مع تزايد نشاط البيت الأبيض وحراكه الدبلوماسي في الملف الليبي، جدّدت الولايات المتحدة الأميركية تهديدها لمعرقلي العملية السياسية في ليبيا بفرض عقوبات عليهم، ما يفتح باب التساؤلات حول المستجدات والعوامل التي دفعت واشنطن لرفع سوية تعاملها مع الأزمة الليبية.
وأمس السبت، لوحت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال كلمتها في جلسة عقدها مجلس الأمن للاستماع إلى إحاطة المبعوث الأممي حول المستجدات في ليبيا، بفرض بلادها عقوبات على من يعرقل العملية السياسية في ليبيا.
وعلى الرغم من تكرار غرينفيلد مطالب بلادها بشأن ضرورة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، إلا أنها خصت بالذكر، أثناء حديثها عن عقوبات بلادها، أي شخص أو جهة تعرقل إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المقرر 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ومنذ تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية، شهدت سياسة البيت الأبيض في الملف الليبي تغيراً ملحوظاً، آخره رفع مستوى تعاملها مع الملف الليبي بتكليف السفير الأميركي لدى ليبيا، رتشارد نولاند مبعوثاً أميركياً خاصاً، أعقب ذلك زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي جوي هود، الذي يعد أرفع مسؤول أميركي زار ليبيا منذ سبع سنوات.
وترى الباحثة الليبية في العلاقات الدولية إيناس محمود، أن المطالب الأميركية في الملف الليبي لم تتغير، لكنها تلفت أن تلويح المندوبة الأميركية وُجّه للأفراد والكيانات التي تعرقل الانتخابات تحديداً.
وتوضح محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العقوبات على معرقلي عملية الانتخابات يعكس إدراكاً أميركياً بأن كل الاستحقاقات المنتظرة من السلطة التنفيذية الجديدة لن تتحقق بسبب ضيق الوقت"، مبيناً أن "الضغط الأميركي يدفع باتجاه إنهاء الفوضى".
وتستدرك قائلة إن "إنهاء الفوضى في ليبيا يخدم المصالح الأميركية، فالفوضى خلقت أطرافا متصارعة استثمرتها أطراف خارجية وتقويضها يقلل من فرص وجود خصوم واشنطن أو على الأقل عزلهم، وعلى رأسهم روسيا التي بدأت تخلق مجالات جديدة في المنطقة من خلال تحالفها واتصالها بحركات التمرد التشادية بعد خسارة حليفها اللواء المتقاعد خليفة حفتر".
وتشير محمود إلى أن التصريحات الأميركية على لسان سفيرها أو غيره لم تذكر أياً من الاستحقاقات الليبية المهمة في هذه المرحلة، مثل المناصب السيادية وتوحيد مؤسسات الدولة أو أولوية الاستفتاء على الدستور كأساس للانتخابات المقبلة.
لكنها، بحسب رأيها، باتت تركز فقط على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وبأي شكل، لخلق طبقة سياسية جديدة من المرجح أن تكون موالية للسياسة الأميركية.
في المقابل، لا يرى الناشط السياسي الليبي، مالك هراسة، من جانبه أي فعالية للعقوبات الأميركية، مشيراً إلى أنها أعلنت في السابق عن عقوبات على بعض من قوات حفتر، وهي مليشيا الكاني، واتهمتها صراحة بالتورط في جرائم حرب، لكن واشنطن في ذات الوقت لا تزال تتعامل مع حفتر أو على الأقل لا تزال ترى وجوده في المشهد مهماً.
ويضيف، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد تهديد المندوبة الأميركية بفرض العقوبات هناك من زيّف تغريدة للسفير الأميركي مضمونها تحذير لحفتر بالانصياع للسلطة الجديدة في ليبيا أو مغادرة المشهد".
وسارعت السفارة الأميركية لتكذيب التغريدة لكن تزييف التغريدة يعني، بحسب هراسة، أن "هناك أطرافاً على الأرض تدرك أن سياسة واشنطن متناقضة، وأنه لا يمكنها مثلاً فرض عقوبات على حفتر الذي يعد أهم المعرقلين لكل التسويات".
ويرى أن "الرأي العام الدولي يدرك أن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح والبرلمان وحفتر وحلفاءه أكبر معرقلي جهود السلطة الجديدة المكلفة بتسهيل وصول البلاد إلى مرحلة الانتخابات"، مستدركاً "في ذات الوقت رأينا السفير الأميركي يجتمع بشكل رسمي مع عقيلة صالح في القاهرة ويشيد بجهوده".
وتابع "العقوبات الأميركية لن تتجاوز تجميد الأرصدة ومنع السفر على أشخاص وكيانات. بينما شكل هذه العقوبات لم يعد مؤثراً على المعرقلين في ليبيا، فكثيراً ما فرضت عليهم من عديد الدول".
ويعتقد أن زيادة وتيرة الحراك الأميركي في ليبيا تهدف إلى تقويض فرص استمرار وجود خصوم واشنطن الدوليين في ليبيا.