ما وراء ارتفاع موازنة الجيش الجزائري

14 أكتوبر 2024
جنديان جزائريان جنوبي البلاد (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت موازنة الجزائر لعام 2025 زيادة في ميزانية الجيش إلى أكثر من 25 مليار دولار، نتيجة التحديات الأمنية والتوترات الإقليمية، والحاجة لتأمين خطوط التجارة الجديدة.
- تبرر الزيادة بارتفاع التهديدات الأمنية مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، وتهدف لتعزيز القدرات الدفاعية والتكنولوجية وحماية المصالح الاقتصادية.
- تبنت الحكومة موازنة 2025 الأكبر في تاريخ البلاد، مع حذف تفاصيل ميزانية الجيش من مسودة القانون لحماية المعلومات الاستراتيجية المتعلقة بالدفاع الوطني.

تكشف الموازنة العامة للجزائر للعام 2025 زيادة لافتة ومستمرة في موازنة الجيش الجزائري ووزارة الدفاع الوطني، والتي ارتفعت إلى أكثر من 25 مليار دولار أميركي (أكثر من 3349 مليار دينار جزائري) بزيادة تقدَّر بثلاثة مليارات دولار مقارنة مع ميزانية العام 2024، يبررها مراقبون باستحقاقات الأمن والدفاع والتوترات القائمة في المنطقة، وترابط بين الدفاع والاقتصاد وخطوط التجارة الجديدة باتجاه دول الجوار والتي تحتاج إلى تأمين.

وتشهد ميزانيات الدفاع والجيش الجزائري منذ العام 2018 ارتفاعاً لافتاً بفعل تجديد ترسانة الجيش وخطط تحديث معداته وأسلحته، واقتناء منظومات أسلحة متطورة. وارتفعت هذه الميزانيات من حدود 18 مليار دولار أميركي في عام 2023، إلى 22 مليار دولار في 2024، ثم 25.1 مليار دولار في موازنة العام 2025. وتعطي هذه الزيادات مؤشرات واضحة على وجود تركيز جزائري لافت بشأن تعزيز كامل مقدرات الدفاع والأمن، والتجهز المبكر للتحديات والتهديدات القائمة، ومواكبة الحاجيات الأساسية للأمن والدفاع في البلد.

وتبدو هذه الزيادات بالنسبة للكثير من المحللين مبررة في الواقع، بالنظر إلى تفاقم استحقاقات الأمن والدفاع الوطني بالنسبة للجزائر، خاصة مع تعاظم المخاطر المرتبطة بالإرهاب والاضطرابات في منطقة الساحل، والجريمة والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات في هذه المناطق غير المستقرة، خاصة أن الجزائر محاطة بمجموعة دول تعاني من هشاشة سياسية وضعف في مؤسسات الدولة وقدراتها، على غرار مالي والنيجر وليبيا.

حاجة ملحة لتقوية الجيش الجزائري

عمار سيغة: ارتفاع حدة التهديدات يفسر الزيادة في موازنة الجيش

في نظر القادة العسكريين في الجزائر، هناك حاجة ماسة لتعزيز أمن البلاد ورفع مقدرات الدفاع وتكوين الكوادر العسكرية، استجابة لمتطلبات المرحلة والجغرافية المتوترة في جوار البلاد. وكان رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول، السعيد شنقريحة، قد أكد الحاجة إلى التكيف الدفاعي مع الأوضاع في المنطقة لوجستياً وبشرياً. وقال، خلال زيارة إلى الناحية العسكرية الأولى بالبليدة قرب العاصمة الجزائرية الأسبوع الماضي، إن "التحولات المتسارعة في المنطقة وما يجري بمحاذاة كافة حدودنا الوطنية، تشكل باعثاً أساسياً لزيادة الحيطة ومضاعفة الحذر وتكثيف موجبات اليقظة، فضلاً عن السعي باستمرار لإجراء التحسينات والتكييفات الصحيحة، لتتوافق مع ما نصبو لتحقيقه هذه السنة، سواء في ما يخص التحضير القتالي للأفراد والوحدات، والرفع من جاهزية الجيش الجزائري أو في ما يتعلق بحماية الحدود ومحاربة شبكات تهريب المخدرات والمهلوسات والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها".

وبالنسبة إلى المحلل المهتم بالشؤون الأمنية عمار سيغة، فإن هناك شقين يفسران الزيادة في موازنة الجيش الجزائري "أولهما جملة التهديدات وارتفاع حدتها، مع استمرار النهج الدفاعي ومواكبة التطورات التي تشهدها منظومات الدفاع والتكنولوجيا والأمن السيبراني وغيرها، وتمكين الجيش الجزائري من كل الإمكانات والقدرات اللازمة، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة ترسانات الأسلحة الجديدة، وفقاً لتطور سوق صناعة الأسلحة في العالم".

وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "الجانب الثاني، وهو على قدر كبير من الأهمية يجدر الانتباه إليه لفهم هذا التطور في الموازنة والحاجيات الدفاعية، يرتبط برهانات اقتصادية بالنسبة إلى الجزائر لتطوير وفتح خطوط تجارة إقليمية مع ليبيا وموريتانيا والنيجر، وبداية إنشاء مناطق التبادل الحر، وزيادة المشاريع الحيوية للطاقة سواء في جنوبي الجزائر، أو مع النيجر وموريتانيا، وهو ما يفرض زيادة مستويات الجهوزية في مراقبة الحدود والأمن الإقليمي للبلاد والحفاظ على مصالحها الاقتصادية".

وبرأي خبراء، فإن موازنة الجيش الجزائري الجديدة التي ارتفعت تتضمن كلفة الصفقات العسكرية التي ربما لم تتم بعد، وبالتالي فإن كلفة هذه الصفقات تبقى محفوظة وتُحسب ضمن موازنة العام الجديد. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيادات في ميزانية الأمن في السنوات الأخيرة لها ما يبررها من الناحيتين التقنية والأمنية".

وأوضح أنه "مع مسعى الجيش الجزائري منذ فترة لتحديث منظوماته العسكرية بما استجد من تطورات تكنولوجية كان لزاماً عليه اقتناء معدات وبرامج تكنولوجية عسكرية تتوافق مع هذا المسعى، علاوة على التحديات الأمنية التي تواجهها الجزائر، ما يستدعي الجاهزية في كل وقت وهذا ما يزيد من الأعباء العسكرية. كما تجب الإشارة إلى أن هذه الميزانية مرتبطة أيضاً بالصفقات العسكرية مع الأطراف المصدرة للعتاد والتقنيات". واعتبر أن "جزءاً من الرقم الذي تم رصده هذا العام يعود لإعادة جدولة ما تبقّى من العام الماضي بعد التذبذب في مواعيد تسليم عدة صفقات كانت مبرمجة العام الماضي".

أكبر موازنة في تاريخ الجزائر

وتبنت الحكومة الجزائرية موازنة 2025، وهي الأكبر في تاريخ موازنات البلاد، بمجموع 126 مليار دولار، وبشكل يفوق موازنة العام الحالي، والتي كانت بلغت 113 مليار دولار أميركي. ومن المقرر أن تبدأ لجنة الشؤون المالية في البرلمان مناقشة هذه الميزانية، مع الوزراء في الحكومة حسب كل قطاع، مع تسجيل التعديلات التي قد يطرحها النواب، قبل إحالتها إلى جلسة النقاش العام، على أن ينتهي النقاش النيابي من قانون الميزانية بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

توفيق بوقاعدة: جزء من الرقم الذي تم رصده للجيش يعود لإعادة جدولة ما تبقّى من العام الماضي

في السياق نفسه، كان لافتاً حذف البيانات المتعلقة بموازنة الجيش الجزائري والتفاصيل التقنية المتعلقة بتوزيعها من ملحق جداول مسودة قانون ميزانية العام 2025، وعدم إتاحتها للعموم، بخلاف كل القطاعات الأخرى، بما فيها الداخلية (تشمل الأمن) والخارجية. وتسلّم النواب نص قانون الميزانية الجديد للعام 2025، والذي جاء في نسخته الفنية المتضمنة جداول توزيع وتعداد المستخدمين حسب المحفظة المالية لكل قطاع، وتطور تعداد المناصب المالية ومتغيراتها في كل قطاع وزاري، دون أية معلومات تخص قطاع الدفاع، أو تعداد الأفراد وتوزيعهم وغيرها، إذ تعد هذه المعلومات سرية.

في الغالب، لا تتم مناقشة ميزانية الجيش الجزائري في البرلمان بشكل علني. وتستند الحكومة بقرارها إخفاء البيانات المتعلقة بتوزيع ميزانية الجيش الجزائري إلى قانون ينظم عمل غرفتي البرلمان والعلاقات مع الحكومة، كان قد صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2023. وتنص المادة 87 مكرر، والتي تتعلق باطلاع البرلمان على المعلومات والوثائق الضرورية عند ممارسة المهام الرقابية، على أنه "طبقاً لأحكام المادة 155 من الدستور، تقدم الحكومة للبرلمان عند ممارسة مهامه الرقابية المعلومات والوثائق الضرورية التي يطلبها"، غير أنه "تستثنى من المعلومات والوثائق التي تكتسي طابعاً سرياً واستراتيجياً يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك المتعلقة بوقائع تكون محل إجراء قضائي".

ويحد القانون من قدرة النواب على استجواب الحكومة في القضايا المتعلقة بالدفاع الوطني، والعلاقات الخارجية أيضاً، حيث ينص على أنه "يمكن لأعضاء البرلمان بغرفتيه استجواب أو مساءلة الحكومة في المجالات والمسائل ذات الأهمية الوطنية وعن حال تطبيق القوانين، باستثناء المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني، وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية لكونها مجالات تحفظ". وتهدف هذه المواد إلى منع استغلال هذه المعلومات بأي شكل كان في التحاليل والتقديرات الأجنبية المتعلقة بالأمن والدفاع الوطني، أو توظيفها بصورة قد تشكل تهديداً للاستقرار والأمن الوطني.

المساهمون