في خضم الأوضاع السياسية المعقدة في تونس، أثارت دعوة جديدة للحوار طرحتها جبهة الخلاص الوطني، الأسبوع الماضي، أسئلة ملحة حول قابلية الساحة السياسية لاستقبال هذه المبادرة ونضج الظروف المؤثرة في نجاحها.
وطرح قياديو الجبهة أحمد نجيب الشابي ورياض الشعيبي وسمير ديلو وسميرة الشواشي، في ندوة صحافية، مقترحاً جديداً متمثلاً بحوار وطني وحكومة إنقاذ.
وبينما يواجه الشابي، بحسب قوله، تحديات في تحقيق الاتفاق على برنامج إصلاحات، يعتبر أن الوقت مهم جداً للتحرك. فيما تطرح الدعوة للحوار التساؤلات حول مدى استعداد القوى السياسية للتعاون في هذا الوقت الحرج، وهل يمكن للاتحاد العام التونسي للشغل أن يلعب دوراً رئيسياً في تسهيل هذا الحوار.
وتركز الدعوة بشكل أساسي على الاتحاد العام التونسي للشغل، فيما يؤكد أمينه العام نور الدين الطبوبي أن مبادرة المنظمات المدنية جاهزة للحوار، مؤكداً قدرة المنظمة النقابية على التحكم في مواعيد هذه المبادرة واحتياج الشعب والدولة والمجتمع المدني إليها.
وعن مبررات الدعوة للحوار في هذا التوقيت بالذات (تعيين رئيس حكومة جديد أحمد الحشاني، وأزمة اقتصادية خانقة، وحالة جمود عامة)، يرى القيادي في الجبهة رياض الشعيبي أن هذه الدعوة للحوار تأتي في ظل تعقيد الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ بداية عام 2021، ولكنه يؤكد أنها كانت موجودة حتى قبل انقلاب الرئيس قيس سعيّد على كل السلطات.
ويشدد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن الحل لمشاكل البلاد السياسية والاقتصادية يكمن في التوافق الوطني والجلوس إلى مائدة الحوار.
وفي هذا الإطار، يعتبر الشعيبي أن رئيس الدولة كان يرفض باستمرار دعوات الحوار ويزدري أصحابها. ويرى أن عودة جبهة الخلاص للدعوة مرة أخرى إلى الحوار تأكيد لأهمية المشاركة السياسية، حيث تعيش البلاد اليوم أزمة شاملة تهدد الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي، ويمثل الحوار الوطني السبيل الوحيد لنزع فتيل هذه الأزمة.
وبخصوص الأطراف المعنية بالحوار الممكن، يرى الشعيبي أنه يجب أن يشمل الجميع من دون إقصاء، بما في ذلك ممثلي السلطة. ويرى أن القوى السياسية والاجتماعية، مثل اتحاد الشغل، يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في إدارة الحوار والخروج من حالة الجمود الحالية والانكفاء.
ويؤكد الشعيبي أن اتحاد الشغل، بغض النظر عن تقييم أدائه، يحتاج دعماً معنوياً وسياسياً أمام الهجمة التي يتعرض لها من السلطة. ويعتبر التحاقه بموقع المبادرة الحوارية واعتماده على التوافق الوطني داعماً له ومحصناً ضد الاستهداف.
وفي خضم هذه الدعوة والجدل حول الحوار الوطني، يشير مدير المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات إلى عدم قناعة الرئيس سعيّد بأهمية الحوار، حيث يعتقد أنه لم يحاور أحداً طوال حياته ولا يؤمن بأهمية هذه الأداة الديمقراطية.
وفي ما يتعلق بتقبل الساحة السياسية والمدنية والحقوقية لضرورة البحث عن مخرج للأزمة في ظل حالة الجمود الحالية، يقدم خالد شوكات وجهة نظره قائلاً: "أعتقد أن الذين اعتبروا أنهم قادرون على التصدي للرئيس بعد انقلابه على النظام الديمقراطي، وأيدوا مساره التصحيحي بغرض التخلص من منافسهم الأيديولوجي الذي لم يتمكنوا من التغلب عليه في الانتخابات، ربما قد أصابهم الندم الآن. ولكنهم ربما لن يستفيدوا من الندم، ولا يوجد حل واضح للأزمة. يمكن أن يكون الحل في توحيد القوى الديمقراطية والاستعداد للنضال المدني السلمي والديمقراطي، وهو عمل قد يستغرق وقتًا طويلاً. وفي قلب كل أزمة تكمن الفرصة، على الرغم من الصعوبات."
ويضيف شوكات: "الصراع السياسي في الوقت الحالي هو صراع لا يقوم على أساس ديمقراطي، بل هو صراع غير منضبط يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية بدلاً من تقاسم السلطة والثروة بشكل ديمقراطي. بالنسبة لرئيس الحكومة الجديد المعيّن أحمد الحشاني، فهو يفتقر إلى الخبرة ولديه صلاحيات محدودة، ولا يمكن توقع تغيير كبير في مساره عن سلفه السيدة بودن."
ويؤكد شوكات: "إن حلاً حقيقياً لمشاكل تونس لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى طاولة الحوار والتوافق بين جميع الأطراف. لا يمكن حل المشاكل بالمغالبة والتجاهل، حيث سبق للحكام أن جربوا هذه الطريقة وكانت نتائجها سلبية ومخيبة."
يبقى السؤال مطروحاً عما إذا كانت الساحة السياسية والمدنية والحقوقية قد بدأت تدرك بشكل كامل ضرورة البحث عن حل للأزمة الحالية وسط تصاعد الانقسامات وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وهل يمكن للحوار الوطني أن يكون السبيل لتحقيق الاستقرار والتوافق في تونس؟