أعدمت مجموعة "عرين الأسود" في البلدة القديمة بمدينة نابلس، مساء السبت، شاباً قالت إنه تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لتصفية مقاومين وقادة من "عرين الأسود"، في سابقة هي الأولى منذ عام 2005، حيث تم إعدام الشاب رمياً بالرصاص في ظل صمت كامل للسلطة الفلسطينية، وتساؤلات حول عدم تسليم المتهم بالعمالة للأجهزة الأمنية.
وأصدرت "عرين الأسود" الليلة الماضية، بياناً رسمياً، بعد ساعتين من إعلان مقتل الشاب "ز.غ" (23 عاماً)، جاء فيه: "نظراً لِعَملياتْ البَحْث والتَّحري التي تَقومْ بِها مجموعات عَرين الأُسود بِخصوص موضوع الخائِن الَذّي تَمَّتْ تَصْفِيَتُه الليّلة، نُعْلِمُكم بِأنَّنا سَنُوضِّح للرَّأي العام كُل ما يَلْزَم في حينه مُوثَقاً تَوثيقاً دقيقاً بَعْدَ اسْتِيفاء بَعْض الإِجراءات الأَمْنِية مِنّْ طَرَفِنا"، مؤكدة ملاحقة العملاء أينما كانوا.
ويعيد إعدام المتهمين بالعمالة ميدانياً الأذهان إلى الانتفاضتين الأولى والثانية، حيث توقف هذا الأمر بشكل تام بعد إنهاء الانتفاضة الثانية وتولي محمود عباس الرئاسة عام 2005، لكن عودة الإعدام الميداني والإعلان عنه ببيان رسمي من مجموعة "عرين الأسود" يشكل سابقة تعكس ضعف السلطة وتفككها من جهة، والفجوة الكبيرة بينها وبين المقاومة من جهة أخرى، حسب ما يرى سياسيون ومحللون من مدينة نابلس.
فجوة بين السلطة والمقاومين
وحول السبب وراء عدم تقديم المقاومين الأدلة حول المتهم بالعمالة للجهات القانونية في السلطة لمحاسبته، عزا الكاتب والمحلل السياسي، سامر عنبتاوي، ذلك "لوجود خلافات بين التوجهين الرسمي والثوري، وقناعة المقاومين بالتزام السلطة باتفاقيات تمنعها من تنفيذ عقوبة الإعدام؛ سواء جنائيًا أو أمنيًا، ولذلك قام المقاومون بتنفيذ القانون بأيديهم".
وأضاف عنبتاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "المنطق يقول إن أي عميل يثبت أنه سلم مقاومين، أو تسبب باستشهادهم يجب أن يأخذ عقابه ضمن الأطر القانونية الرسمية، ولكن الفجوة الموجودة بين السلطة والمقاومين وبين الأطراف المختلفة أدت لأن يأخذ المقاومون القانون بأيديهم، هذا الموضوع بحاجة إلى معالجة فلسطينية".
وبخصوص عدم وجود موقف فلسطيني رسمي بما يتعلق بقتل الشاب المتهم بالعمالة، قال عنبتاوي: "هذا الإجراء تم خارج إطار القانون وأمن السلطة، وبالتالي يزعج السلطة، رغم أنه لم يصدر عنها أي موقف رسمي، وأعتقد بأنها غير موافقة ومنزعجة جداً من ذلك كونها ملتزمة باتفاقيات تحظر الإعدام".
وأكد مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، أن التفاهمات الأمنية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي منعت ملاحقة العملاء سواء ما قبل العام 1993 أو ما بعدها حتى الآن، مشيراً إلى أن الأخطر من ذلك أنه يوجد أمام المحاكم الإسرائيلية 107 قضايا من عملاء بمئات ملايين الشواقل، يتهمون السلطة بضربهم وملاحقتهم وتعذيبهم.
من جهته، قال الناشط السياسي ورئيس جمعية "زهرة الشمال للثقافة والفنون" في نابلس، قيس عوايص، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا نجزم بأن تصفية العملاء عادت للواجهة، ما حدث حالة منفردة، منذ تأسيس عرين الأسود قبل عام".
ويرى عوايص، وجود حرفية من قبل من أمسكوا بالمتهم بالعمالة، حيث نشروا اعترافات الشاب بالفيديو خالية من أسماء من تعاون معهم، بعكس عملاء اعتقلتهم السلطة تم تسريب اعترافاتهم بكل ما احتوت من تفاصيل وأسماء، كما حدث مع أحد العملاء قبل نحو عام، وكادت التسريبات أن تشعل حربًا أهلية في نابلس.
وعما إن كان هذا الأمر سيتكرر بما أنه بدأ بالفعل، قال عوايص: "في ظل غياب جهة رسمية تقوم بمحاسبة العملاء، من المرجح أن يتكرر الأمر"، مشيراً إلى أن ضعف تنظيم حركة "فتح" وتفككه أدى إلى ما نشهده اليوم، داعيًا لإعادة الاعتبار إلى "فتح".
غياب قوة ردعية
أما المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء "استقلال"، ماجد العاروري، فقال لـ"العربي الجديد" إن الهيئة راقبت جلسات محاكم الجنايات في الضفة الغربية على مدار عام 2022، وحضرت أكثر من ثلاثة آلاف جلسة، كانت الجلسات التي تصنف تحت جرائم "أمن الدولة" منها "التخابر والتجسس والاتصال مع العدو" نسبتها 4% من إجمالي القضايا، ما يعني ضعف ملاحقة وتحويل هذه القضايا للجهات المختصة، وفشل القضاء بخلق قوة ردعية تجاه تلك الجرائم الخطرة.
ووفق العاروري، هناك مشكلة في جدية تعامل الأجهزة الأمنية الرسمية بهذه القضايا أمام المحاكم، حيث يوجد عدم اكتراث بالجرائم التي تمسّ "أمن الدولة". وشدد على أن "هذا الضعف بجدية تعاطي المؤسسات الرسمية بهذه القضايا ترك فراغاً، ما يشكل سببًا لتعامل مجموعات داخلية مع مثل هذه القضايا والمجرمين".
وأكدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم الفلسطيني" في بيان لها، خطورة حالات أخذ القانون باليد والتي تكررت مؤخراً بشكل كبير، كحادثة قتل المواطن (ز.غ) بتهمة التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، وقتله مساء أمس السبت، خارج إطار القانون ودون مراعاة للإجراءات القانونية المتبعة.
وشددت على أن جريمة وفعل الخيانة عمل مرفوض، وهي جريمة بشعة يجب أن يأخذ مرتكبها العقوبة الرادعة وفقاً للقانون، مطالبة مؤسسات السلطة والأجهزة الأمنية بالقيام بواجبها تجاه من يقوم بهذه الأفعال وتقديمهم للعدالة. وقالت الهيئة إن هذه التهم هي من اختصاص مؤسسات السلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أن عمليات القتل خارج إطار القانون من شأنها أن تؤسس حالة من الفوضى وأخذ القانون باليد، وطالبت الهيئة فصائل العمل الوطني بضرورة أن يكون لها موقف واضح من هذا السلوك.
وكان مقاومون نشروا تسجيلات فيديو مصورة للشاب الذي يتهمونه بالعمالة وهو يتحدث عن كيفية إسقاطه ومشاركته في مراقبة عدد من المقاومين العام الماضي، ومراقبته قائد "العرين" محمد العزيزي ومشاركته مع قوات الاحتلال في اقتحام البيت الذي تحصن فيه لتأكيد هويته للاحتلال بعد اغتياله.
وتم إطلاق الرصاص على الشاب المتهم بالعمالة بعد خضوعه لتحقيق من مقاومين استمر لأيام، قبل أن يتم إلقاؤه في إحدى حارات البلدة القديمة بنابلس وهو مصاب بجراح خطرة، ليتم نقله لمستشفى رفيديا الحكومي وإعلان وفاته لاحقاً.
واقتحمت أجهزة الأمن الفلسطينية البلدة القديمة من نابلس الليلة الماضية، للقيام بمعاينة المكان الذي عثر فيه على جثة الشاب، لكن مئات المواطنين استقبلوا عناصر الأمن بالهتاف "جواسيس"، بأجواء توتر انتهت بإطلاق الغاز السام المسيل للدموع على المواطنين، لكن تدخل والدي الشهيدين وديع الحوح وإبراهيم النابلسي خفف حدة التوتر.
وكان لافتًا انطلاق حملة "من الذباب الإلكتروني" التابع لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بعد نشر الفيديوهات في حملة تشويه منظمة للمعتقل السياسي بسجون السلطة، مصعب اشتية، المتهم بتمويل "عرين الأسود" والمشاركة بتأسيسها.