تحدث عسكري مصري سابق لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل خاصة بجنود كتيبتين من قوات الصاعقة المصرية، أُبيدتا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1967، في الحرب المعروفة عربياً باسم "النكسة".
وكان تقرير لملحق صحيفة يديعوت أحرونوت كشف قبل أيام أن دولة الاحتلال الإسرائيلي دفنت أكثر من 70 جثماناً من جثامين قوات كوماندوز مصريين شاركوا في حرب حزيران من العام 1967، كقوة مساندة للقوات الأردنية، تحت ما أصبح اليوم موقفاً للسيارات، في متنزه بلدة ميني إزرائيل في منطقة اللطرون التي احتلتها إسرائيل خلال الحرب المذكورة، وقامت بتهجير سكان قراها الثلاث المشهورة: عمواس ويالو والمجدل، وزرع مناطق حرشية أطلقت عليها اسم "متنزه كندا"، ثم لاحقاً في سنوات الثمانينيات أقامت "بلدة سياحية صغيرة تحوي مجسمات ومباني مصغرة الحجم، على غرار مدن مشابهة في دول مختلفة في العالم".
وقال العسكري المصري نفسه إن "ما فعلته قيادات عسكرية بأبنائها في حرب 1967، لا يقل جسامة عما ارتكبته القوات الإسرائيلية بحقهم، لجهة تركهم في العراء من دون خطة ولا ملابس وأحذية، لمواجهة الموت على يد القوات الإسرائيلية، وحتى الآن لم تصرف الحكومة المصرية تعويضات لأهالي هؤلاء الشهداء".
واقعة إحراق الجنود المصريين
وعن واقعة إحراق الجنود المصريين، كشف العسكري المصري، أن مصر أمرت بنشر كتيبتين من قوات الصاعقة في 2 يونيو 1967 على الجبهة الشرقية (الأردن)، وأن القوات المصرية بدأت الإغارة على جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتباراً من 3 يونيو.
وأكد أن "الكتيبتين أُبيدتا تقريباً في هزيمة يونيو، وأن مجموعة من أبطال الصاعقة المصرية بقوا في الأردن ورفضوا العودة إلى مصر، بسبب غضبهم من قرارات قيادتهم المتخبطة، وشعورهم بالخذلان، وعاشوا في الأردن وتزوجوا وأنجبوا هناك".
وذكر أن "من بقي من الكتيبتين لا يتجاوز عددهم 11 فرداً، عاشوا في الأردن ورفضوا العودة إلى مصر". وأشار إلى أنه "حين أغلقت مصر المضائق وطردت قوات الطوارئ الدولية، لم يكن للجيش المصري قوات في سيناء".
وأضاف العسكري أن "المقاتلين المصريين أتوا أفراداً وجماعات من اليمن بلا استعداد، ومن دون الزي العسكري المصري، وتمّ الدفع بهم مباشرة في أتون الحرب".
ورأى العسكري المصري أن "صمت الجيش المصري والحكومة المصرية مريب ويدعو للتساؤل حول أسبابه"، مضيفاً أن "قصة الكتيبتين المصريتين اللتين كانتا موجودتين في الأردن، معروفة وقديمة، لكن تفاصيلها كانت مخفية عن الناس. والآن ظهرت القصة بتفاصيلها برواية الجانب الإسرائيلي، فلماذا لا يتحدث الشهود المصريون من العسكريين الذين عاشوا تلك التفاصيل، ومنهم مؤسس الصاعقة المصرية جلال هريدي، الذي كان برتبة عقيد وكان قائداً لقوات الصاعقة المصرية في الأردن".
ولفت إلى أنه من غير المعروف "متى انسحب هريدي من المعركة وعاد إلى مصر، وقواته كانت مقسمة على كتيبتين وكل كتيبة تضم 3 سرايا، وكل سرية تحتوي على 3 فصائل، وكانت كل سرية مكلفة باحتلال أحد المطارات الإسرائيلية وكان عددها 6 مطارات".
عسكري مصري: صمت الجيش المصري والحكومة المصرية مريب
أما الشاهد الآخر فهو رئيس أركان حرب تدريب الصاعقة آنذاك الرائد مصطفى كامل السيد، الذي خدم في عمليات الصاعقة عام 1976.
والمعروف أن الفريق جلال هريدي الذي أسس أول فرقة صاعقة مصرية عام 1955 بالقوات المسلحة، تحدث بعد 40 عاماً من الصمت، وكان ذلك في احتفالية أقامها رجال الصاعقة قبل عشرة أعوام في أحد نوادي القوات المسلحة، عندما كرّمه الرئيس الراحل محمد مرسي.
تفاصيل ميدانية عن قوات الصاعقة
وعن واقعة كتيبتي الصاعقة، قال هريدي يومها في تصريحات تناقلتها مواقع مصرية وصفحة "أبطال منسيون" على "فيسبوك": "كانت قوات الصاعقة دخلت الأردن عام 1967، وتوغلت داخل إسرائيل، ولما تقرر الانسحاب نودي عبر أثير الإذاعة المصرية: (وحدات جلال وحلمي عودوا إلى قواعدكم). وحلمي هو اللواء أحمد حلمي أو الجنرال وكان هذا النداء حديث مصر كلها".
وأضاف هريدي أنه "بعد معركة رأس العش في بورسعيد أثناء حرب الاستنزاف (1967 ـ 1970)، فوجئت بالقيادة السياسية تخيّرني إما أن أُعين ملحقاً حربياً في الخارج، أو أن أُحال إلى المعاش، فاخترت المعاش فوراً ومن دون تفكير، إذ كيف أعين ملحقاً حربياً، ويوجد عدو في مصر، وأنا قائد الفدائيين، ولم أقصر وأنسحب، بل استدعيت وقواتي من داخل إسرائيل، فتمت إحالتي إلى المعاش".
وقال هريدي إن "الوحدتين جلال وحلمي، هي الاسم الرمزي لمجموعتين من القوات الخاصة كانت في حرب 1967 على حدود فلسطين والأردن، وتوغلت في نابلس بعد العدوان على مصر إلى المستوطنات الإسرائيلية وشاركت في عدد من المعارك. وقد رفضت هذه المجموعة قرار الانسحاب واستمرت في القتال فقامت القوات الأردنية بمقاتلتها، فكانوا يقاتلون الأردنيين والإسرائيليين في ذات الوقت. وكانت الإذاعة المصرية تذيع نداءً دائماً تطلب فيه من الوحدتين العودة والتوقف عن القتال، ولم تتوقف المجموعات عن القتال إلا بعد أسبوعين، بعد نفاد كل المؤن وذهاب قائد المجموعات العام بنفسه إلى الجبهة".
وفي عهد الرئيس الراحل محمد مرسي ولمناسبة احتفالات حرب أكتوبر لعام 2012 جرى تكريم هريدي بمنحه رتبة فريق فخري ووساما تكريميا.
وحول ذلك قال هريدي: "إنه بمنحه درجة الفريق الفخري من رئيس الجمهورية، فهو يشعر أن كرامته عادت مرة أخرى في آخر أيام عمره، وبعد وصوله لسن 83 سنة".
وتقدم هريدي في يونيو 2013 إبان الانقلاب العسكري، برفقة مجموعة من الضباط المتقاعدين، بطلب إلى لجنة شؤون الأحزاب برئاسة المستشار محمد عيد محجوب، لتدشين حزب جديد باسم "حماة الوطن"، الذي احتل المركز الرابع في الانتخابات النيابية لعام 2015 بـ18 نائباً من أصل 596 نائباً.
الموقف الرسمي للدولة المصرية
وأعاد الإعلان عن المحرقة التي ارتُكبت بحق الجنود المصريين، فتح ملفات هزيمة يونيو 1967، ومدى سوء الإدارة وانعدام التخطيط الذي كان السمة المميزة للجيوش العربية بشكل عام والجيش المصري على وجه الخصوص.
لكن الكشف عن إحراق أفراد من كتيبتي الصاعقة المصريتين بمنطقة اللطرون المتاخمة للقدس المحتلة، على يد الجيش الإسرائيلي، قوبل بصمت مصري تام استمر لمدة يومين، قبل أن تصدر رئاسة الجمهورية بياناً حول تلقّي الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء الأحد الماضي، اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد.
وذكر البيان أن الاتصال تناول "بعض موضوعات العلاقات الثنائية بين البلدين، وتم التوافق على قيام السلطات الإسرائيلية بتحقيق كامل وشفاف بشأن ما تردد من أخبار في الصحافة الإسرائيلية، اتصالاً بوقائع تاريخية حدثت في حرب عام 1967، حول الجنود المصريين المدفونين في القدس. وأكد السيد لبيد أن الجانب الإسرائيلي سيتعامل مع هذا الأمر بكل إيجابية وشفافية، وسيتم التواصل والتنسيق مع السلطات المصرية بشأن مستجدات الأمر بغية الوصول إلى الحقيقة".
جلال هريدي: قاتلنا قوات أردنية وإسرائيلية في 1967
وفي اليوم التالي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً نقلت فيه عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ، إعلانه أنه "تم تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بالتواصل مع السلطات الإسرائيلية لتقصّي حقيقة ما يتم تداوله إعلامياً، والمطالبة بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية هذه المعلومات وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة".
وقالت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "هناك توجيهات صدرت من قبل إدارة الشؤون المعنوية التابعة للقوات المسلحة المصرية، لوسائل الإعلام المملوكة لجهاز المخابرات العامة، بعدم التعاطي مع الأخبار الواردة من إسرائيل بشأن المذبحة وعدم نشر أي متابعات أو تقارير عنها، حتى خرج بيان وزارة الخارجية فاكتفت المواقع والصحف بنشر بيان الرئاسة والخارجية فقط".
واستبعدت المصادر قيام الحكومة المصرية بأي تحرك جاد، وقالت: "كيف سنحرك قضية دولية ضد إسرائيل ونحن لا نمتلك أرشيفاً للصاعقة المصرية، ولا لحرب 1967، ولا لحرب 1973؟".
وأضافت أن "العلاقات القوية التي تربط النظام المصري بالاحتلال الإسرائيلي، تجعل من الصعب القيام بأي تحرك مصري"، مؤكدة أنه "يجب على الأقل المطالبة بعودة الجثامين لتكريم هؤلاء الشهداء".
بدوره، روى اللواء أحمد رجائي، من قوات الصاعقة المصرية (دفعة الكلية الحربية سنة 1958)، لموقع "المجموعة 73 مؤرخين"، أنه عاد من حرب اليمن إلى القاهرة بعد أن "رفض ضرب نساء وأطفال في حرب اليمن، وبعدها بأيام قليلة وعندما بدأت أزمة إغلاق مضيق تيران، وقبل حرب يونيو مباشرة، طُلب مني وكنت مع 3 مجموعات، أنا والنقيب محرم، استطلاع منطقة بجنوب سيناء، فاستطلعنا المطار ورجعنا على منطقة الكونتيلا، وسط سيناء، وكانت قاعدة للصاعقة، وكان فيها مؤسس الصاعقة العقيد جلال هريدي".
وأضاف رجائي: "تحركنا إلى الأردن في 3 يونيو ووصلنا إلى مطار الأردن، وكان الملك حسين في استقبالنا، ثم بعد ذلك ذهبت كتيبة إلى رام الله وأخرى إلى نابلس. ذهبت أنا إلى رام الله وكان معنا جلال هريدي وكنا 3 سرايا وأنا انضممت لإحداها، على الرغم من أنني لا أتبع هذا التشكيل. ذهبنا إلى الأردن وهدفنا 6 مطارات رئيسية داخل إسرائيل، وأنا كانت مهمتي في مطار اللد".
تحولات غريبة سبقت حرب 1967
وشدّد رجائي على أن ظروف الحرب "كانت غريبة: 40 في المائة من القوات تم تسريحها من الخدمة قبيل اندلاع الحرب، وتم استدعاء دفعات كانت قديمة وغريبة، وتضمّ رجالاً تجاوزوا سن الـ40 سنة".
وأضاف: "في 4 يونيو قمنا بالتنشيط والجهود الفردية وتم تسكين الجنود، وكانت الملابس والأحذية قد وصلت للجنود في المطار، وقابلنا اللواء عبد المنعم رياض الذي كان قائد جبهة الأردن، والعميد منير شاش، والعقيد جلال هريدي. وفي 5 يونيو صباحاً جهزنا أنفسنا والذخيرة ومعدات النسف وكل شيء".
وأضاف: "جلسنا في الميس (المطعم)، فدخل ضابط أردني وقال: سيدي افتح الراديو، إسرائيل هجمت على مصر، فتحت الراديو وبدأنا نسمع البيانات (غير الدقيقة) التي كان هدفها رفع المعنويات". وأكد رجائي: "لو كنا من بدأ الضربة لكان الأمر اختلف تماماً، فلو دمرنا المطارات الإسرائيلية كانت ستشل إسرائيل تماماً، وكان دخول أي قوات عربية سهل، لكن إسرائيل هي التي بدأت الضربة".
أحمد رجائي: 40 في المائة من القوات تم تسريحها من الخدمة قبيل اندلاع الحرب
وروى تفاصيل عدة: "تحركنا ووصلنا إلى بلدة بيت إلياس وخرجنا منها الساعة 9 ونصف مساءً تقريباً وكان معنا دليلان فلسطينيان. كنا الدورية الوحيدة التي وصلت إلى هدفها لأني أحب السير الليلي، ولكن ما حدث أن الدليلين أضاعا الطريق وحاولا إعادتنا إلى نقطة الانطلاق، لكنني لاحظت ذلك وأعدت المجموعة إلى خط سيرها ووصلنا إلى نابلس في الساعة الرابعة صباحاً تقريباً وكان ذلك قبل أول ضوء بنصف ساعة".
وأشار إلى أن "المسافة كانت 12 كيلومتراً فقط، لكن مصادفة رتل إسرائيلي، وكان لا يمكن الاشتباك معه، عطّل سيرنا، بالإضافة لمحاولة تضييعنا من قبل الدليلين".
وأضاف رجائي: "بدأنا استطلاع المطار فوجدنا 3 طائرات، بينها حاملة جنود وحولها جنود المظلات، وفي هذا التوقيت تحديداً جاءت إشارة (جلال وحلمي عودوا إلى مواقعكم). ومعناها إلغاء العملية. حلّ النهار ونحن عائدين، دخلنا في منطقة تشبه السافانا العالية، تظهر من خلالها رؤوسنا فقط، فعدنا إلى الخلف قليلاً، وكان هناك بستان برتقال بطول خط المواجهة، وكان كل همي حينذاك أن أجد المستعمرة التي عبرناها لأعود منها. وكانت المستعمرات جميعها متشابهة: مبانٍ ذات طابق واحد وسقف مغطى بالقرميد، والدليلان اختفيا فجأة، وفي الساعة 7 ونصف صباحاً بعد 3 ساعات من السير داخل بستان البرتقال، وجدت نفسي أركز في كل ما تعلمته، وكنا نرتدي ثياباً عسكرية مقاربة لزي الجنود الإسرائيليين. فجمعت الجنود في طابور وسرنا خطوة معتادة وسط بيوت المستعمرة، ووجدنا المستوطنين مستيقظين يستمعون إلى أخبار المعركة، خارج المنازل في حر الصيف، فبدأت أنادي على الضباط، وقلت لهم: بالخطوة السريعة وأنتم حاملين السلاح وحين تصلون إلى بوابة المستعمرة ابدأوا الاشتباك. واعتمدنا عنصر المفاجأة، ووصلنا البوابة واشتبكنا مع الإسرائيليين، وعبرنا البوابة وكنا نحو 98 فرداً لم يُصب أي منا بجرح، وأبدنا 30 منهم".
وتابع رجائي: "عبرنا الجبال فوجدنا نقطة إنذار، ووصلت بيت إلياس وقالوا لنا الضفة الغربية سقطت، وقررت آخذ سياراتي معي ولو قابلت أي مواجهة سأشتبك. جمعت الناس، وسرنا ووصلنا قبل أريحا بقليل. ووجدت المنظر السيئ المتكرر منذ عام 1948 في الهجرة الجماعية. وقابلت عبد المنعم رياض وجلال هريدي وقالا لنا: أوقفوا العمليات، ولما عدنا عرفنا الصورة، وذهبنا إلى سورية ومنها إلى لبنان ومن هناك أوصلنا مركب إلى الإسكندرية".