وفي حقيقة الأمر، فإن إثارة الموقف من "الإخوان المسلمين" المصريين ليس جديدا، فقد سبق أن طرحته الرياض خلال الأزمة السابقة في عام 2014، وكان الأمر في حينه مرتبطا بالجهود التي كانت تبذلها السعودية والإمارات من أجل توفير الشروط الملائمة لانتصار انقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي كان في بداياته، ويراهن عليه البلدان من أجل تصفية أجواء ثورة 25 يناير، وقد تم حينذاك توظيف إمكانات مادية وإعلامية ودبلوماسية ضخمة من أجل تسويق السيسي ونظامه.
قد يبدو للبعض أن موقف الرياض وأبوظبي من "الإخوان" المصريين مفهوما إذا تم النظر إليه من باب حرصهما على دعم الحكم المصري، ولكن الموقف العدائي تجاه حركة "حماس" يبدو محيرا وصعبا على التفسير. فالحركة لم يسبق لها أن دخلت في نزاع مع السعودية أو الإمارات، بل حتى علاقاتها مع نظام السيسي ليست سيئة، وهناك حوار بينها وبين الأجهزة المصرية، وزيارات متبادلة، كانت آخرها زيارة أحد قادة "حماس"، يحيى السنوار، للقاهرة منذ ثلاثة أيام.
يزداد الأمر غموضا حين يراجع المرء مواقف السعودية من قضية فلسطين، فهي كانت دائما داعمة بلا شروط للقضية الفلسطينية، وقدمت الكثير من أجل قضية فلسطين، ولم يسبق لها أن تدخلت في الشؤون الداخلية الفلسطينية، على غرار ما يعرف بدول الطوق، سورية ومصر والأردن ولبنان والعراق.
وفي الوقت الذي كانت تربطها علاقات جيدة مع قيادة منظمة التحرير وحركة "فتح"، كانت علاقاتها جيدة مع حركة "حماس"، وقد رعت مصالحات بين "فتح" و"حماس" في السنوات الأخيرة، وكان من أهمها اتفاق مكة عام 2007، الذي رعاه الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.
لا يعفي المرء نفسه من الشك بأن موقف الرياض تأثر باعتبارات أخرى، غير سياستها التقليدية تجاه فلسطين، حتى يسمح وزير الخارجية، عادل الجبير، لنفسه باتهام "حماس" بالإرهاب. فالقاصي والداني يعرف أن هذا لا يخدم أحدا سوى إسرائيل، ومن المستبعد أن تكون الرياض في هذا الوارد، فلا القيادة السعودية الحالية ولا تاريخ المملكة يمكن أن يصل إلى هذا المستوى، الذي يتبنى تصنيف إسرائيل لحركة "حماس" على أنها إرهابية.
ولأن موقف السعودية على هذا القدر من الوضوح، ولا يرقى إليه الشك، فإن فرضية التأثيرات الخارجية العابرة هي الراجحة في هذا الظرف، وهي آتية من دون شك من أجواء اختراقات إسرائيلية باتت مكشوفة من خلال التسريبات التي حصلت في الآونة الأخيرة من بريد سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي يعتمد في عمله على اللوبي الصهيوني في واشنطن.
قد يحلو للبعض أن يبرر مسألة وضع "حماس" على لائحة الإرهاب السعودية الإماراتية من باب صلتها بحركة "الإخوان المسلمين"، ولكن هذه الحجة تسقط إذا أخذنا في عين الاعتبار وثيقة حركة "حماس" الأخيرة، التي أعلنت مواقف جديدة ومراجعات تضعها على مسافة من حركة "الإخوان المسلمين"، ثم إن السعودية ليست من أنصار سياسة خلط الأوراق في هذا المجال، فهي تستضيف على أرضها قيادات "الإخوان المسلمين" اليمنيين، وتتحالف معهم في الحرب الدائرة في شمال اليمن.
كان الرأي العام العربي ينتظر من قمم الرياض الثلاث، التي انعقدت في 21 مايو/ أيار الماضي، استراتيجية لإنهاء التخريب الإيراني في سورية والعراق واليمن ولبنان، ولكن الحسابات الضيقة حوّلت الاتجاه نحو محاصرة قطر و"حماس" و"الإخوان".