تستلزم محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فجر أمس الأحد، ترقب المزيد من التطورات في المشهدين الأمني والسياسي المرتبكين في البلاد، خصوصاً بعد بيان وُصف بالمبطن لمجلس الأمن الوطني، وهو أعلى تشكيل أمني في البلاد ويرأسه الكاظمي وبعضوية وزيري الدفاع جمعة عناد، والداخلية عثمان الغانمي، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله، وعدد من القادة الأمنيين في البلاد. وتحدث المجلس عن ملاحقة من وصفها بـ"الجماعات المجرمة"، وأنه لا أحد أعلى من الدولة، في ما بدا تصويباً على الفصائل الحليفة لإيران، المتهم الأول بالعملية.
محاولة الاغتيال جاءت بعد ساعات قليلة من تهديدات لزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، على هامش حضوره مجلس عزاء لأحد قيادات فصيله المسلح كان قد قُتل خلال مواجهات قرب المنطقة الخضراء مساء يوم الجمعة الماضي، بين الأمن العراقي وأنصار القوى المعترضة على نتائج الانتخابات. وتوعّد الخزعلي الكاظمي بلهجة حادة بالمحاسبة على سقوط متظاهرين من أنصاره.
مصادر عراقية: حصر التحقيق بكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق
الهجوم الذي نُفذ بواسطة ثلاث طائرات مسيّرة محلية الصنع، استطاعت قوات الأمن إسقاط اثنتين منها عبر أسلحة متوسطة، بينما نفذت الأخرى إلى منزل الكاظمي. وهو مسكن كل من يتبوأ منصب رئاسة الحكومة منذ عدة سنوات، لقربه من مقر رئاسة الوزراء في الجانب الشرقي من المنطقة الخضراء، ويقع على بعد نحو 1500 متر فقط من السفارة الأميركية. وبدأت لجنة تحقيق مشتركة من الجيش وجهازي المخابرات والأمن الوطني التحقيق في الهجوم، فيما أكد مسؤولون أمنيون عراقيون في بغداد لـ"العربي الجديد" أن الطائرات مشابهة لنسخ هاجمت معسكرات أميركية في أوقات متفرقة من العام الحالي، وتبنّت فصائل مسلحة تلك الهجمات حينها، ضمن سلسلة المواجهات التي شهدتها البلاد بينها وبين القوات الأميركية. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن مقدار المتفجرات التي كانت تحملها الطائرة الأخيرة لا يتجاوز 10 كيلوغرامات من مادة "سي فور" شديدة التفجير، متحدثة عن حصر التحقيقات في جهتين فقط، وهما "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، على اعتبار أن الفصيلين يمتلكان تقنية الطائرات المسيّرة المفخخة، وسبق أن وجّها تهديدات مباشرة للكاظمي. مع العلم أن "كتائب حزب الله" نأت بنفسها عن الهجوم واعتبرته مفتعلاً، وهو ما فعله أيضاً زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، الذي دعا للتحقيق في الهجوم والتأكد من أنّه ليس مفتعلاً.
محاولة الاغتيال بوصفها محاولة قتل للكاظمي، يُتوقَع أن تُستثمر سياسياً لصالح الأخير والقوى الفائزة في الانتخابات، مقابل تضييق مساحة الحركة على القوى المعترضة والرافضة لنتائج الانتخابات، تحديداً تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، الذي يتصدر الحراك الاحتجاجي منذ أسابيع في محيط المنطقة الخضراء. كما يُتوقع أن يُفتح ملف خروج القوات الأميركية القتالية المقرر من البلاد نهاية العام الحالي، ومدى إمكانية القوات العراقية الحفاظ على استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد بمفردها.
وبالنظر إلى تاريخ المناوشات بين الكاظمي والفصائل المسلحة الحليفة لإيران خلال الأشهر الـ18 الماضية من عمر حكومته، التي ولدت في مايو/أيار 2020، فإنّ تلك الجماعات تبدو أذكى من أن تغامر في مثل هذا التوقيت الحرج من المواجهة، وتستهدف بطائرات مفخخة ذات قدرة تدمير محدودة مقارنة بضخامة مباني ومقرات المنطقة الخضراء. كما تُدرك الفصائل أنّها ستكون المتهم الأول في مثل تلك العملية، مع ما يترتب عليها من تداعيات دولية ومحلية، خصوصاً على مستوى الشارع والقوى السياسية ومرجعية النجف. وهو ما يؤجج فرضية حصول الهجوم على يد أفراد تابعين للمليشيات، من دون العودة إلى قياداتهم.
الكاظمي يمكن أن يستثمر في الهجوم لإضعاف القوى الرافضة لنتائج الانتخابات
لكنّ الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي، اعتبر أنّ هذه الفرضية "غير مهمة أمام الفعل نفسه"، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أنّه "في حال كان الهجوم على يد جناح أو مجموعة داخل إحدى تلك المليشيات أو بقرار مركزي، فإنّ الكاظمي يمكن أن يستثمره مدعوماً من حالة الاستنكار الدولي والداخلي التي صدرت في الساعات الأخيرة، لفرض إجراءات جديدة تستهدف فصائل بعينها أمنياً وسياسياً". وتوقع النعيمي أنّ "يكون الاستثمار من خلال إضعاف حراك القوى الرافضة لنتائج الانتخابات، عبر تثبيت النتائج، كما سيتبعها بإجراءات أمنية قد تصل إلى عمليات اعتقال تطاول شخصيات من تلك الفصائل بتهمة التورط بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء". وأفادت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" بأنّ الكاظمي أقرّ مقترحات قُدّمت له لإجراء تغييرات جديدة في القيادات الأمنية والاستخبارية في بغداد، ضمن معالجات للحكومة إثر الهجوم.
وحول ذلك، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي، أحمد اللامي، في حديثٍ مع "العربي الجديد" إنّ محاولة الاغتيال وضعت البلاد أمام حقائق كثيرة، أهمها خطورة سلاح الفصائل الحالية على الدولة العراقية ككل، مضيفاً أن "الشارع ينتظر من الحكومة أن تستعيد اعتبارها وترد على ما تعرضت له من إهانة باستهداف رأس السلطة فيها، عبر تفعيل عشرات مذكرات القبض بحق قيادات في فصائل مسلحة متورطين بانتهاكات وأعمال عنف". وحذّر من خطورة "تسويف" رد الفعل الحكومي على محاولة اغتيال الكاظمي، ومعتبراً أنّها "ستؤسس لمحاولات أخرى مع كلّ أزمة أو اصطدام سياسي بين تلك الفصائل والدولة".