قال سياسي مصري مشارك في إحدى لجان "الحوار الوطني"، الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن واحداً من الأسباب البارزة لاستبعاد "التيار الإسلامي" من المشاركة في الحوار، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، تلميح أحد ممثليهم، من الذين جرى التواصل معهم في مرحلة "جس النبض"، إلى طرح فكرة تفعيل المادة الدستورية الخاصة بـ"العدالة الانتقالية"، وهو ما جعل الدائرة المقربة من مؤسسة الرئاسة، ثم السيسي نفسه، تحسم مسألة رفض مشاركتهم في الحوار.
وأضاف السياسي، الذي ينتمي لتيار ما يعرف بالقوى المدنية، أن مجرد هذا التلميح كان كافياً لرفض مشاركة أي من "الإسلاميين"، خصوصاً أنه ثارت شكوك من قبل أجهزة أمنية بشأن تواصل هؤلاء مع سياسي مصري بارز، يتمتع بعلاقات جيدة مع دوائر رسمية، وبرلمانية غربية، وقد كانت هذه الشخصية، لمدة طويلة، بمثابة حلقة وصل بين الدوائر الغربية والسلطات في مصر.
تجاهلت السلطات مئات الشخصيات والمعارضين الذين طرحوا وثيقة مبادئ لضمان انفراجة حقيقية
وتتزامن الذكرى التاسعة لمذبحتي "رابعة العدوية" و"النهضة"، التي تحل اليوم الأحد، مع "الحوار الوطني"، الذي يضم كافة القوى السياسية والوطنية، ومنها بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة في الخارج، من أجل إجراء إصلاحات سياسية وتوافق حول أولويات العمل الوطني. ويشارك في الحوار الوطني كتّاب ومثقفون وباحثون ومعارضون جاءوا من الخارج خصيصاً بدعوات رسمية وشبه رسمية للحوار.
السلطات تتجاهل شخصيات طرحت وثيقة مبادئ
لكن السلطات المصرية تجاهلت مئات الشخصيات العامة والحقوقيين والمعارضين، الذين طرحوا وثيقة مبادئ لضمان انفراجة حقيقية وذات مغزى، ترتكز على أن "الحوار السياسي لا بد أن تسبقه وتتوازى معه سلسلة من الإجراءات، تشمل الوقف الفوري والكامل لكل أشكال الاحتجاز التعسفي، وجلاء مصير المختفين قسرياً، والإفراج الفوري عن كل المسجونين في قضايا حرية الصحافة والتعبير السلمي عن الرأي، ومنع وتجريم اعتقال أهالي المطلوبين كأداة للابتزاز والانتقام، والإفراج الفوري عنهم".
كما ترتكز وثيقة المبادئ على "حق كل من أُبعد عن وطنه نفياً، أو تحت وطأة التهديد بالبطش، في العودة الآمنة دون شروط، ورفع القبضة الأمنية عن مختلف وسائل الإعلام، ووقف التعديات على حرية الصحافة وترهيب الصحافيين، ورفع الحجب عن المواقع الإخبارية".
لكن التفاؤل من جني ثمار هذا الحوار يأتي اليوم فقط من جانب المشاركين فيه، من أحزاب ومنظمات وشخصيات عامة أدت دوراً في الإفراج عن عدد محدود من النشطاء السياسيين وغيرهم خلال الفترة الأخيرة الماضية.
تقليص المطالب للحدود الدنيا
ونجحت السلطات في تقليص حدود مطالب الفئات المجتمعية إلى الحدود الدنيا، فأصبح الصحافيون يرجون خروج زملائهم من السجون، مع مطالبات محدودة لفتح الأفق السياسي ودعم حرية الصحافة ومناخ التعبير.
وأصبح همّ بعض الأحزاب السياسية عقد صفقات مع السلطات لدعم وتأييد والمشاركة في "الحوار الوطني" مقابل الإفراج عن أعضائها في السجون. بل حتى إن رؤية عدد من الحقوقيين اقتصرت على وقف ملاحقاتهم والسماح لهم بالعمل والسفر.
وبخلاف المشاركين في الحوار، يرى مراقبون أن إجراء هذا الحوار "لا يستهدف الشروع في عملية إصلاح، أو الالتفات إلى أزمة حقوق الإنسان"، حسب وصف مركز القاهرة لحقوق الإنسان مسارات وفعالية "الحوار الوطني" حالياً.
وقال المركز إن "غياب ضمانات التمثيل العادل للمعارضة في الحوار، وتجاهل السلطات لمطالبها، إلى جانب عدم جدية المبادرات المشابهة التي أعلنت عنها الحكومة سابقاً، بل إن قرارات العفو الرئاسي عن بعض المسجونين السياسيين، تؤكد أنها لا ترقى لتكون علامة على البدء في عملية إصلاح حقيقي، في ظل استمرار احتجاز عشرات الآلاف، وتواصل عمليات القبض على العديد منهم".
لا إرادة للسلطات بانفتاح سياسي
كما رأى مركز القاهرة أن "القمع الذي لم يهدأ ما هو إلا مؤشر أكثر من كافٍ على أن الحوار الوطني لا تُقصد به معالجة أزمة حقوق الإنسان. والأكثر دلالة، أن طريقة الاستعداد للحوار تؤكد بشكل قاطع أن السلطات المصرية تفتقر إلى الإرادة السياسية للشروع في انفتاح سياسي ذي مغزى".
تغيب قضية ضحايا "رابعة" وحتى المختفين قسرياً في ذلك اليوم عن طاولة الحوار الوطني
من جهتها، لفتت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أخيراً، إلى أن "أداء لجنة العفو الرئاسي اتسم ببطء شديد وانتقائية غير مبررة وغياب للمعايير المنهجية، سواء على مستوى المفرج عنهم أو من تُرفض طلباتهم. بل إنها لجنة بلا سلطة، ولا تخضع لأي معايير في تشكيلها، وليست لها أي صفة لمخاطبة الجهات الرسمية عدا رئاسة الجمهورية، ويقتصر دورها على إعداد قوائم المرشحين للإفراج عنهم، سواء من المحبوسين احتياطياً أو المحكومين على خلفية قضايا رأي، وإرسالها إلى مكتب رئاسة الجمهورية".
أما سلطة القرار، فتراها المؤسسة "ملكاً لأكثر من جهة أمنية تنسق العمل فيما بينها على هذا الملف، ومعايير تلك الجهات، سواء في حالة الموافقة أو الرفض، غير معلنة بشكل شفاف ولا تخضع للتقييم أو الرقابة".
وبلغ إجمالي عدد المطلق سراحهم، منذ إعادة تفعيل عمل اللجنة في 24 إبريل/نيسان الماضي وحتى 1 يوليو/تموز الماضي، 268 شخصاً. وبخلاف ذلك "استمرت الأجهزة الأمنية في ممارساتها المنتهكة للحق في حرية التعبير، من دون توقف أو تراجع، أياً كانت وسيلة التعبير"، حسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
"الحوار" محاولة لتحسين صورة السلطة عالمياً
وعلى أرض الواقع، يأتي "الحوار الوطني" قبل انطلاق قمة المناخ، المعروفة بمؤتمر الأطراف 27 (كوب 27)، في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في محاولة من السلطات لتحسين صورتها أمام العالم في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، الذي راح ضحيته مئات المواطنين في فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة" في 14 أغسطس/آب من العام نفسه.
وتغيب قضية ضحايا "رابعة" عن طاولة "الحوار الوطني"، وحتى المختفين قسرياً في ذلك اليوم، بخلاف آلاف المختفين قسرياً في أعقاب المذبحة وحتى اليوم، وكذلك الحال مع آلاف السجناء السياسيين من كافة التيارات، خصوصاً تيار الإسلام السياسي.
كما يغيب عن الداعمين والمشاركين في "الحوار الوطني" وضع خطة وآلية واضحتين ومحددتين تضمنان خروج كل من لم يتورط في أعمال عنف وقتل من بين 114 ألف سجين سياسي، حسب تقديرات غير رسمية صادرة عن منظمات حقوقية مصرية، من بينهم نحو 65 ألف سجين على ذمة قضايا سياسية، ونحو 37 ألف محبوس احتياطياً، حسب تقديرات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لعدد السجناء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين في مصر حتى مارس/آذار 2021.