فيما ارتبط عهد الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب ارتباطاً وثيقاً باليمين المتطرف الغربي وتياراته المتنوعة، السياسية والشعبية والمسلحة، وتغذى من نظريات المؤامرة، وتلك الدينية، التي تتبناها، أصبحت هذه التيارات أخيراً، في عين العاصفة، لا سيما في الولايات المتحدة، بعد أحداث مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس)، الأربعاء الماضي، واقتحامه من قبل أنصار ترامب لدى المصادقة على فوز غريمه جو بايدن بالانتخابات. ولا يقتصر الأمر على استهداف هذه المجموعات، كـ"كيو أنون" و"براود بويز"، من قبل مواقع التواصل للاجتماعي، للحدّ من نشر أفكارها، أو ملاحقة واعتقال بعض وجوهها التي شاركت في الاقتحام، بل يجري البحث أيضاً، أقلّه إعلامياً، عن ضرورة وجود خطة لإدارة بايدن لمحاصرة هذه المجموعات المتطرفة، التي لن يكون العهد الجديد داعماً لها بأي شكل، كما فعل ترامب. ولا يزال المنظرون اليمينيون يرون عبر مواقع التواصل، أن "هناك رئيساً أميركياً واحداً اسمه دونالد ترامب"، لا سيما أن الأخير يمثل لهم المخلص الذي حارب كل شيء، من العولمة إلى الشيوعية والصين، مروراً بـ"الطبقة الفاسدة" في واشنطن. وتعتبر "كيو أنون" أن ترامب يشن حرباً سرّية ضد طائفة ليبرالية عالمية من عبدة الشيطان، ومستغلّي الأطفال جنسياً.
لا يزال المنظرون اليمينيون يرون أن هناك رئيساً أميركياً واحداً اسمه دونالد ترامب
ومع اقتراب موعد تنصيب بايدن رئيساً في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، تزداد المخاوف من وقوع أعمال عنف في الشارع، مجدداً، أو حتى قبل ذلك، مع عزم الديمقراطيين المضي في إجراءات لعزل ترامب، لا تستهدف فقط منعه من الإقدام على خطوة "انتحارية" قبل نهاية عهده، بقدر ما تهدف إلى القضاء على أي طموح له للعودة إلى الحياة السياسية، من بوابة الترشح مجدداً للانتخابات أو تأسيس حزب أميركي ثالث. هذه المخاوف تؤججها نسبة التصويت التي صبّت في صالح الرئيس، وقاعدة بيضاء تزداد يوماً بعد يوم عنصرية وتصلباً، علماً أن المجموعات اليمينية المتطرفة لطالما كانت مستهدفة من الخطاب الأميركي الوسطي، لا سيما من جهة الديمقراطيين.
وأعلن موقع "تويتر"، أول من أمس الإثنين، أنّه "جمّد بصورة نهائية" أكثر من 70 ألف حساب مرتبطة بـ"كيو أنون"، مشيراً إلى أنه أزال هذه الحسابات لمنع أصحابها من استخدام المنصّة للترويج للعنف. وقال "تويتر"، في بيان، إنه "نظراً للأحداث العنيفة التي شهدتها العاصمة واشنطن، ولتزايد مخاطر الأذى، بدأنا اعتباراً من عصر الجمعة (الماضي)، تعليقاً نهائياً لآلاف الحسابات التي كانت مخصّصة بالدرجة الأولى لتَشارك محتوى كيو أنون"، مؤكداً "تعليق أكثر من 70 ألف حساب، وفي حالات كثيرة كان هناك فرد واحد يدير حسابات عدّة". ووفقاً للبيان، فإنّ "هذه الحسابات كانت تشارك، على نطاق واسع، محتويات خطيرة مرتبطة بكيو أنون. لقد كانت مكرسة بشكل أساسي لنشر نظريات المؤامرة هذه في الشبكة بأسرها". واتّخذت غالبية مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية إجراءات غير مسبوقة منذ اقتحم أنصار الملياردير الجمهوري مبنى "الكابيتول"، الأربعاء، وزرعوا فيه الرعب والعنف والخراب على مدى ساعات، في حدث صدم الولايات المتحدة وشوّه صورتها في العالم أجمع. وكان "تويتر" قد علّق، الجمعة أيضاً، "بشكل دائم" حساب ترامب، مشيراً إلى مخاطر حصول "تحريض جديد على العنف" من جانب الرئيس الخاسر. وحذّر البيان من "خطط تنتشر على تويتر وأماكن أخرى لتنظيم تظاهرات مسلّحة في المستقبل، بما في ذلك شنّ هجوم ثانٍ على مبنى الكابيتول في 17 يناير".
وكان عضو بارز في جماعة "كيو أنون"، هو جاكوب أنطوني شانزلي، المعروف بجاك أنجلي (أو كيو أنون شامان)، قد جرى اعتقاله إثر أحداث الكونغرس، وهو على الأرجح الرجل الذي انتشرت صوره بشكل واسع أمام مبنى "الكابيتول" وهو بوجه مصبوغ وقبعة من الفرو عليها قرنان، وصدره عار ومليء بالوشوم. ويرى مؤيدون لترامب، شاركوا في الاقتحام، في حديث لـ"بي بي سي"، أنهم على حقّ، وأن العنف أحدثته جماعات من "أنتيفا" اليسارية، دخلت على خطّ الأحداث. لكن أنجلي نفسه نفى لـ"بي بي سي" وجود "أنتيفا"، بل إن المقتحمين هم "وطنيون فعلوا ما كان آباؤنا المؤسسون ليفعلوه"، لأن "أنتيفا جبناء ولا التزام لديهم لوطنهم". كما جرى اعتقال أكثر من 12 شخصاً، من بينهم آدم جونسون من فلوريدا، المتهم بسرقة ممتلكات حكومية.
تبحث كندا أيضاً بتصنيف "براود بويز" جماعة إرهابية
ويبدو مستقبل "كيو أنون" وغيرها معرضاً للاستهداف في ظلّ إدارة بايدن، خصوصاً إذا ما جرى ذلك بتناغم مع تيار وسطي في الحزب الجمهوري، يرى أن حزبه مهدّد بالانقسام، مع قاعدة أميركية تزداد يمينية وتسلحاً، على الرغم من أن هؤلاء المتطرفين لا يسيرون حتى الآن ضمن كيان منظم. ويبدو الاستهداف الإعلامي لهؤلاء الخطة الأنسب مبدئياً. وذكر موقع "ديفانس وان" أن فريق بايدن الإعلامي عليه منع الصحافيين العاملين في وسائل إعلام ومنصات متطرفة، من دخول مقرات مهمة، كـ"البنتاغون". ويبقى ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، والذي كان يدير موقع "بريتبارت" اليميني المتشدد، مثالاً بارزاً على خضوع إدارة ترامب وتأثرها بهذه التيارات وتوجهاتها.
وكانت وكالة "أف بي آي" قد حذرت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، من أن التطرف الداخلي هو من أكبر المخاطر التي تواجهها أميركا، وأن أصحاب نظرية التفوق الأبيض يشكلون القسم الأكبر من هذا الخطر. إلى ذلك، يبدو أن كندا أيضاً تبحث بتوسعة لائحتها للمنظمات الإرهابية، لتضم أسماء كـ"براود بويز" وغيرها، وذلك على ضوء أحداث الكونغرس الأميركي. ليبقى السؤال عما إذا كانت هذه الإجراءات ستزيد من التطرف اليميني، أو تتمكن من احتوائه.