مبادرة الحل السعودية تضع الحوثيين في مواجهة مع المجتمع الدولي

23 مارس 2021
المبادرة تخلط أوراق الحوثيين (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

حشرت مبادرة السعودية لحل الأزمة اليمنية جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في زاوية ضيقة. وغداة طرح الرياض خطتها لوقف إطلاق نار شامل، والتي حظيت بتأييد أممي ودولي وإقليمي واسع، بدت الجماعة أكثر ارتباكاً وهي تقدّم مبررات مختلفة للتحفظ عليها.
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قد طرح، أمس الاثنين، مبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية، تضمّنت عدداً من النقاط، على رأسها رفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، بما يضمن توريد عائداته المالية إلى حساب بنكي مشترك بهدف صرف رواتب كافة الموظفين اليمنيين بناء على كشوفات 2014 قبل الحرب، وكذلك وقف إطلاق نار شامل في الحرب المستمرة منذ 6 سنوات.
ووجدت جماعة الحوثيين نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي، الذي يتحرك منذ أسابيع لإنهاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فضلاً عن الشارع اليمني الذي أصيب بخيبة أمل وهو يرى تأخر الحوثيين في القبول بمبادرة بدت إيجابية أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً في مسألة عودة الملاحة لمطار صنعاء الدولي، الذي لم يشهد رحلات تجارية منذ أغسطس/ آب 2016.
وجرّدت المبادرة السعودية الحوثيين من الملف الإنساني، إحدى أبرز الأوراق التي كانت تستخدمها الجماعة طيلة السنوات الماضية في كسب التعاطف دولياً، والحصول على مزيد من التحشيد والدعم المالي محلياً، حيث دأبت على تسويق أن غالبية الأزمات الصحية والإنسانية سببها إغلاق مطار صنعاء وميناء الحديدة.
وعلى الرغم من أن فتح المطار كان هدفاً رئيسياً للحوثيين، إلا أن تحفّظ الجماعة كشف بشكل واضح أنها كانت تهدف من وراء تلك المطالب إلى تحقيق مكاسب سياسية تجعلها تظهر كسلطة أمر واقع وتمتلك مطاراً لا سلطة عليه، وليس فتح شريان رئيسي لنقل المرضى والمسافرين.

 

وذكر القيادي عبد الملك العجري، وهو عضو الوفد التفاوضي الحوثي، في تغريدة على "تويتر"، أنّ المبادرة السعودية، فضلاً عن تحديدها وجهات السفر من مطار صنعاء، وضعت شروطاً إضافية، مثل الحصول على جواز السفر من السلطات الشرعية في عدن، وأن تكون "طيران اليمنية" هي الناقل الوحيد وتخضع لإدارة عدن، فضلاً عن مشاركة الحكومة الشرعية في إدارة مطار صنعاء.
وترى جماعة الحوثيين أن هذه الشروط تجعل المبادرة في حكم الملغية، ولن تحقق لها الطموحات السياسية التي طال انتظارها، من قبيل تسيير رحلات مباشرة من صنعاء إلى طهران أو دمشق، وإصدار جوازات سفر من مناطقها لأي شخصية قيادية فيها، حتى لأولئك المشمولين بالعقوبات الأميركية والأممية.
وخلافاً للتحفظات التي ساقها العجري حول المبادرة السعودية، واعتبار متحدث الجماعة محمد عبد السلام أنها لم تأت بجديد، سيطر الارتباك على باقي قيادات الصف الأول الحوثية. وجاء التحفظ الصادر من القيادي محمد البخيتي مرتبطاً بكون المبادرة "تضع اليمن تحت الوصاية الدولية بالإصرار على العودة للعملية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية"، والتي يقولون إن صلاحيتها قد انتهت.
وقال البخيتي، في تغريدة على "تويتر"، إن "القبول بهذه المبادرة يعني شرعنة استمرار التدخل العسكري الخارجي والاعتراف بالوصاية الدولية، وهذا ما لا يمكن القبول به".
القيادي محمد علي الحوثي، وهو عضو مجلس الحكم في صنعاء، كان أكثر وضوحاً عندما رحّب بعرض وقف إطلاق النار من حيث المبدأ، في حال تمت الموافقة على شروطهم المقدمة للحل الشامل، لكنه أكد أن البت في هذا الموضوع سيكون في يد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الذي سيتحدث بعد 3 أيام بمناسبة حلول الذكرى السادسة للحرب، والتي تصادف يوم الجمعة المقبل.
وأشار القيادي الحوثي، في تغريدة على "تويتر"، إلى أن زعيم الجماعة "سيحدد في خطابه القادم الرد على المبادرة السعودية، وملامح المرحلة وتطورات الأوضاع، ويضع النقاط على الحروف".

هناك تحفظات لدى الحوثيين ترتبط بالتخلي عن بعض الشروط، خصوصا في ما يتعلق بمسألة مطار صنعاء

 

وأكد مصدر مقرب من الجماعة لـ"العربي الجديد" أن المبادرة السعودية قوبلت بـ"ترحيب داخلي"، قائلاً إنه "لم يكن هناك رفض صريح لها". ولكن بحسب المصدر نفسه، فإن هناك تحفظات لدى الحوثيين ترتبط بالتخلي عن بعض الشروط، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة مطار صنعاء.

ومن المؤكد أن الرد الحوثي النهائي سيخضع للنقاش مع الجانب الإيراني، أبرز الحلفاء الإقليميين للجماعة، والطرف المُتهم من الحكومة الشرعية والتحالف السعودي بالاستحواذ على القرار العسكري الحوثي في مسائل مصيرية كهذه.
وفي هذا الصدد، تجاهلت الخارجية الإيرانية في بيان لها، اليوم، المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، من دون الإشارة إليها، لكنها في الوقت ذاته أكدت أن "وقفا متزامنا لإطلاق النار ورفع الحصار هما السبيل لمنع استمرار الكارثة الإنسانية في اليمن ويمهدان لإجراء الحوار". 
وأضافت أن "الأزمة اليمنية ليس لها حل عسكري، وإيران ترحب بأي مبادرة سلام تنبني على إنهاء العدوان ووقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال ورفع الحصار الاقتصادي وإطلاق الحوارات السياسية، على أن يتم في نهاية المطاف تسليم الأمور إلى اليمنيين، من دون تدخلات خارجية، لرسم مستقبلهم السياسي".

تقارير عربية
التحديثات الحية

 

وعلى الرغم من ترحيبها الفوري، كما كان متوقعاً، بالمبادرة السعودية، فإن الحكومة الشرعية أبدت أيضاص، على لسان المستشار الرئاسي عبد الملك المخلافي، مخاوفها من الابتزاز الحوثي، ودعت الوسطاء والمجتمع الدولي للضغط على الجماعة للقبول بها، باعتبارها قد خلقت وضعاً جديداً حرّك الجمود المسيطر على العملية السياسية التي فشل فيها المبعوث الأممي مارتن غريفيث فترة طويلة.
وكشف المخلافي، الذي ترأس وفد الحكومة في مفاوضات الكويت الطويلة في إبريل/ نيسان 2016، عن ملامح من المراوغات الحوثية، وعلى رأسها أن "سردية الحوثي لما يحدث في اليمن تخالف القوانين والمرجعيات والسياسة والمنطق وما يجمع عليه المجتمع الدولي باستثناء إيران، وهي تقوم على أنه هو الممثل لليمن وأن ما يحدث عدوان خارجي وحصار مطلوب رفعه وإقرار استيلائه غير المشروع على السلطة، ولن يقبل بأي حل لا ينطبق مع تصوره هذا".

 

وقال المخلافي في سلسلة تغريدات على تويتر "إن الحوثي لن يقبل بفتح مطار صنعاء لتخفيف معاناة اليمنيين إلا بشروطه، وهو ليس معنياً مطلقاً بالواقع القانوني والسياسي وحالة الحرب ولا بمعاناة اليمنيين، وقد سبق له رفض عديد من الاقتراحات لفتح المطار لتخفيف معاناة الناس التي يتاجر بها، وسيرفض المقترح الجديد، كما أنه لن يقبل بوقف إطلاق شامل للنار في اليمن، فهو لا يريد من وقف إطلاق النار إلا وقف طيران التحالف الداعم للشرعية من أجل إطلاق يده في قتل اليمنيين بدون عائق".
واعتبر المدير التنفيذي لـ"مركز صنعاء للدراسات"، ماجد المذحجي، أن المبادرة تمنح السعودية عائداً سياسياً، سواء رفضها الحوثيون أو قبلوا بها، لافتاً إلى أنه في حال موافقتهم عليها سينعكس ذلك إيجاباً على سمعة الرياض الدولية ويخفف الضغط على مأرب، وإذا رفضتها الجماعة، فسيلقي ذلك بعبء رفض مسار السلام عليها ويحسّن أيضا من سمعة السعودية ضمنيا.
وقال المذحجي في تغريدة على "تويتر": "يمكن التأكيد أن الحوثيين يصعب عليهم قبول المبادرة، لأنها لا تناسب تقديرهم لقوتهم العسكرية أولا، وثانيا لكون أي إرخاء للضغط العسكري على السعودية لا يناسب مصالح حليفهم الإيراني الآن".
وأشار الباحث اليمني إلى أن جماعة الحوثيين حددت الشروط المناسبة لها لإطلاق السلام، وهي تتعلق بفتح المطار، وهذا يمكن القبول به، ورفع الحصار عن ميناء الحديدة وهذا مكلف، ولا يمكن تقديمه مجانًا، بل ضمن مساومة سياسية، لافتا إلى أن الشروط الحوثية "ذات سقف مرتفع ولن تتكيف مع السياق الذي تقتضيه المبادرة".

 

وحتى ظهور الرد النهائي والصريح، ستظل جماعة الحوثيين في ورطة حقيقية أمام المبادرة السعودية، وخصوصا مع توالي الترحيب الدولي، والذي من المؤكد أنه سيوجّه بشكل كلي إلى الوسطاء العمانيين لمطالبتهم بممارسة الضغوط على الحوثي للقبول بها.

من جهته، اعتبر الكاتب الصحافي اليمني محمد السامعي أن المبادرة السعودية إيجابية بالنسبة لكثير من اليمنيين، وتحوي بنودا مهمة يطالب بها السكان ويشددون عليها، مثل الوقف الشامل لإطلاق النار وفتح مطار صنعاء الدولي للرحلات المدنية، وكذلك مسألة العمل على إطلاق مشاورات سياسية لحل الأزمة. 
وقال السامعي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن المبادرة "وضعت الحوثيين في موقف صعب، فرفضهم الضمني غير الصريح للمبادرة، حتى الآن، يجعلهم يظهرون أمام المجتمع الدولي معرقلين حقيقيين للتوصل إلى سلام دائم؛ فيما سيصور ذلك الرياض أمام العالم أنها داعمة للسلام ومتطلباته".  
وأضاف "سواء قبل الحوثيون بالمبادرة أم لا، فهي بحد ذاتها تمثل نجاحا دبلوماسيا كبيرا للجانب السعودي والحكومة الشرعية المدعومة من الرياض، خصوصا في ظل الترحيب الكبير الذي حظيت به من قبل العديد من الدول والكيانات الدولية، بما في ذلك سلطنة عمان، التي يقيم فيها فريق الحوثيين المفاوض".
ورحبت سلطنة عمان، اليوم الثلاثاء، بالمبادرة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن. وأوردت وكالة الأنباء العمانية الرسمية أن السلطنة "تؤكد استمرارها في العمل مع المملكة والأمم المتحدة والأطراف اليمنية المعنية، بهدف تحقيق التسوية السياسية المنشودة التي تعيد لليمن الشقيق أمنه واستقراره، وبما يحفظ أمن ومصالح دول المنطقة".

 

استمرار الأعمال القتالية  

وتواصلت العمليات العسكرية بين الحوثيين وقوات التحالف غداة طرح مبادرة حل الأزمة، إذ أعلنت جماعة الحوثيين، مساء الثلاثاء، استهداف مطار أبها الدولي، بطائرة مسيرة من طراز قاصف K2، وفقاً لمتحدّثها العسكري، يحيى سريع.  

 

وقال سريع، في تغريدة على تويتر، إن قواتهم نجحت أيضاً في إسقاط طائرة تجسسية مقاتلة من طراز MQ9 الأميركية أثناء قيامها بمهام عدائية في أجواء محافظة مأرب عصر اليوم الثلاثاء، وذلك بواسطة صاروخ لم يكشف عنه.  

 

وفي محافظة مأرب، قالت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد" إن المعارك ما زالت متواصلة، رغم الانحسار النسبي، ولم تتأثر بشكل كبير بالمبادرة السعودية.  

وأشارت المصادر إلى أن مجاميع حوثية حاولت تنفيذ هجمات صغيرة في جبهة الكسارة، لكنها فشلت بعد إحباطها من قبل قوات الجيش الوطني ورجال القبائل، فيما شهدت مناطق المشجع وهيلان تبادلاً للقصف المدفعي فقط.  

المساهمون