محامون تونسيون: حملة الاعتقالات الأخيرة "انتهاك صارخ للقانون"

19 فبراير 2023
اعتقلت وحدات الأمن التونسية خلال الأسابيع الأخيرة عدداً من المعارضين والناشطين (Getty)
+ الخط -

حذر محامون تونسيون، خلال الأيام الأخيرة، من الانتهاكات التي رافقت حملة الإيقافات الأخيرة، واصفينها بأنها "انتهاك صارخ للمعايير القانونية".

واعتقلت وحدات الأمن التونسية خلال الأسابيع الأخيرة عدداً من النشطاء السياسيين، كان من أبرزهم رجل الأعمال كمال اللطيف، والناشط السياسي خيام التركي، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، ووزير العدل الأسبق ونائب رئيس حزب النهضة المحامي نور الدين البحيري، والوزير الأسبق المحامي لزهر العكرمي، والمدير العام لإذاعة موزاييك المحلية الخاصة نور الدين بوطار، والنائب السابق عن حزب "تحيا تونس" وليد جلاد، والقاضيان البشير العكرمي والطيب راشد، والقيادي بالنهضة فوزي كمون.

وأشارت تصريحات بعض محامي الموقوفين خلال الأيام الاخيرة إلى أن بعض الإيقافات تتعلق بشبهة التآمر على أمن الدولة، في قضية تبدو مترابطة من ناحية تزامن الإيقافات وغموضها، بينما لم يتضح بعد ما إذا كانت كل الإيقافات على علاقة بالقضية نفسها. 

ويقبع في السجن أيضاً نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، وقيادات من حزب ائتلاف الكرامة في قضايا عسكرية مختلفة، في مقدمتهم سيف الدين مخلوف والنائب راشد الخياري.

وأكدت "جمعية ضحايا التعذيب في تونس"، أمس السبت، "متابعتها بقلق شديد حملة الاعتقالات الأخيرة التي حصلت منذ 11 فبراير/ شباط 2023".

وأشارت إلى أنه "بعد الاعتقال التعسفي للقاضي البشير العكرمي والتحقيق معه بشكل غير قانوني وتحت الضغط النفسي، ونتيجة لظروف الاعتقال التي تعرض لها القاضي، وقع إطلاق سراحه بعد أن تدهورت حالته الصحية وعلى الأخص حالته النفسية بشكل كبير، إذ جرى إيداعه في مستشفى الرازي، بعد إطلاق سراحه". 

وأضافت الجمعية في بيانها، أنَّ "اعتقال القاضي البشير العكرمي كان بطريقة غير شرعية وخارجة عن نطاق القانون، والاحتفاظ به بإذن من النيابة العمومية، بناءً على شكوى من أحد الأمنيين التابع للفرقة التي سحب منها الملف الموصوم بتضليل العدالة والتعذيب".

وأكدت الجمعية أن "هذه الاعتقالات التي تطاول رموزاً وكفاءات معترفاً بها على المستوى الدولي في السلطة القضائية، ومنهم القاضي العكرمي، ضمن خطة ممنهجة من سلطة الانقلاب برئاسة قيس سعيّد لتقويض أركان الدولة التونسية، دولة القانون والمؤسسات، وتدمير سلطة القضاء الذي يعتبر في كل دولة خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه، فضلاً عن إهانته بحل هيئاته وإهانة أعضائه". 

واعتبر المحامي مختار الجماعي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحملة الأخيرة من الإيقاف أكدت أن سلطة الانقلاب ماضية في توظيف مرفقي الأمن والقضاء في تصفية خصومها السياسيين، فقد تميزت أولاً بالشمولية لكونها طاولت مختلف التشكيلات المدنية باختلاف ألوانها (...) حقوقيين ونقابيين وسياسيين من اليمين واليسار. ثانياً بالانتقائية، إذ شملت فقط الأصوات الرافضة للانقلاب والواقفة ضد تمدده والانتكاس عن المكاسب الديمقراطية".

وتابع: "لقد فضحت هذه الخطوة خطورة الانقلاب وتهديده للحياة الديمقراطية. وانتهاجه سبيل الترهيب الفكري".

وأوضح المحامي أن هذه الإيقافات "رافقها انتهاكات مفضوحة لأدنى مبادئ حقوق الإنسان، على غرار احترام الحرمة الجسدية وسرية الحياة الخاصة وحرمة المساكن، من ذلك مثلاً تعرض السيد نور الدين البحيري وزير العدل السابق، لاعتداءات جسدية جسيمة ظهرت آثارها خلال جلسة الاستماع إليه أمام قاضي التحقيق، وكان واضحاً أن هنالك جروحاً في كف يده، وندوباً في مستوى ركبته وقصبة ساقه، ولا يمكن إلا أن تكون نتيجة سحله عند الاختطاف، بالإضافة إلى خلع وكسر في مستوى كتفه الأيسر، وبالرغم من أننا طلبنا من قاضي التحقيق معاينة ذلك، تمهيداً لعرضه على الطبيب، إلا أنه تجاهل الطلب وسارع إلى إصدار بطاقة إيداعه بالسجن".

وأضاف الجماعي أنه "يتواصل إيقاف النائب الصحافي راشد الخياري (يشكو من ورم وسط عدم اكتراث بخطورة هذا المرض من إدارة السجن) بعد رفض المحكمة العسكرية رفع مفعول بطاقة الإيداع التي أصدرتها في حقه، بالرغم من تصريح المحكمة بعدم اختصاص القضاء العسكري بالنظر في تلك القضية، كما رافق تتبع البحري خرق مبدأ حرمة المسكن، من خلال إصدار قرار بتفتيش مسكنه خارج المواقيت المخصصة لذلك والمحددة قانونياً، بالرغم من أن التتبع متعلق بتدوينة لا تتطلب تفتيش المسكن، كما يتداول زميلانا نائبا الوزير السابق لزهر العكرمي، سوء ظروف الاحتفاظ به، وخاصة اكتظاظ غرفة الإيقاف".

وشدد المتحدث ذاته على أن "مختلف هذه الخروقات تضرب كل المكاسب الحقوقية المحققة بعد الثورة، والتي تأسست على عقد اجتماعي جديد".

بدوره، أكد المحامي سمير ديلو، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "ظروف الإيقاف الأخيرة غير مسبوقة في عشوائيّتها وخرقها للقانون التّونسي والمواثيق الدّوليّة، وقد تمّت تنفيذاً لقرار سياسي اتّخذه رئيس الدّولة في لقائه مع وزيرة العدل ووزير الدّاخليّة، وحدّد فيه التّهمة واغتصب دور القضاء"، متسائلاً: "هل يُعقل أن يتّهم رئيس دولة خصومه السّياسيّين بأنّهم خلايا سرطانيّة، وأنّ التّصدّي لهم يجب أن يكون بالكيمياوي؟".

وتابع: "تجاوزنا في تونس مجرّد الحديث عن انتهاكات أو خروقات، وبدأنا ندشّن مرحلة جديدة بدأت بالعبث ثمّ الجنون، وصولاً إلى المسخرة الحاليّة (...) كانت المعاملة بعد الإيقاف عاديّة وليس فيها ممارسات مهينة، فإنّ عمليّة الإيقاف ذاتها تميزّت باستخدام درجة عالية من العنف، أدّت إلى إصابة الأستاذ نور الدّين البحيري بكسور في ذراعه، واستوجبت عمليّة جراحيّة وزرع مسامير لتثبيت العظام".

وشدّد ديلو على أن "ظروف الإقامة بثكنة بوشوشة لا إنسانيّة، إذ يقيم الأستاذ لزهر العكرمي مثلاً في غرفة ضيّقة (5 أمتار/ 8 أمتار)، وسط أكثر من مائة موقوف".

وتساءل المحامي نفسه: "هل تمّ احترام أيّ من الإجراءات المنصوص عليها بالقانون والدّستور والمواثيق الدّوليّة؟"، مستدركاً أنه "تمّ تجاهل أغلبها، فقد تمّ إيقاف الأستاذ البحيري دون إذن قضائي، وتمّت محاولة (تصحيح الإجراءات) بإصدار إذن بالاحتفاظ به بعد إيقافه بحوالي ثلاث ساعات"، حسب قوله.

وشدّد المتحدث ذاته على أن "رئيس الجمهوريّة أعطى إشارة الانطلاق لهذه الحملة ضدّ خصومه السّياسيّين، وواكبها بتصريحات يوميّة تخرق واجب التّحفّظ وسرّيّة التّحقيق، كما أنه استبق سير الإجراءات بنسف قرينة البراءة، من خلال الإعلان أنّ الموقوفين مجرمون وإرهابيّون (...) وسانده أنصاره في بعض وسائل الإعلام بالإضافة إلى الذّباب الإلكترونيّ المساند للانقلاب، من خلال نشر أخبار مختلقة مضلّلة حول مضمون وهميّ للأبحاث"، حسب وصفه.

وقالت المحامية إيناس الحراث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المنظومة السجنية لا تتميز عموماً بتطبيق القانون (...) لكن ما شاهدناه بعد 25 يوليو/ تموز من عام 2021، بالتحديد في الإيقافات الأخيرة، هو استهداف متعمد يجعل المرء يشعر بأنه يتم الانتقام منه من خلال السرعة في تنفيذ الأحكام، مثلاً الحكم الصادر في حق سيف الدين مخلوف لم يتم الإعلان عنه إلا في الساعة السادسة مساءً، غير أن محاصرة منزله بدأت منذ الرابعة مساءً، ما يعني أن تنفيذ الحكم أنطلق قبل الإعلام به".

وبّينت الحراث أن "إيقاف لزهر العكرمي تم على أساس استعراض مسرحي عنيف داخل منزله، وتم وضعه في غرفة احتفاظ مكتظة جداً وهو كبير في العمر، ولم يتم الالتزام بإجراءات العزل الخاصة بالمحامين عن الموقوفين كحماية لهم، وهذا الإجراء ليس لتميزهم عن المواطنين، ولكن لأن طبيعة عمل المحامي تجبره على التعامل مع عشرات الموقوفين وضدهم، ووضعهم في نفس الغرفة يهدد سلامتهم، إذ يمكن الاعتداء عليه، تماماً كما الوضع بالنسبة للسياسيين ونواب البرلمان وكل من يتم اعتقاله يجب التثبت من سلامته الجسدية، وهذا ليس فيه تقليل من احترام باقي الموقوفين الذين يعدون أبرياء حتى تثبت إدانتهم، ولكن من باب التدابير الاحترازية لمنع الاعتداء على الموقوف أثناء إيقافه".

وأوضحت المحامية ذاتها أنه "تم تفتيش منزل النائب نور الدين البحيري، رغم أن مرسوم المحاماة والقانون في الفصل 46 ينص على أن المحامي يسمعه قاضي التحقيق، ولا يتم إيقافه من أعوان الضابطة العدلية، ولكن تم القبض عليه وتركه على كرسي لمدة ليلة كاملة، ثم جلبه إلى المحكمة ليتم عرضه على التحقيق، ونفس الشيء بالنسبة للعكرمي، إذ سُمح للأمن بالقبض عليه، وبما أنه لا يمكن سماعه إلا من قاضي التحقيق، فهو موقوف منذ 7 أيام وليس للضابط العدلي إمكانية سماعه".

وتابعت: "لم يعد هناك سهولة في التواصل مع الفرق المختصة، فسابقاً كان من الممكن الاتصال للتثبت من وجود أو عدم وجود المعتقل عندهم، والآن لا تقدم أي إجابة، وأصبحت المدة الزمنية ضبابية، حيث يتم تمديد فترة الاحتفاظ وفترة المنع والإحالة، إذ لا يتم احتساب المدة الزمنية مثلاً عندما تكون عملية الإيقاف في يوم جمعة".

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.