قالت الباحثة الإيرانية في الشؤون الدولية بنفشه كي نوش إن البلدان المجاورة لإيران غير متأكدة من الخطوات التي ستتّخذها طهران بعد تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي، وذلك خلال محاضرة نظمتها وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأحد، بعنوان "ديناميات إيران الإقليمية: نفوذ جزئي".
وأضافت أن "دول الجوار لا تعرف بعد كيف ستردّ على عدم الحسم في موضوع الاتفاق النووي، ما يوحي أن المنطقة لن تنفتح على إيران بطريقة تؤدي إلى إقامة علاقات استراتيجية مستقرّة في المستقبل القريب". وما زالت إمكانية إحياء الاتفاق النووي غير محسومة بعد الانسحاب الأميركي منه، وعقد ستّ جولات من المباحثات في فيينا بخصوص عودة واشنطن إلى الاتفاق ورفع العقوبات المفروضة على إيران، مقابل عودة الأخيرة إلى التزاماتها النووية.
وأشارت كي نوش إلى أن "المضي قدماً في التعامل مع إيران سيظل مجزّأً من قبل دول الجوار التي ستتابع ما إذا كانت حكومة رئيسي ستكون قادرة على تحويل هذه السياسة المجزّأة إلى سياسة تعامل على نطاق أوسع، في الوقت الذي تتطلّع فيه إيران وبصفة متنامية، إلى الداخل أكثر من الخارج، فهي تريد فك ارتباط اقتصادها بمصير الاتفاق النووي".
وكانت كي نوش، صاحبة كتاب: "ديناميات إيران عابرة للأقاليم في منطقة الشرق الأدنى"، وكتاب: "السعودية وإيران: أصدقاء أم أعداء؟"، قد استهلت محاضرتها التي أدارها مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ الحوكمة في جامعة جورج تاون في قطر مهران كامرافا، بعرض موجز لعلاقات إيران بالدول المجاورة، بما فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول المشرق وتركيا.
“Opportunities to engage with #Iran are abundant, but they are squandered when #regional #states address immediate #conflicts in which Iran is only one, albeit prominent, player,” @BanafshKeynoush#IranianStudiesUnit pic.twitter.com/gf4JWY7UDT
— Arab Center (@ArabCenter_en) September 19, 2021
ورأت الباحثة أن "نفوذ إيران في المنطقة مجزّأ، يُمنى بالنجاحات حيناً ويتكبّد النكسات حيناً آخر، مثله مثل أي نفوذ آخر، وأن بلدان المنطقة، ولا سيما دول مجلس التعاون التي تعتمد إما على الولايات المتحدة الأميركية أو بعضها على بعض لتوفير الأمن، ترغب على نحو محدود في تحسين علاقاتها بإيران، خشية السماح لطهران بكسب نفوذ في بلدانها، في حين أن تركيا تواصل التعاون مع إيران ما دام ذلك يخدم مصالحها".
وقالت إن "إيران قد حظِيَتْ بمزيد من الفرص والنفوذ في بلاد الشام والدول المعرّضة للنزاعات، مثل سورية والعراق، رغم أن السياسات التي تنتهجها إيران في تلك الدول كانت محفوفة بالمخاطر ومُكْلِفة، ليس بالنسبة إلى إيران فحسب، ولكن أيضًا بالنسبة إلى الدول المجاورة لها".
ولدى تناولها علاقات إيران بدول مجلس التعاون الخليجي، رأت الباحثة أن "من بين دول مجلس التعاون، تستطيع الإمارات وسلطنة عُمان وقطر أن تتبنّى مساراً مستقلاً نسبياً في سياساتها الخارجية تجاه إيران؛ إذ لا تعتريها مخاوف طائفية تجاهها، وهذا لا يعني أن هذه الدول غير مدركة لبعض التحدّيات الطائفية التي قد تهدّد إما المنطقة أو العلاقات الثنائية بإيران".
ولفتت إلى أن "الديناميات الإقليمية بين دول مجلس التعاون الست والولايات المتحدة، هي التي تحدّد علاقات إيران بهذه البلدان الثلاثة. وضمن هذا العنصر الأمني، تُعَدّ إيران عاملاً ثالثاً؛ لأن لدى هذه الدول مخاوفها الأمنية الخاصّة التي تتطلّب توسيع نطاق شراكاتها، في حين أن مصالحها الاقتصادية تكمن في مكان آخر".
وبالنسبة لقطر، اعتبرت كي نوش أنه حتى خلال الحصار الذي فُرض عليها إثر الأزمة الخليجية، وحينما أوحى التصوّر الشعبي أن العلاقات الإيرانية القطرية ستشهد تحسّناً اقتصادياً، لم يكن ذلك صحيحاً، وإن كان حدث ذلك لفترة وجيزة فحسب.
وأوضحت أنه "بغية تجاوز الحصار، كانت قطر بحاجة إلى التنويع الاقتصادي، والتركيز على الإنتاج المحلّي والبحث عن شركاء اقتصاديين أقوى غير إيران، مثل الصين واليابان وتركيا".
أما بخصوص سلطنة عمان، فأشارت كي نوش إلى أنه يربطها تاريخ طويل من التعاون مع الهند ودول مجلس التعاون والغرب، مضيفة أن "عُمان تبدي اهتماماً بإمكانيات إيران في مجال الطاقة، إلا أن هذه المصالح لم تتحقّق كلياً من ناحية بناء شراكة ثابتة بين البلدين في هذا المجال".
وقالت إنه "على الرغم من أن الإمارات تثمّن استثمارات إيران، وقدرتها على إعادة التصدير مهمّة لإيران، فإن هذا الاعتبار ليس هو الذي يحدّد المخاوف الأمنية لدولة الإمارات تجاه إيران، على الرغم من أهميته بالنسبة إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين".
وحول علاقات إيران بباقي دول مجلس التعاون الخليجي، أشارت الباحثة إلى "وجود توتّرات أمنية كافية بين البحرين وإيران، ما يحول دون بلورة علاقة قوية بينهما".
ولفتت إلى أنه رغم أن "للكويت مصالح اقتصادية ضمن رؤيتها للعام 2035، التي تتضمّن بناء منطقة مستقرّة والعمل مع كل من إيران والعراق"، فإنها ليست لديها "مصالح اقتصادية أو أمنية مباشرة مرتبطة بإيران، فهي معنيّة أكثر بتعزيز أمنها الداخلي، ولا سيما ضمن مجتمعها الشيعي الذي تسعى لاستيعابه في إطار الحياة السياسية الكويتية العامّة، بغية وضع حدّ لنفوذ إيران".
أما بالنسبة إلى السعودية، فقالت كي نوش إن "التوتّرات الإقليمية حالت دون إقامة علاقة متوازنة مع إيران. ونتيجة لذلك، فإن أي جهد إقليمي لبناء علاقات متعدّدة الأطراف بين إيران وجيرانها العرب، بما في ذلك السعودية، فشل حتى الآن".
وفي تناولها لعلاقة إيران بتركيا، رأت أن "أنقرة لديها سياسة مجزّأة تجاه إيران، ذلك أنها بدلاً من جعل إيران مشكلة لها، تتعامل تركيا معها على المستوى الذي تحدّده هي، لا المستوى الذي تختاره إيران، حيث أخفق الطرفان في إنشاء شراكة استراتيجية".
أما في ما يتعلّق بإسرائيل، فاعتبرت كي نوش أن "المواجهات المباشرة مع إيران مُكْلِفة على الرغم من اتخاذ تدابير لاحتوائها. في حين لم يبلغ نفوذ إيران في الأردن وفلسطين المستويات نفسها التي ينعم بها في البلدان المذكورة أعلاه، بسبب السياسات الأمنية المشدّدة التي يعتمدها البلدان".
وبحسب الباحثة، تتبنّى إيران في العراق وسورية "الدبلوماسية الموازية"، وتمنح حلفاءها دوراً يؤدّونه في المجال الدبلوماسي من خلال تمكينهم من التفاوض مع الحكومة المركزية، كما في حالة "حزب الله" في لبنان، أو "الحشد الشعبي" في العراق.
وقالت إن "هذه الدبلوماسية تنطوي على قصور في بعض النواحي، لأنها تضفي بعض الالتباس على علاقة إيران بالحكومات المركزية، صحيح أن بيروت وبغداد وحتى دمشق تدرك الحاجة إلى التعامل مع إيران، لكنها تحاول أيضاً أن تكون انتقائية في ما يتعلّق بالمدى التي تسمح فيه لإيران بالتعامل معها".