فضّ مجلس النواب المصري، الأسبوع الماضي، دور انعقاده السنوي (الثاني)، من دون أن يقدم استجواباً واحداً لأي من الوزراء، معلناً إقرار 184 تشريعاً، غالبيتها الكاسحة مقدمة من الحكومة، إضافة إلى 51 اتفاقية قروض، ومنح دولية، ساهمت في رفع الدين الخارجي للبلاد من 134.8 مليار دولار إلى 157.8 ملياراً، بزيادة قوامها 23 مليار دولار في عام واحد.
ويُتهم المجلس بأن تشريعاته تأتي إرضاء للحكومة والنظام، ولو على حساب مصالح قطاع عريض من المواطنين، الذين يئنون تحت وطأة الفقر والغلاء.
وللعام السابع على التوالي، يتجاهل مجلس النواب إصدار قانون الإدارة المحلية في مواجهة فساد المحليات، رغم إدراجه في فترات سابقة على جدول أعماله، وسحبه في اللحظات الأخيرة من دون إعلان الأسباب.
تجاهل مجلس النواب، للعام السابع على التوالي، إصدار قانون الإدارة المحلية في مواجهة فساد المحليات
ولم تشهد مصر انتخابات محلية منذ العام 2008، وأغلق ملفها تماماً مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في العام 2014، رغبة منه في تسهيل عمليات "الإسناد المباشر" من المحافظين- غير الخاضعين للرقابة- للشركات المملوكة للجيش، في ما يخص مشروعات البنى التحتية والطرق والجسور، وما تدره من أرباح تقدر بمليارات الجنيهات إلى خزانة المؤسسة العسكرية بعيداً عن موازنة الدولة.
واستهل البرلمان المصري دور انعقاده المنقضي برفض طلب النائب العام الإذن برفع الحصانة عن عضو المجلس عن محافظة الوادي الجديد تامر عبد القادر، لاستكمال التحقيقات في القضية رقم 2033 لسنة 2021 (أمن دولة عليا)، المتهم فيها بطلب رشوة مالية من أحد المواطنين، وفق تحقيقات وتسجيلات هيئة الرقابة الإدارية، تحت مزاعم توافر شبهة الكيدية في الطلب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وافق نهائياً على تعديل قانون "تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية" رقم 136 لسنة 2014، بغرض منح وزير الدفاع (في غير حالة الطوارئ) سلطة اتخاذ تدابير تعادل ما يُتخذ في ظل هذه الحالة، وفك ارتباط تطبيق القانون بمدة محددة.
وأخضع القانون جميع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية لاختصاص القضاء العسكري بصفة دائمة، بعدما كانت مطبقة كإجراء استثنائي لمدة عامين.
رسوم وضرائب جديدة في مصر
بعدها، وافق على قرار السيسي رقم 558 لسنة 2021 بتعديل بعض فئات التعرفة الجمركية، والذي قضى بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على واردات أجهزة الهواتف لشبكة المحمول، أو أية شبكات لاسلكية أخرى، من قيمة التكاليف الإجمالية للاستيراد التي تشمل سعر المنتج مضافة إليه قيمة الشحن.
كما وافق المجلس على فرض ضرائب جديدة على بيع أو إيجار المحال التجارية بواقع 1 في المائة، وعلى منتجات الصابون والمنظفات الصناعية والخدمات الإعلانية بقيمة 14%، وإخضاع تعاملات التجارة الإلكترونية للضريبة بنسبة 14 في المائة.
كما تم فرض رسم بقيمة 100 جنيه (الدولار يساوي 18.8 جنيهاً) عند مغادرة الأراضي المصرية، عدا الأجانب القادمين لغرض السياحة إلى محافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء والأقصر وأسوان ومطروح، فيكون الرسم 50 جنيهاً.
وفرض مجلس النواب ضريبة بنسبة 2 في المائة من قيمة المنتج النهائي للسلع المعمرة بأنواعها، و5% للمشروبات الغازية بأنواعها، و10% للبن المحمص، والشوكولاتة، والعطور ومستحضرات التجميل، وطواحين وخلاطات المأكولات، ومجففات الشعر، وسماعات الرأس والأذن، وساعات اليد وساعات الجيب، والتروسيكلات والاسكوترات، والعربات ذات البدال، وغيرها من عشرات السلع بهدف زيادة موارد الدولة من الضرائب والرسوم.
وأقر كذلك مشروعاً حكومياً بإصدار قانون "المنشآت الفندقية والسياحية"، والذي حظر على المنشآت السياحية تقديم الخمور أو النارجيلة (الشيشة)، إلا بترخيص خاص من وزارة السياحة والآثار، مقابل سداد رسم لا يجاوز مائة ألف جنيه، وتجديد الترخيص سنوياً بسداد نصف الرسم.
وافق مجلس النواب على قرار السيسي تعديل بعض فئات التعرفة الجمركية
واستثنى القانون المنشآت الفندقية، أو السياحية، التي تملكها أو تديرها القوات المسلحة أو الشرطة، أو الجهات والهيئات التابعة لها، من جميع الرسوم المفروضة بموجبه.
ووافق أيضاً على مشروع قانون إنشاء "صندوق دعم السياحة والآثار"، الهادف إلى دمج جميع صناديق السياحة والآثار القائمة حالياً في صندوق جديد. وفرض العديد من الرسوم الجديدة بدعوى تمويل موارد الصندوق، منها مبلغ 360 جنيهاً عن كل معتمر، ونسبة 25% من مقدار الزيادة في إيرادات "هيئة التنمية السياحية"، و25% من الزيادة التي ترد على رسوم التفتيش على شركات السياحة، والمنشآت الفندقية والسياحية.
وفرض القانون نسبة 10% من إيرادات "المجلس الأعلى للآثار" من زيارات المواقع الأثرية، والمتاحف المفتوحة للزيارة، و50 % من الزيادات التي ترد على رسوم زيارة المواقع الأثرية والمتاحف التي يحصّلها المجلس، و50 في المائة من رسوم زيارة المناطق والمواقع الأثرية، أو المتاحف المفتتحة بعد العمل بالقانون، وإيرادات معارض الآثار المؤقتة في خارج البلاد.
مجلس النواب يوافق على قانون المخابرات
وبحلول فبراير/شباط الماضي، وافق مجلس النواب على تعديل قانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 في شأن بعض الأحكام الخاصة بأفراد الجهاز. ومنح هذا الأمر جهاز المخابرات الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها، أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتولي أفراد الجهاز مناصب أعضاء ورؤساء مجالس الإدارة في الشركات المختلفة، بعد موافقة رئيس الجهاز.
وأقر التعديل امتيازات مالية جديدة للعاملين في جهاز المخابرات العامة، وتمديد الخدمة لهم بعد بلوغ سن التقاعد، بذريعة الحاجة إلى بعض الخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها.
وفي مخالفة قانونية صارخة، لم توزع الأمانة العامة للبرلمان تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي عن التعديل، حتى يطلع النواب على ما ورد فيه من مواد، ويتقدموا باقتراحات، أو تعديلات، بشأنها مثل أي تشريع آخر.
وأقر المجلس مشروعاً يقضي بزيادة المعاشات العسكرية بجميع أنواعها بنسبة 15%، ومن دون حدود قصوى، اعتباراً من أول إبريل/نيسان 2022، مقابل زيادة نسبتها 13% على معاشات المدنيين البالغ عددهم نحو 10.7 ملايين شخص، وبحد أقصى 1222 جنيهاً شهرياً، بما يتعارض مع أحكام الدستور القاضية بعدم التمييز بين المواطنين.
جدل حول المجلس الصحي المصري
ومن ضمن التشريعات التي مررها مجلس النواب، وأثارت حالة من الجدل المجتمعي، مشروع قانون "المجلس الصحي المصري"، الذي قدمته الحكومة، وسط اتهامات للسلطتين التنفيذية والتشريعية بمخالفة أحكام الدستور، باعتبار أن التشريع استبعد خريجي كليات العلوم على اختلاف تخصصاتهم من أحكامه، فضلاً عن فرضه رسوماً لمزاولة المهنة كل خمس سنوات، وزيادة رسوم الدراسات العليا في الكليات الحكومية إلى ما بين 5 و20 ألف جنيه سنوياً، وفق الجامعة والتخصص.
واستهدف القانون "خصخصة" الدراسات العليا لتعليم الطب في مصر، من خلال النص صراحة على منح درجة "البورد المصري" المُعادلة لدرجة الماجستير، مقابل مصاريف سنوية حدها الأقصى 80 ألف جنيه. أي أن رسوم السنة الواحدة تساوي راتب الطبيب المصري المكلف حديثاً في وزارة الصحة لمدة عامين.
وحسب إحصائيات لوزارة الصحة المصرية، فإن أكثر من 62% من الأطباء المُقيدين في جداول نقابة الأطباء يعملون خارج البلاد، مقارنة بـ50% قبل 7 سنوات فقط، في ظل ارتفاع معدل هجرة الكفاءات الطبية من المتخرجين الجدد في مصر.
إنشاء بوابة مصرية للحج
في موازاة ذلك، وافق البرلمان على مشروع قانون إنشاء "البوابة المصرية الموحدة للحج"، الهادف إلى توقيع غرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تجاوز ثلاثة ملايين جنيه، لكل من نفذ رحلات الحج بالمخالفة لأحكامه، ومضاعفة الغرامة في حالة التكرار.
منحت موافقة مجلس النواب على تعديل قانون جهاز المخابرات العامة الجهاز الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها
ومنح القانون الوزير المختص السلطة في إصدار قرار إداري بوقف نشاط الشركة السياحية، كلياً أو جزئياً، لمدة لا تجاوز سنة، إذا ثبتت مخالفتها للقانون، وإلغاء ترخيصها نهائياً عند تكرار المخالفة.
كما قضى بفرض مبلغ ألف جنيه مقابل تسجيل اسم مستخدم وكلمة مرور على البوابة الإلكترونية للحج، وأن يؤول نصف المبلغ إلى الخزانة العامة، والنصف الآخر إلى وزارة الداخلية. كما قضى بتشكيل لجنة وزارية للإشراف على الحج سنوياً، برئاسة رئيس الحكومة، وعضوية وزراء الدفاع، والداخلية، والسياحة، والخارجية، والتضامن الاجتماعي، والأوقاف، والصحة، والطيران المدني، والنقل، والقوى العاملة.
تسريع المحاكمات
وفي الشهر الأخير من انعقاد البرلمان، وافق على تعديل قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، تسريعاً لوتيرة المحاكمات ذات الصبغة السياسية، عن طريق تصدي محكمة النقض للطعن في حكم الدرجة الأولى.
وقضى التعديل باستمرار العمل بأحكام القانون لمدة ثلاث سنوات جديدة، اعتباراً من 1 أكتوبر 2022، واختصاص محكمة أو أكثر من محاكم الجنايات بالفصل في الطعون، في أحكام محكمة الجنح المستأنفة.
واستمرار العمل بأحكام القانون هو الثالث من نوعه، بعد موافقة مجلس النواب على التعديل نفسه عامي 2016 و2019. وكان حكم الإعدام يصدر أولاً عن محكمة الجنايات، بعد استطلاع رأي مفتي الديار المصرية، وتُحال القضية على محكمة النقض خلال 60 يوماً، لتنظر القضية من الناحية الإجرائية، وتُعيدها إلى دائرة جنايات مغايرة للدائرة في حالة عدم توافرها. فإذا أصدرت الدائرة الجديدة الحكم نفسه، تُحال القضية على محكمة النقض، وتتصدى للقضية كمحكمة موضوع، ويكون حكمها نهائياً.
منح شقيق السيسي امتيازاً خاصاً
وشملت قائمة تشريعات المجلس، تعديل بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال الذي استهدف منح المستشار أحمد سعيد خليل السيسي، شقيق رئيس الجمهورية، امتيازاً خاصاً، من خلال استمراره في رئاسة لجنة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد بلوغه سن التقاعد في القضاء (70 عاماً)، وعدم خضوع منصبه لأحكام قانون الحد الأقصى للأجور.
وتمت هندسة التعديل خصيصاً ليتواءم مع شقيق السيسي الأكبر، الذي لم يكن يتبقى في خدمته سوى أشهر قليلة قبل إحالته على التقاعد، واستهدف التمديد له في منصبه، وتمتعه براتب ضخم لا يرتبط بالحد الأقصى للأجور في الدولة.
وفي 16 أكتوبر 2016، أصدر رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل قراراً بتشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة تمويل الإرهاب، برئاسة شقيق الرئيس، عقب تعيينه أيضاً بقرار من الأخير في منصب نائب رئيس محكمة النقض، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد.
الموازنة الجديدة للدولة المصرية
وأخيراً، اعتمد مجلس النواب مشاريع قوانين ربط الموازنة الجديدة للدولة عن السنة المالية 2022-2023، وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن السنة المالية نفسها، بعجز نقدي متوقع، بلغ 553 مليار جنيه، وعجز كلي قيمته 558 مليار جنيه.
وقدرت استخدامات موازنة الدولة بمبلغ 3 تريليونات و66 ملياراً و314 مليوناً و190 ألف جنيه، بواقع تريليون و542 ملياراً و675 مليوناً و640 ألف جنيه للإيرادات المتوقعة ومبيعات الأصول المالية وغيرها من الأصول، مقابل تريليونين و70 مليار جنيه للمصروفات.
وافق البرلمان على تعديل قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، تسريعاً لوتيرة المحاكمات ذات الصبغة السياسية
وقفزت مخصصات فوائد الدين في موازنة 2022-2023 إلى 690.1 مليار جنيه، مقارنة بـ579.9 ملياراً في موازنة 2021-2022 بنسبة زيادة تبلغ 19.2 في المائة.
وارتفعت مخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية من 593 مليار جنيه في موازنة 2021-2022، إلى 965 ملياراً و488 مليون جنيه في موازنة 2022-2023، بزيادة تقدر بنحو 372 ملياراً و488 مليون جنيه، وبنسبة ارتفاع بلغت 62.8 في المائة.
وخصصت موازنة الدولة نحو 8 مليارات جنيه لتمويل الزيادة في بند الأجور للعاملين في المؤسسة العسكرية (الجيش)، والمخابرات الحربية والعامة، وغيرها من جهات الأمن القومي، من أصل 9 مليارات جنيه أضافتها لاعتمادات باب "المصروفات الأخرى"، والتي ارتفعت من 113.7 مليار جنيه في موازنة 2021-2022، إلى 122.7 مليار جنيه في موازنة 2022-2023.
مخالفة مشاريع الموازنة للدستور
بينما خالفت مشاريع الموازنة المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور للعام السابع على التوالي، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج القومي لقطاع الصحة، و4% للتعليم ما قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي. في حين خصص مشروع الموازنة الجديدة أقل من 4% لكل هذه القطاعات مجتمعة، بما يعادل نحو ثلث مخصصاتها الدستورية تقريباً.
يُذكر أن اللجنة العامة لمجلس النواب وافقت على تقرير لجنة الخطة والموازنة - باعتبارها لجنة حسابات المجلس - بشأن الموازنة التفصيلية له عن السنة المالية 2022-2023، من دون أن تكشف عن حجم الزيادة في مخصصات النواب والعاملين في المجلس، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ البرلمان المصري، والذي بلغت آخر موازنة له نحو 1.47 مليار جنيه.
وأصدر رئيس المجلس حنفي جبالي تعليمات مشددة لجميع أعضاء اللجنة بعدم الكشف عن الزيادة الجديدة في موازنته التفصيلية، وإقرار الزيادات في المبالغ اللازمة لكل نوع من أنواع المصروفات وفقاً للاحتياجات الفعلية، وما تتطلبه القوانين والقرارات، واقتراحات تحسين مستوى الأداء في مختلف القطاعات بالمجلس، مع الأخذ في الاعتبار معدل التضخم في ما يخص بدلات ومكافآت النواب ورواتب العاملين في المجلس.
وضاعف مجلس النواب موازنته السنوية عدة مرات منذ العام 2015، إذ كانت تبلغ 508 ملايين جنيه فقط في موازنة العام المالي 2014-2015، وزيدت نحو 92 مليون جنيه في موازنة العام اللاحق، و221 مليون جنيه في موازنة 2016-2017، ونحو 279 مليون جنيه في العام المالي التالي، و300 مليون جنيه في موازنة 2018-2019، و151 مليون جنيه في موازنة 2019-2020، و55 مليون جنيه في موازنة 2020-2021.