محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ تبدأ اليوم: الفرص والاحتمالات

09 فبراير 2021
انقسم الحزب الجمهوري بين معارض لترامب ومتشبث بولائه له (Getty)
+ الخط -

تبدأ اليوم الثلاثاء محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب، في مجلس الشيوخ. حيثيات القضية ضده هذه المرة يصعب دحضها قانونياً، ولو أنها مدار جدل من الناحية الإجرائية دستورياً. يعكس ذلك أن 50% من الأميركيين مع الحكم عليه كمذنب، مقابل 43% مع تبرئته، حسب آخر استطلاع. ومن بين مؤيدي البراءة 87% ينتمون إلى قواعد الحزب الجمهوري التي تشكل 25% من الناخبين.

في محاكمة السنة الماضية، كانت قضية أوكرانيا غير واضحة للرأي العام وضوح اجتياح الكونغرس ودور ترامب في تدبيره. ولذلك، انقسم الأميركيون آنذاك بالتساوي تقريباً: 47% مع ترامب و47% ضده. مناصفة ساعدت الجمهوريين في مجلس الشيوخ – ما عدا واحداً – لإسقاط احتمال عزل الرئيس.

الآن المشهد غير ما كان عليه في المحاكمة السابقة. الحزب الجمهوري الذي كان حارس ترامب في الكونغرس، انشق بين معارض ومتشبث بولائه له. استباحة الكونغرس غيّرت النبض العام. يضاف إلى ذلك التغيير الذي حصل في تركيبة مجلس الشيوخ، وإلى حدّ ما في مناخاته ما بعد الانتخابات، لغير صالح الرئيس السابق. بنتيجة هذه المستجدات، تزعزع الوضع الترامبي ليدخل في محاكمة من موقع الضعف الذي لن يشفع له سوى عودة الجمهوريين في مجلس الشيوخ أو على الأقل معظمهم المعطِّل للأكثرية المطلوبة (67 صوتاً)، إلى الالتفاف حوله.

وأبرز علامات الضعف أن فريق ترامب القانوني يبني دفاعه في المحاكمة التي تفتتح جلساتها بعد ظهر اليوم الثلاثاء، على أساس أن محاكمة الرئيس لا تجوز بعد انتهاء رئاسته، لغياب النص عن ذلك في الدستور. النقطة شكلية ولا تتصل بجوهر التهمة، ويغالطها معظم، إن لم يكن كلّ، أهل القانون. فالنص متوفر ضمناً، يقول هؤلاء، عندما يشير إلى أن "مجلس الشيوخ هو السلطة الوحيدة التي تقوم بمحاكمة كافة الإدانات المطالبة بالعزل" التي يقرها مجلس النواب. وهذا الأخير سبق له أن صوّت على إدانة الرئيس ترامب في 13 يناير/كانون الثاني قبل نهاية رئاسته، والمحاكمة ليست سوى تتمة إلزامية لقرار مجلس النواب هذا. وهناك سابقة من هذا النوع، عندما جرت محاكمة "وزير الحرب" سنة 1876، بعد استقالته إثر إدانته من قبل مجلس النواب. وفي التعليل أن العمل بخلاف ذلك يفسح المجال لأي مسؤول أن يرتكب الانتهاكات الدستورية ثم يتهرب من محاكمة مجلس الشيوخ بحجة انتهاء خدمته، أو بتقديم استقالته كما فعل آنذاك وزير الحرب، والذي لم تنقذه استقالته من محاكمته. وهو تفسير تقول المراجع القانونية إنه يتفق تماماً مع مقصد النص الدستوري، وإن خلا من الإشارة الصريحة إلى وجوب المحاكمة في مثل هذه الحالة.

ومن حيثيات الدفاع أن مجرد رفض رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس ترؤس جلسة المحاكمة وفق ما يستدعيه الدستور، يعني أنها غير دستورية. تفسير يتعدّى المقصود كما يرى خبراء الدستور، على أساس أن رئيس المحكمة يرأس محاكمة رئيس ما زال في منصبه، ولا ينطبق ذلك على الحالة الراهنة.

كما يتوقع أن يجادل فريق الدفاع في تصنيف خطاب الرئيس ترامب في التظاهرة قبل قليل من انطلاقها إلى مبنى الكونغرس، والذي تقول جهة الادعاء إنه كان بمثابة تحريض وحث صريحين على الهجوم على المبنى. ومن المنتظر أن ينال هذا الجدل حصة هامة من مرافعات الجانبين، خصوصاً غداً الأربعاء الذي تخصّص خلاله مدة ثماني ساعات لكلّ منهما ليقدّم خلالها مطالعاته وتفنيداته القانونية.

وبعد هذه الجولة، قد يطلب الادعاء تعزيز إثباتاته بالشهود، فضلاً عن عرض مكثف بالفيديو لانتهاكات المهاجمين داخل الكونغرس. مطلب قد يثير إشكالية لو اعترض الجمهوريون بكامل أعضائهم الخمسين على الشهود، حيث ينقسم المجلس بالتساوي من غير قرار. وقد يفرض استدعاء الشهود لو حصل، تمديد فترة المحاكمة التي يتحدث الديمقراطيون عن الرغبة في اختصارها قدر الإمكان. لكن من المستبعد اختتامها قبل الأسبوع المقبل حسب التقديرات.

المفتاح بيد الجمهوريين، وبالتحديد السناتور ميتش ماكونيل، الذي صدرت عنه إشارات ملتبسة ومتباينة غلبت على ظاهرها تلميحاته باحتمال تصويته ضد ترامب، فقد اتهم هذا الأخير بأنه "حرّض" على الاجتياح، وفي هذا تهمة تبرّر محاسبة المتهم. وسرّب أنه ترك لكتلته على غير عادة، "حرية التصويت"، معلناً أنه يحتفظ بتحديد موقفه "لما بعد سماع" حيثيات القضية من جانب الادعاء. لكنه صوّت الأسبوع الماضي مع قرار في مجلس الشيوخ، يعتبر محاكمة ترامب بعد نهاية مدته "غير دستورية".

تقلّبه وعدم انضباطه غير المألوف وراء رئيس محسوب على حزبه اتصالاته مقطوعة معه منذ أكثر من شهر، أثارا تساؤلات عما إذا كان ماكونيل يمهّد للخروج مع حزبه من عباءة ترامب، من خلال التصويت ضده في المحاكمة. احتمال تستبعده غالبية الترجيحات التي لا ترى في إشارات السناتور أكثر من مناورة تبقيه ممسكاً بمفتاح القرار، وبما يظهره في نهاية المطاف بأنه هو الذي أنقذ ترامب للمرة الثانية، وبما يضمن عدم مشاكسة هذا الأخير له في انتخابات الكونغرس في 2022.

بالنهاية، مهما كانت حيثيات القانون محبوكة والثبوتيات دامغة، ومع أن مجلس الشيوخ في هذه المهمة يقوم بدور هيئة المحلفين في المحاكمات القضائية، إلا أن هذه المحاكمة تصدر أحكامها في نهاية المطاف وفق حسابات السياسة وليس قواعد القانون. وبذلك، فإن الخلاصة معروفة سلفاً مع بقاء الجمهوري على تماسكه حتى الآن حول ترامب، إلا إذا صحّ ما تردّد في الساعات الأخيرة بأنّ هناك 14 سناتوراً جمهورياً (بالإضافة إلى 3 سبق أن أعربوا عن النية بالتصويت ضد ترامب) لمّحوا إلى انفتاح على القضية. في هذه الحالة، يكون الانقلاب قد جرى إعداده بعناية، مع ما قد يترتب عليه من تداعيات، خصوصاً على صعيد الترامبية ومستقبل الحزب الجمهوري.

المساهمون