مدّد مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) سنة جديدة، بعدما وافقت على ذلك 13 دولة، فيما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت.
وقبيل التصويت، قال مصدر مقرب من وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، لـ"العربي الجديد"، إن "فرنسا قدّمت تعديلات على الصيغة التي كان لبنان قد أبدى اعتراضه عليها حول حرية حركة (يونيفيل)"، وأدرج في نص المسوَّدة بند "التنسيق مع الحكومة اللبنانية بشأن الدوريات التي تقوم بها في نطاق عملها".
وقال المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إنّ "لبنان متمسّك برفضه توسيع حركة يونيفيل، والتحرّك من دون تنسيق مع الحكومة والجيش اللبناني، ويرفض أن يعطي الشرعية لنقل ولاية يونيفيل من الفصل السادس (وفق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الصادر عام 2006، والداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية) إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة)".
ومن نقاط الخلاف التي برزت حول مسوَّدة مشروع قرار التجديد لقوات "يونيفيل" التي ينتهي اليوم تفويضها، أن بعض الدول، ولا سيما المعارضة لحزب الله، تتمسك بالبند الذي أدخل العام الماضي إلى قرار التمديد، وينصّ على أن "قوات الأمم المتحدة المؤقتة لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل".
ويدعو القرار إلى "ضمان حرية حركتها، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلنة"، علماً أن هذا التعديل أثار وقتها امتعاض حزب الله الذي أبدى اعتراضه عليه، وهاجم وزير الخارجية اللبناني لسكوته عنه، ولا يزال يتشدّد في رفضه له.
واستبق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قرار مجلس الأمن بتلويحه بأنه سيكون "حبراً على ورق"، خصوصاً إذا لم يُؤخذ بالموقف اللبناني الرسمي الرافض لتحرّك يونيفيل من دون إذن وتنسيق مع الجيش اللبناني.
ونبّه نصر الله إلى تداعيات هذا القرار من حيث وقوع إشكالات مع أهالي بلدات جنوبية، وذلك على غرار ما حصل خلال الفترة الماضية، مثل مقتل الجندي الأيرلندي شون روني، وإصابة ثلاثة آخرين، في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما أُطلق الرصاص على سيارتهم المدرعة في أثناء مرورها في منطقة العاقبية جنوباً، واتهم القضاء العسكري اللبناني خمسة عناصر من حزب الله، أحدهم موقوف، بجرم القتل عمداً في الاعتداء.
من جهته، أصدر اليونيفيل بياناً قال فيه إن "مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة تبنّى اليوم القرار 2695، الذي يمدّد ولاية قوة الأمم المتحدة في لبنان لسنه أخرى"، وأضاف البيان "يؤكد القرار من جديد تفويض اليونيفيل بإجراء عملياتها بشكل مستقل مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية، فيما يتعلق بالسيادة اللبنانية".
بري وميقاتي يرحبان
ورحّب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بقرار مجلس الأمن الدولي التمديد لقوات يونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني، وقال، في بيان مساء اليوم، إنّ "قرار التمديد لحظ بنداً أساسيّاً طالب به لبنان، ويتعلق بقيام يونيفيل بعملها بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية وفق اتفاقية المقرّ، وهذا بحدّ ذاته يشكل عامل ارتياح، ونحن نشكر تفهّم العديد من الدول وأصدقاء لبنان الملاحظات اللبنانية".
وجدّد ميقاتي تمسّك لبنان بالقرار الأممي الرقم 1701 واحترامه سائر القرارات الدولية، كما جدّد "المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومنطقة الماري، ومن كل النقاط الحدودية المتحفّظ عليها والواقعة ضمن الاراضي اللبنانية".
في سياق متصل، نال ملف التجديد لـ"يونيفيل" حيزاً من المحادثات التي أجراها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين أمس الأربعاء، وخصوصاً مع رئيس البرلمان نبيه بري.
وقال مصدرٌ مقرب من بري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هوكشتاين أكد وجوب منح يونيفيل حرية الحركة للقيام بمهامها، كما حماية طواقمها، خصوصاً أن المرحلة اليوم دقيقة وتستوجب تعزيز الأمن في الجنوب، مع بدء أعمال التنقيب عن النفط والغاز، كذلك أعرب عن قلقه من التوترات التي حصلت أخيراً، ولا سيما بين حزب الله والجانب الإسرائيلي".
وشدّد بري، بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أمس الأربعاء، أمام الموفد الأميركي، على "ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية للقرار الدولي 1701، وعلى عمق العلاقة مع قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) منذ عام 1978 وحتى الآن، وأن لبنان حريص جداً على المحافظة على الاستقرار كما حرصه على سيادته على كامل التراب اللبناني".
خلافات ومواقف داخل مجلس الأمن
ويتشابه نص القرار، في أغلبه، مع نص القرار الذي جرى تبنيه العام الماضي، أي القرار 2650/2022، مع بعض التعديلات، وأبرزها تلك المتعلقة بحرية تحرك قوات يونيفيل واستقلاليتها، كما التحركات "المعلنة وغير المعلنة".
ووصف عدد من الدبلوماسيين في مجلس الأمن، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، المفاوضات بـ"الصعبة والمعقدة، وواحدة من أهم نقاط الخلاف تتعلق بفقرة أضيفت العام الماضي لنص قرار التجديد (القرار 2650/2022 الفقرة 16 ضمن ما يسمى بالفقرات العاملة)، والتي تشير إلى عدم حاجة يونيفيل للترخيص أو لإذن مسبق من أجل التحرك وتنفيذ مهامها". وفي القرار الذي جرى تبنيه اليوم، أُبقي على هذا الجزء، ولكن أضيفت جملة "مواصلة التنسيق مع الحكومة اللبنانية"، ليأخذ هذا بعين الاعتبار كجزء من المطلب اللبناني.
وكان لبنان أعلن العام الماضي عدم رضاه عن إدراج تلك الفقرة في النص، وأكد هذا العام أيضاً رغبته بعدم إضافتها، حيث زار وزير خارجيته نيويورك مؤخراً وتباحث حول الموضوع مع عدد من الدول.
وفي هذا السياق، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وجه رسالة لمجلس الأمن بداية الشهر، يطلب فيها النظر في تجديد ولاية يونيفيل بموجب الطلب اللبناني.
وأشار غوتيريس فيها إلى رسالة من وزير الخارجية اللبناني موجهة للأمين العام يطلب فيها التجديد للولاية سنة أخرى "من دون أي تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها، وعلى أساس قرار مجلس الأمن 2591/2021". ومن اللافت أن القرار الذي يشير إليه الطلب اللبناني ليس القرار الأخير الذي تبناه المجلس العام الماضي وانتهت مدته، أي القرار 2650/2022، بل قرار العام الذي سبقه.
ولم يؤخذ بمطالب لبنانية أخرى، بحسب ما أشارت القائمة بالأعمال في البعثة اللبنانية جان مراد بعد التصويت على الجلسة، ومن بينها الإشارة إلى شمال الغجر كمنطقة محتلة. وعلى الرغم من إدراج هذه الإشارة في عدد من المسودات التي جرى التفاوض عليها، فقد أُسقطت من النص النهائي على ما يبدو بسبب اعتراضات أميركية.
مداخلات المندوبين بعد التصويت
وعبر كل من مندوبي روسيا والصين عن أسفه لأن القرار لم يأخذ بعين الاعتبار بعض التعديلات المتعلقة بطلب لبنان حول عدد من الأمور، ما حال بالنسبة لهما دون تأييد التصويت على القرار، وبنفس الوقت دون معارضته.
أما جان مراد، فوصفت المفاوضات بـ"المتعرجة والطويلة"، وأكدت أن نص القرار "استطاع بحده الأدنى أن ينال إجماع كافة الأعضاء، وللأسف هذه المرة الأولى التي يعتمد فيها التجديد بامتناع عضوين من مجلس الأمن، وفي ذلك مؤشر كبير". وشددت على أن وجود قوات يونيفيل هو مطلب لبناني، وأن بلادها ملتزمة بالقرار 1701 ومطلب وجود قوات حفظ السلام في لبنان.
وحول شمال منطقة الغجر وعدم الإشارة إليها كمنطقة محتلة، قالت مراد إنه يجب تسمية الأمور باسمها، وكان الأمين العام في تقريره حول ذلك واضحاً كما في سرديات الأمم المتحدة لجهة توصيف الوجود الإسرائيلي بالاحتلال.
ويشار إلى أن الصياغة الحالية تنص على أن مجلس الأمن "يحثّ بشدة إسرائيل على التعجيل بسحب جيشها من شمال قرية الغجر من دون مزيد من التأخر، بتنسيق مع القوة المؤقتة التي تواصلت بدأب مع إسرائيل ولبنان لتيسير ذلك الانسحاب"، وهي مشابهة للصياغات المعتمدة في قرارات سابقة.
وتساءلت مراد حول السبب وراء استخدام لغة (في الفقرات العاملة) تشبه إلى حد كبير اللغة المستخدمة في القرارات التي تُعتمد تحت الفصل السابع، على الرغم من أن القرار بتجديد ولاية يونيفيل "هو قرار يقع تحت الفصل السادس، ووجد بمطلب لبناني ولم يفرض عليه. وكأننا أمام قرار فصل سابع مقنّع وخلق أجواء توتر حيث لا حاجة لها".
الموقف الاماراتي
وبحسب مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في مجلس الأمن، كانت الإمارات ترغب قبل التصويت على المسودة بتعديل الفقرة، بحيث تبقي على نصها كما جاء في قرار العام الماضي من دون الجملة الإضافية، أي تلك التي تنص على "مواصلة التنسيق مع الحكومة اللبنانية"، وتبقي على أن قوات يونيفيل ليست بحاجة للترخيص أو لإذن مسبق من أجل التحرك وتنفيذ مهامها.
ويبدو أن المشاورات التي عُقدت قبل بدء الجلسة أدت إلى قرار الإمارات بسحب طلبها في آخر لحظة. وفي مداخلتها أمام مجلس الأمن الدولي بعد تبني القرار، قالت مندوبة الإمارات: "وصلت التوترات على طول الخط الأزرق إلى مستويات غير مسبوقة منذ حرب 2006 خلال العام الماضي وبشكل يومي. لطالما استهزأ حزب الله بقراري مجلس الأمن 1701 و1559، ونصب كذلك نقاط مراقبة عسكرية وأجرى تمارين ومناورات عسكرية بالذخيرة الحية، وعرقل حرية حركة يونيفيل، في الوقت الذي تجرّأ على مهاجمة قوات السلام".
واتهمت السفيرة الإماراتية حزب الله بمفاقمة الأوضاع وعرقلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ورأت أن كل ذلك يزيد من احتمالات التصعيد في المنطقة. وتحدثت كذلك عن تحديات تواجهها يونيفيل في حرية تحركها.
ورحبت السفيرة بالصياغة المتعلقة باستقلالية يونيفيل وتيسير الوصول إلى "جميع المواقع ذات الاهتمام"، وشددت على ضرورة احترام حكومة لبنان مسؤوليتها في ما يخص حرية حركة يونيفيل، و"هو ما فشلت في عمله في أكثر من مناسبة"، بحسب المندوبة.
وأضافت: "يسرنا كذلك، ولأول مرة، وبطلب من الإمارات، فإن القرار أشار إلى ضرورة وصول يونيفيل إلى ميادين إطلاق النار غير المرخصة، ما يجعل ذلك واضحاً أنه لا تجوز عرقلة جميع الدوريات، المعلنة وغير المعلنة".