ما وراء سياسة الإقالات للرئيس التونسي: شمّاعة لتعليق الفشل

08 اغسطس 2024
خلال إشراف سعيّد على تسلّم كمال المدوري رئاسة الحكومة من الحشاني، 8 أغسطس 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إقالة وتعيينات متكررة في الحكومة التونسية**: الرئيس قيس سعيّد أقال رئيس الحكومة أحمد الحشاني وعيّن كمال المدوري خلفاً له، في إطار محاولاته لتحميل المسؤولين مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

- **تداعيات الإقالات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي**: الخبراء يرون أن الإقالات تعكس محاولة الرئيس التنصل من مسؤولية الإخفاقات، حيث لم تؤد التغييرات الحكومية إلى تحسن المؤشرات الاقتصادية، مع نسب نمو لم تتجاوز 0.4% في 2023.

- **سيرة كمال المدوري**: المدوري، رئيس الحكومة الجديد، شغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية منذ مايو 2023، وحاصل على دكتوراه في قانون المجموعة الأوروبية، وعضو في عدة مجالس إدارات وطنية.

تسلّط إقالة الرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الحكومة أحمد الحشاني وتعيين كمال المدوري خلفاً له، الضوء على سلسلة الإقالات التي طالما اتخذها الرئيس نهجاً لإزاحة المسؤولية عن كاهله، وتحميلها للمسؤولين "الذين لا يقومون بواجباتهم"، بحسب ما يرى كثير من المتابعين. وشملت سلسلة الإقالات كل المستويات والحقائب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وحتى السياسية والأمنية، وأيضاً في القصر الرئاسي.

وجاءت إقالة الحشاني الذي عيّن في 1 أغسطس/آب 2023، بعد إقالة رئيسة الحكومة السابقة، نجلاء بودن التي عينها سعيد في سبتمبر/ أيلول 2021، بعد إعلان تدابيره الاستثنائية في يوليو/ تموز من العام نفسه. ومنذ أسبوع، قام الرئيس سعيد بزيارة إلى قصر الحكومة والتقى الحشاني، وكانت علامات الغضب بادية عليه. وقال في فيديو نشرته رئاسة الحكومة إن "التعطيلات الحاصلة في الإدارة غير معقولة"، مذكراً إياه بدستور 2022 الذي ينص على أن رئيس الحكومة والوزراء ينفذون سياسة الرئيس في النظام السياسي الجديد، لأنه هو رئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس الحكومة، وقال إن بعض المسؤولين لا يعرفون مسؤولياتهم.

وحمّل سعيد المسؤولين الجهويين والمحليين والإدارات مسؤولية تردي الخدمات وقطع الماء والكهرباء. ويقول سعيد بوضوح في ذلك إنه لا يتحمل مسؤولية ذلك، وإن التقصير يأتي من هؤلاء المسؤولين الذين لا يقومون بواجباتهم، ولذلك تتالت الإقالات. وسبق لسعيّد أن حاول ترميم حكومة الحشاني، وعيّن مجموعة من الوزراء، بعد نحو 6 أشهر من تعيينه في 1 أغسطس/آب 2023، ما اعتبره محللون سداً لشغورات متأخرة، بهدف إنعاش المزاج الانتخابي قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة.

وأعلنت رئاسة الجمهورية في بلاغ قرار الرئيس سعيّد، تعيين كل من فريال الورغي حرم السبعي، وزيرة للاقتصاد والتخطيط، وفاطمة ثابت حرم شيبوب، وزيرة للصناعة والمناجم والطاقة، ولطفي ذياب، وزيراً للتشغيل والتكوين المهني. كما عين سمير عبد الحفيظ، كاتب دولة لدى وزيرة الاقتصاد والتخطيط مكلفاً بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، ووائل شوشان، كاتب دولة لدى وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة مكلفاً بالانتقال الطاقي، وكذلك رياض شَوِد، كاتب دولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني مكلفاً بالشركات الأهلية.

وطال انتظار تلك التعيينات لأشهر، حيث بقيت وزارات التشغيل والصناعة والاقتصاد، شاغرة، بعد أن جرت إقالة وزير التشغيل والمتحدث باسم الحكومة السابقة نصر الدين النصيبي في 23 فبراير/ شباط عام 2023، وإقالة وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي في 4 مايو/ أيار، وجرت إقالة وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد في 17 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. وقبلهم، أقال الرئيس خمسة وزراء، وهم: وزيرا النقل والشؤون الثقافية بتاريخ 12 مارس/ آذار 2024، وكلف سارة الزنزري الزعفراني، وزيرة التجهيز والإسكان، بتسيير وزارة النقل بصفة وقتية، ومنصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بتسيير وزارة الشؤون الثقافية بصفة وقتية، كما قرر بتاريخ 1 إبريل/ نيسان 2024 إعفاء محمد علي البوغديري من مهامه وزيراً للتربية وتعيين سلوى العبّاسي خلفاً له، إلى جانب وزيري الداخلية كمال الفقي والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بتاريخ 25 مايو/ أيار الماضي.

واعتبرت إقالة الزاهي والفقي خطوة مفاجئة وغير متوقعة، لأنهما كانا من أقرب الشخصيات للرئيس سعيد والأكثر ولاء، تماماً مثل إقالة وزير الداخلية الأسبق، توفيق شرف الدين في مارس/ آذار 2023. وقام سعيد بإجراء تحوير جزئي على الحكومة عيّن بمقتضاه خالد النوري، وزيراً للداخلية خلفاً لكمال الفقي، وكمال المدوري، وزيراً للشؤون الاجتماعية، خلفاً لمالك الزاهي، مع تعيين سفيان بن الصادق كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلفاً بالأمن الوطني.

وكان سعيّد قد قرر في 21 يونيو/ حزيران الماضي، إنهاء مهام إبراهيم الشائبي، وزير الشؤون الدينية، مع ترك الوزارة بلا وزير إلى غاية اليوم. كما أقال في يناير/ كانون الثاني 2023، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي من مهامها. وفي الشهر نفسه، أجرى سعيّد، تعديلاً آخر على الحكومة بإقالة وزيري التعليم فتحي السلاوتي، والزراعة محمود إلياس حمزة. وفي فبراير/ شباط من العام نفسه، أقال وزير الخارجية عثمان الجرندي، الذي كان يحتفظ بمنصبه منذ تعيينه في حكومة هشام المشيشي عام 2020.

وكان سعيد قد قَبِل في 8 مارس/ آذار 2022، أول استقالة بحكومة بودن، وهي عائدة حمدي كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة. وإلى هذه القائمة الطويلة من الوزراء المقالين ينبغي التذكير بالإقالات أو الاستقالات في القصر الرئاسي، وأبرزها بالطبع المستشار عبد الرؤوف بالطبيب، ومديرة الديوان الرئاسي، نادية عكاشة.

دلالات التغيير الحكومي

وحول دلالات التغيير الحكومي قبيل الانتخابات الرئاسية، قال الخبير الاقتصادي والقيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إنها "محاولة تنصل من مسؤولية الإخفاق في إدارة الملف الاقتصادي والاجتماعي، وتحميل المسؤولية لرئيس الحكومة المقال أحمد الحشاني". وشدد على ضرورة أن تدرك "السلطة جيداً حالة الغضب التي تسود في أوساط التونسيين نتيجة الصعوبات المعيشية والغلاء والضرب الممنهج للحقوق والحريات التي تعد أهم مكسب ظفر به التونسيون بعد الثورة". وأضاف "هي حصيلة ضعيفة لفترة حكم سعيد ولا تستطيع السلطة إيهام الرأي العام بعكس ذلك".

واعتبر العجبوني أن "كل التغييرات الحكومية التي أجراها الرئيس قيس سعيّد، سواء على مستوى رؤساء الحكومات أو أعضائها لم تؤد إلى تحسن المؤشرات الاقتصادية للبلاد، وهو ما تؤكده نسب النمو التي لم تتجاوز 0.4 % خلال عام 2033"، وأكد العجبوني أنه "لم يسبق لتونس تاريخياً أن سجلت مستويات نمو اقتصادي متدنية على الشكل الحالي، إلا في حالات قاهرة على غرار فترة الثورة أو إبان الجائحة الصحية العالمية كوفيد".

كما اعتبر القيادي في حزب التيار الديمقراطي أن "ضعف النمو يقيم الحجة على أن تغيير الحكومات دون تغيير السياسات العامة التي تدار بها البلاد حالياً لا يؤدي إلى أي نتائج". وأشار إلى أن "الرئيس عيّن كل رؤساء الحكومات منذ عام 2019، وهم على التوالي إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي ونجلاء بودن وأحمد الحشاني، قبل أن يعلن الأربعاء عن تعيين كمال المدوري، لتولي المسؤولية نفسها، دون أن يكشف المعايير التي اعتمدها في تعيين هذه الشخصيات في منصب بأهمية رئاسة الحكومة". وأضاف "أغلب رؤساء الحكومات كانوا صامتين ولم يكشفوا عن برامجهم، كما أن إقالاتهم جرت دون تقييم أو تقديم مبررات لإنهاء المهام".

ويرى العجبوني أن "الرئيس الفعلي للحكومة هو الرئيس قيس سعيد، بينما لا تتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة المساعدة أو الإدارة التنفيذية لرئيس الجمهورية الذي لا يملك برنامجاً اقتصادياً لإصلاح الوضع في تونس". وقال المتحدث إن "الرئيس سعيد يتحمل مسؤولية فشل الحكومات التي عيّنها ولا يمكنه تعليق هذا الفشل على شماعة المسؤولين".

جزء من سيرة كمال المدوري

وشغل رئيس الحكومة المعين كمال المدوري (50 عاماً)، وزارة الشؤون الاجتماعية في 25 مايو/ أيار الماضي، وقبل الوزارة تولى منصب المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض، وقبل ذلك كان المدير العام للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

وكمال المدوري من مواليد 25 يناير/ كانون الأول 1974 في مدينة تبرسق محافظة باجة (شمال غرب البلاد)، وحصل على شهادة الدكتوراه مرحلة ثالثة في قانون المجموعة الأوروبية والعلاقات المغاربية الأوروبية، وعلى شهادة الأستاذية في العلوم القانونية من كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، وهو حائز على شهادة ختم الدراسات بالمرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة، وخريج معهد الدفاع الوطني سنة 2015 ومفاوض دولي.

وتولى المدوري سابقاً عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي ونائب رئيس اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية بالمجلس نفسه، علاوة على عضويته في مجالس إدارات عدة مؤسسات وطنية، على غرار المؤسسة العمومية للصحة (شارل نيكول) والهيئة العامة للتأمين ومجالس إدارات الصناديق الاجتماعية الثلاثة.