصري
وبشأن وزن "جبهة إسطنبول"، يرى سودان أن "الجبهة الأخرى أعدادهم بسيطة جداً، ومن الممكن حصرهم بالاسم بسبب قلة عددهم، إلا أن ما يضفي حجماً أكبر لهم هو أن معهم القناة التي كانت معبرة عن الجماعة"، في إشارة إلى قناة "وطن" الفضائية، والموقع الإلكتروني.
ويلفت سودان إلى أن الاجتماع الذي نظمه القائم الجديد بأعمال المرشد في إسطنبول، حضرته أعداد كبيرة للغاية، تجاوزت الألفي شخصية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأعداد في مدينة إسطنبول فقط، حيث إن هناك أعداداً كبيرة أخرى تتبع للجماعة الأم في ماليزيا وأوروبا وغيرها من دول العالم.
وبشأن توقعه أن يساهم اختيار القائم الجديد بأعمال المرشد في رأب الصدع داخل الجماعة، استناداً إلى تاريخه التنظيمي حيث كان من الرعيل الأول، وكان رفيقاً لمرشد الجماعة محمد بديع، وكذلك القائم السابق بأعمال المرشد محمود عزت، يقول سودان: "أظن أن الكثيرين داخل الجماعة وخارجها لم يتوقعوا اختيار الدكتور صلاح لخلافة القائم بأعمال المرشد الراحل الأستاذ إبراهيم منير، حيث كان الاختيار في بادئ الأمر محصوراً في ثلاثة أسماء، وبالطبع اختياره جاء مناسباً وينبئ بأن هناك تطوراً داخل الجماعة"، ويلفت إلى أن "الدكتور صلاح كان منذ اللحظة الأولى للخلافات الداخلية على الحياد"، متوقعاً "أن يساهم في جذب الكثير من المختلفين خلال الفترة المقبلة". ويوضح سودان أن الأسماء الثلاثة هي "الدكتور محيي الزايط، والدكتور حلمي الجزار، والدكتور محمد الدسوقي".
وحول حقيقة ما تردد أخيراً عن أنه كانت هناك رسالة مسرّبة من مرشد الجماعة في السجون المصرية محمد بديع، حملت ما يدعم اسم صلاح في لعب دور في قيادة الجماعة إبان تصاعد الخلافات الداخلية ووجود تأثير لها في توليه قيادة التنظيم، يقول سودان إن الرسالة بالطبع حقيقية وتم التأكد منها، والأهم فيها أنها حملت دلالة واضحة، وهي أنها جاءت لتؤكد بأن هؤلاء على الطريق الصحيح، فالرسالة أنارت الطريق، خصوصاً أن بديع له بيعة في رقبة كل عضو بالجماعة، وعلى الجميع الالتزام بهذه البيعة.
وحول توقيت اختيار الجماعة مرشداً جديداً خصوصاً في ظلّ صعوبة إطلاق سراح المرشد الحالي من السجون المصرية قريباً، يشير سودان إلى أن هناك لائحة واضحة تحكم الجماعة ونحن نتبع هذه اللائحة، والتي حددت كيفية التعامل في حال غياب المرشد أو في حال وجود سبب منعه عن ممارسته لدوره، حيث يحل محله نائبه الأول، ثم الثاني، ويضيف: أما الحالات التي يتوجب معها اختيار مرشد جديد، فهي إما أن يعلن المرشد تنحيه أو بالوفاة، أو انتهاء المدة، ولكن في الحالة الحالية، فإن المادة الخاصة بانتهاء المدة معلقة بسبب الظرف الراهن.
سودان: تركيا لم تطلب من أي من قيادات الجماعة مغادرة أراضيها
خط أحمر لتركيا
من جهة ثانية، ينفي سودان أن تكون الفترة الماضية قد شهدت أي اتصالات بين قيادات في الجماعة والنظام المصري، وبرأيه، فإن "النظام المصري يكره جماعة الإخوان كرهاً شديداً، لكون أن هناك عداء شديداً جداً من جانب العسكر للجماعة"، ويقول إنه "عندما تمّ انتخاب الرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2012، ليكون أول رئيس مدني منتخب في مصر، حدثت صدمة كبيرة لدى العسكر، لأنهم كانوا يتعاملون على أن هذا البلد ملك لهم، ولأن الإخوان منذ عام 1952، يطالبون بإبعاد العسكر عن الحكم وعودتهم إلى الثكنات، والآن نجد القوات المسلحة في مصر تسيطر على نحو 70 في المائة من الاقتصاد المصري، وكان الإخوان هم الفصيل المنظم الذي يقف في وجههم، ومن الصعب بعدما دانت البلد كلها للعسكر، أن يعيدوا الإخوان ليس للسياسة فقط، ولكن للحياة بشكل عام".
ولا يعتقد سودان بأن تساهم التغيرات الإقليمية وعلى رأسها التقارب المصري التركي في تحولات بموقف الجماعة أو النظام المصري، ويعتبر أن "تركيا تتقارب مع النظام المصري فقط من أجل مصالح اقتصادية، وليس من أجل السياسة، وهناك اتفاق بين الجانبين التركي والنظام المصري على أن إدخال الجماعة في العلاقة بين البلدين سيفشل اتفاقات عودة العلاقات".
ويقول سودان حول ذلك إن "الحكومة التركية أكدت للمسؤولين في مصر أن تسليم أي من الإخوان الموجودين على أراضيها خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، فالقائم الجديد بأعمال المرشد موجود في تركيا، وكذلك الهيئة الإدارية التي تعادل مكتب الإرشاد أيضاً، ونحن نشكرها كثيراً على موقفها في دعم المظلومين وحماية ضيوفها".
كما ينفي سودان علمه بأن تكون تركيا قد طلبت من أي من قيادات الجماعة مغادرة أراضيها، قائلاً: "على حد علمي إن هذا لم يحدث، وكل ما طلبه الأتراك سلفاً في هذا الإطار، كان خفض الصوت المهاجم لمصر في الإعلام المعارض للنظام المصري والذي يبث من إسطنبول، أي أن الأمر انحصر فقط في الإعلام"، ويوضح أن "خير دليل على ذلك، أنها لم تطلب مغادرة الدكتور صلاح عبد الحق أراضيها عقب الإعلان عن اختياره قائداً للجماعة وقائماً بأعمال المرشد".
ويضيف: "هنا يجب توضيح أمر آخر، فرغم أن اختيار القائم بأعمال المرشد أمر خاص بالجماعة ومؤسساتها فقط، إلا أن هذا لا يعني عدم استئذان الجانب التركي في الإعلان باعتبار أن الإخوان ضيوف في تركيا، وظنّي أن الجماعة لم تقدم على خطوة الإعلان عن اسم القائم الجديد بأعمال المرشد الموجود والمقيم في تركيا حتى الآن قبل استطلاع موقف الجانب التركي واستئذانه".