مجلس السيادة السوداني... دور هامشي في زمن الحرب

16 يونيو 2024
عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، 28 أغسطس 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عبد الفتاح البرهان يعين صلاح الدين آدم تور عضوًا في مجلس السيادة السوداني، تنفيذًا لاتفاق السلام الموقع في جوبا 2020، الذي يخصص ثلاثة مقاعد لحركات الكفاح المسلح، بعد إقالة اثنين من ممثلي الحركات المسلحة.
- تعيين تور يعكس التغيرات داخل حركة تحرير السودان واستراتيجية البرهان في تعزيز تحالفاته مع فصائل الحركات المسلحة التي تدعم الجيش، خاصة في الصراعات مثل المعارك في الفاشر.
- المحللون يرون تعيين تور كخطوة سياسية أكثر منها دستورية، تهدف إلى استمالة جزء من الحركة لصالح البرهان في الحرب، مما يعكس سيطرة البرهان الكاملة على القرارات السياسية والعسكرية في السودان.

يثير مرسوم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، يوم الخميس الماضي، بتعيين عضو جديد في مجلس السيادة السوداني تساؤلات عن المجلس ودوره لنحو خمس سنوات. وكان البرهان عين صلاح الدين آدم تور عضواً في مجلس السيادة السوداني التزاماً بما جاء في بيان في اتفاق السلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح في جوبا في العام 2020، حيث يعطي الاتفاق الحركات المسلحة ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، اختارت لها رؤساء الحركة الشعبية شمال مالك عقار، وحركة تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي الهادي إدريس، وتجمع قوى التحرير الطاهر أبو بكر حجر. لكن اثنين منهم، هما إدريس وحجر، أقيلا من منصبيهما في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية موقفهما المحايد من الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وبعد قرار الإقالة، قاد تور عملية انشقاق داخل حركة تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي، ودعا إلى اجتماع في يناير/ كانون الثاني الماضي سماه بديلاً للهادي إدريس في رئاسة الحركة، وبالتالي ورث المنصب في مجلس السيادة السوداني أيضاً بموجب مرسوم البرهان قبل أيام. ودفع تور بقوات انشقت معه للقتال إلى جانب الجيش في مدينة الفاشر التي تدور فيها المعارك منذ العاشر من الشهر الماضي.

محيي جمعة: المرسوم رسالة للمجموعات التي أعلنت التمرد ضد الحكومة والجيش

في المقابل، لم يعترف الهادي إدريس لا بقرار إقالته من مجلس السيادة السوداني ولا من رئاسة الحركة. وانضم إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المناهضة للحرب، واختير بداية الشهر الحالي نائباً لرئيسها عبد الله حمدوك. ويُعد العضو السيادي الجديد واحداً من مؤسسي حركة تحرير السودان الأم، قبل أن ينشق عنها وينضم إلى عدد من الحركات الأخرى، آخرها انضمامه في 2020 إلى حركة تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي. وبعد تعيين تور يصبح عدد أعضاء مجلس السيادة السوداني ستة، منهم أربعة عسكريين هم عبد الفتاح البرهان، وشمس الدين الكباشي، وياسر العطا وإبراهيم جابر، واثنان يمثلان حركات الكفاح المسلح هما مالك عقار وصلاح آدم تور.

اختطاف قرار مجلس السيادة السوداني

ولا يراهن كثيرون على قرار البرهان الأخير وتأثيره على المشهد السياسي عموماً، ومشهد الحرب خصوصاً، ولا حتى على الأداء العام لمجلس السيادة الانتقالي، ويشيرون إلى أن المجلس اختطف قراره منذ مدة طويلة. وكان مجلس السيادة السوداني قد شُكِّل لأول مرة في أغسطس/آب 2019، بموجب وثيقة دستورية وقعت بين المكون العسكري وتحالف الحرية والتغيير عقب إطاحة نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وتكون المجلس من 11 عضواً، ستة من المدنيين وخمسة من العسكر، ومُنح بموجب الوثيقة الدستورية صلاحيات تشريفية. واستغله العسكر للتغول على الصلاحيات التنفيذية لحكومة عبد الله حمدوك، مثل ما فعل البرهان شخصياً حينما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 2020 في إطار خطة للتطبيع بين الدولتين، وسط اعتراضات من حكومة حمدوك وتحالف الحرية والتغيير.

وفي اليوم الأول من انقلاب البرهان على الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أصدر مراسيم بحل مجلس السيادة السوداني والحكومة، وأحال كل الصلاحيات إليه بوصفه قائداً للجيش. لكن وبعد أسابيع، أعاد تشكيل المجلس الجديد بالإبقاء على العسكر وتعيين ستة مدنيين، وأبقى في الوقت نفسه الممثلين الثلاثة لحركات الكفاح المسلح. لكن ذلك الوضع لم يستمر طويلاً، حيث أقال من جديد المدنيين، قبل أن يقيل إدريس وحجر، وقبلهم نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو بعد تمرده في 15 إبريل/نيسان العام الماضي، بحيث لم يتبق من الأعضاء إلا أربعة عسكريين وواحد من ممثلي الحركات المسلحة، هو مالك عقار الذي عين لاحقاً نائباً لرئيس المجلس.

ويقول محيي جمعة، المتحدث باسم تحالف الكتلة الديمقراطية، الشريك الرئيس في الحكم، إن تعين تور جاء في إطار اتفاقية جوبا لسلام السودان، وهو قرار صدر لدعم الاتفاقية ودعم حركة تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي. ويشير إلى أن صلاح آدم تور المعروف بـ"صلاح رصاص" هو قيادي في الحركة انحاز ومن معه إلى القوات المسلحة ومؤسسات الدولة، وحصولهم على المنصب حق طبيعي كما هو حقهم في الحصول على كامل حصتهم في الحكومة الانتقالية. ويتوقع أن يعين واحداً من قيادات الحركة قريباً في منصب والي شمال دارفور.

رسالة إلى مجموعات التمرد

ويشير جمعة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن القرار قد تأخر وكان يفترض صدوره منذ خروج الهادي إدريس من الدولة وانحيازه إلى معسكر "الدعم السريع" المتمرد وإلى تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، وكلها جهات تستهدف مؤسسات الدولة، على حد وصفه. ويعتبر جمعة أن المرسوم الدستوري بمثابة رسالة للمجموعات التي أعلنت التمرد ضد الحكومة والجيش بأن الحكومة لن تنتظر عودتهم إلى البلاد، وسوف تستمر في إعادة هيكلة مجلس السيادة السوداني وتكوين حكومات الأقاليم والولايات. كذلك، يتوقع أن تكون هناك ترتيبات لعودة تجمع قوى التحرير إلى السلطة من خلال الالتزام بما جاء في اتفاق السلام، مبيناً أن توقيت القرار تأخر جداً، لكن ربما كان بسبب الإجراءات المتعلقة بمسالة التعيين والترشيحات الخاصة بالحركة التي تشارك في الحرب، وتقوم بالتعبئة والاستنفار بمناطق مختلفة لتغذية قوات الحركة بالمقاتلين الجدد، للاستمرار في القتال سواء في الفاشر أو الجزيرة أو الخرطوم.

فائز السليك: الغرض من قرار البرهان استمالة جزء من الحركة إلى جانبه في الحرب

لكن مستشار حمدوك الصحافي فائز السليك يقول، لـ"العربي الجديد"، إن تعيين أي شخص في مجلس السيادة السوداني لا يعتبر أمراً ذا معنى، فالمجلس بصفته الحالية لا يعد مؤسسة دستورية لأنه لا يستند إلى أي وثيقة بعد أن مزق البرهان وغريمه دقلو الوثيقة الدستورية بانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثم حرقت حرب إبريل 2023 الورقة الممزقة. ويضيف السليك أن الوثيقة الدستورية موقعة بين طرفين، هما المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، موضحاً أن الانقلاب أبعد الطرف المدني، كما أن الوثيقة حددت أعضاء المجلس بأربعة عشر عضواً في وقت أقصى فيه البرهان غالبية الأعضاء وهم ستة مدنيين، ثم اثنين من سلام جوبا وواحداً من المجلس العسكري، ليصبح عدد الأعضاء أقل من النصف.

ويوضح أن "قرار البرهان الأخير سياسي وليس دستورياً، والغرض منه كسب أحد اعضاء الحركة التي يرأسها الهادي إدريس، ويهدف البرهان من خلاله إلى استمالة جزء من الحركة إلى جانبه في الحرب، وهذا لن يغير شيئاً في الأوضاع السياسية والدستورية"، لأنه من وجهة نظره "لا توجد أصلاً مؤسسات ولا دولة، فالبرهان لا يسيطر سيطرة كاملة إلا على 30 في المائة من ولايات البلاد".

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية البروفسور صلاح الدومة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه ومنذ اندلاع الحرب، لا وجود للمجلس السيادي وليست له اجتماعات، لا دورية ولا طارئة، ولا يمارس بشكل جماعي أي سلطة، وأصبح وجوده شكلياً، وهو فقد شرعيته. ويضيف الدومة أن البرهان سيطر على قرار المجلس بالكامل، ووضع في يده صلاحيات وسلطات غير محدودة، حتى في تعيين وإقالة الأعضاء، كما فعل مع المدنيين الذين عينهم بعد انقلابه وأطاحهم بعد أشهر قليلة، وكذلك مع كل من إدريس وحجر، هذا غير تغوله على صلاحيات مجلس الوزراء.

المساهمون