حلّت الذكرى التاسعة للانقلاب على أول رئيس مصري منتخب، الرئيس الراحل محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، في ظلّ ظرف محلي ودولي مختلفين، وفي وقت يتزايد فيه الحديث عن رسائل خاصة بالمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين، والنظام المصري الحاكم.
النظام المصري والإخوان: طريق المصالحة مغلق
في هذا السياق، قال القيادي الإخواني محمد سودان، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تواصلاً حصل أخيراً، من دون كشف المزيد من التفاصيل، متابعاً أن شيئاً لم يحصل على الأرض. وأشار سودان، في الوقت نفسه، إلى أن هناك محاولات من جانب شخصيات مقربة من النظام المصري تحدث منذ عام 2014، ولكنها جميعها محاولات من أشخاص، سواء كانوا من خلفيات عسكرية أو مدنيين، لا يملكون تنفيذ شيء.
وبحسب سودان، فإن "هناك ضغوطاً أميركية كبيرة على النظام المصري للتصالح مع الإخوان، ولكن نحن حتى الآن لا نعلم السبب وراءها". وأشار إلى أن كثيراً من القادة الغربيين ربطوا حضورهم قمّة المناخ (المقرر عقدها في شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، بفتح المجال العام في مصر والمصالحة مع الجماعة.
محمد سودان: تواصلٌ حصل أخيراً، لكنه لم يفض إلى شيء
وقال القيادي الإخواني، إن الشرط الأساسي الذي يتمسك به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تجاه جماعة الإخوان، هو الاعتراف بشرعيته، وفي الوقت الراهن، فإن الحديث عن المصالحة من جانب الإخوان مع النظام مغلق تماماً "لأن شرطنا الأساسي هو إخراج كل السجناء".
واستبعد سودان "أن يوافق القادة الكبار من الصفوف الأولى والثانية والثالثة والرابعة، على الاعتراف بشرعية النظام الحالي". وتابع: "ربما يجدون (النظام) ضالتهم في بعض الشباب الذين أرهقهم السجن، بعد هذه السنوات الطويلة من الحبس والمعاناة من دون ارتكاب جريمة".
وبرأي سودان، فإن "تمسك السيسي في مطلبه من الإخوان بالاعتراف بشرعيته، هو من منطلق وضع العصا في العجلة لأنه يدرك صعوبة تنفيذ هذا الشرط، ومن ثم يذهب للأطراف الغربية التي تضغط عليه، ويقول لهم إن الإخوان لا يريدون الاعتراف بشرعيته، فكيف سيتحاور معهم؟". وأشار إلى أن "هناك محاولة من جانب النظام المصري لإطالة أمد ما يسمى بالحوار الوطني من أجل الاستفادة من حالة تكرار الأحاديث التي يتم الترويج لها". وأكد أن "ما يتم ترويجه شائعات، أكثر من كونه أموراً حقيقية".
في موازاة ذلك، قالت مصادر إخوانية مطلعة إن الفترة الماضية شهدت محاولات من جانب النظام المصري للتواصل مع الجماعة عبر شخصيات وسيطة، بهدف معرفة موقفها من فكرة المصالحة. وذكرت أن هذه المحاولات باءت بالفشل بعدما تمسك ممثلو الجماعة الذين تواصلت معهم أطراف مصرية بضرورة الإفراج عن كافة أعضاء الجماعة والذين يقدرون بالآلاف في السجون من دون شروط.
وبحسب هذه المصادر، فإن في ما يخص المطلب الأساسي للنظام المصري والذي يتضمن الاعتراف بشرعية الرئيس، قبل الشروع في أية اتفاقات أو توافقات، فقد قوبل بالرفض القاطع من جانب مسؤولي الجماعة الذين طالبوا بالسماح بالرجوع أولاً لقيادة الجماعة في السجون لمعرفة قرارها بشأن مطلب النظام قبل الشروع في أية تحركات.
وبحسب المصادر فإن قيادة الجماعة، والذين جرى التواصل معهم في لندن، لمست عدم جدية من الوسطاء، معتبرة أن "النظام لا يتحرك من منطلق قناعة لديه، ولكن من منطلق أزمة يعاني منها".
وتأتي تصريحات سودان والمصادر عقب رسائل ضمنية بعث بها عدد من السياسيين المنخرطين في مشاورات مع المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، بشأن الترتيب للحوار الوطني، استجابة للدعوة التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال إفطار الأسرة المصرية في إبريل/نيسان الماضي. وكان أبرزها ما صرح به حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، مؤسس التيار الشعبي، أن دعوة السيسي للحوار الوطني المقرر عقده خلال الأيام القليلة المقبلة لم تستثن أحداً. ولفت صباحي إلى أن الاعتراف بشرعية رئيس الجمهورية ودستور عام 2014 شرطان أساسيان أمام جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة في أي حوار سياسي تتبناه السلطة.
وشدّد صباحي، في تصريحات تلفزيونية أخيراً، على أن "مشاركة الإخوان في الحوار لا يوجد نص ضدها، لا في الدعوة ولا في الأطراف التي قبلت الحوار". وأضاف: "نحن طرحنا في الحركة المدنية الديمقراطية ضمانات لا بد منها".
وأعلنت إدارة "الحوار الوطني" المصري، أول من أمس الأحد، عن اجتماع مقرر لمجلس أمنائها اليوم الثلاثاء، بحسب المنسق العام لـ"الحوار الوطني" ضياء رشوان، الذي قال إن مجلس الأمناء "يعكس تشكيلة القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة في الحوار". لكن تزامناً مع هذا الإعلان، قال الرئيس السيسي إن "كلّ المفكرين والمثقفين والقوى السياسية مدعوة للحوار الوطني باستثناء فصيل واحد كان مسؤولاً عن الدولة والسلطة قبل 3 يوليو 2013"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
سودان: الحديث عن المصالحة مغلق تماماً لأن شرط الجماعة الأساسي إخراج كل السجناء
وفي مقابل تصريحات صباحي، هاجم النائب أشرف رشاد، وهو رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن"، والتابع بشكل مباشر في إدارته إلى جهاز الأمن الوطني، الداعين للتصالح مع جماعة الإخوان. وقال رشاد، في بيان عاجل وجّهه إلى رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي، خلال جلسة عامة للمجلس أول من أمس، إنه "لا تصالح مع الإخوان، لأن ما بيننا وبينهم ثأر ودم، وخلاف في العقيدة والفكر". وأضاف: "باسم حزب مستقبل وطن، نرفض محاولة بعض السياسيين التصالح مع جماعة الإخوان".
ضغوط غربية... وقناعة بعدم جدّية النظام
يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه مصدر غربي في القاهرة، إن ممثلين رسميين للنظام المصري أكدوا خلال جلسات تحضيرية استعداداً لقمة المناخ في شرم الشيخ، أن النظام منفتحٌ على كافة التيارات السياسية في مصر، من أجل فتح صفحة جديدة تتلاءم مع الجمهورية الجديدة.
وتابع المصدر الغربي أن مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية المصرية، أكدوا أن هناك توجهاً رسمياً بفتح المجال العام أمام كافة التيارات السياسية، المدنية، الذين لم يتورطوا في عنف، للمشاركة.
ولفت المصدر إلى أن "ما طرحه المسؤولون المصريون مجرد تصريحات عامة، من دون أن يحددوا خطوات مفصلة في هذا الشأن". وبرأي المصدر، فإنه "على الرغم مما قاله المسؤولون المصريون، إلا أن هناك قناعة غربية بعدم جدية النظام المصري في هذا الملف". واستدرك بالقول: "على الرغم من ذلك، فإن هناك حرصاً أوروبياً على الدفع بتحسين الحالة السياسية في مصر وتصحيح أوضاع حقوق الإنسان، والحق في حرية التعبير والعمل السياسي السلمي".
وفي السياق، كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية، عن رسائل دولية وإقليمية، نقلت إلى النظام المصري عبر وسطاء إقليميين، ضرورة دراسة مسألة فتح قنوات حوار مع جماعة الإخوان المسلمين، في سبيل عودتها مجدداً إلى الحياة السياسية، بعد سنوات من تجريمها وتصنيفها "جماعة إرهابية". لكن المصادر أكدت في الوقت نفسه أن الحكومة المصرية لا تزال متمسكة برفضها عودة الجماعة في الوقت الحالي، لكنها ترسل أحياناً إشارات بإمكانية حدوث ذلك.
ترفض الجماعة أن تكون طرفاً في أي معادلة إقليمية جديدة تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل
وقالت المصادر إن "المحاولات الدولية لإعادة دمج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية المصرية، وخصوصاً من الولايات المتحدة، يمكن تفسيرها في سياق الخطة الأميركية لتشكيل تحالف عربي سني في مواجهة إيران، حيث إن السياسيين الأميركيين، وكثيراً من المراكز البحثية في واشنطن، يعلمون جيداً حجم جماعة الإخوان المسلمين كأكبر فصيل سياسي معارض في مصر، ومدى تأثيرها على الواقع السياسي العربي بشكل عام، ولذا فهم يؤمنون بأن أي مشروع سياسي جديد في منطقة الشرق الأوسط، لا بد أن تكون الجماعة مكوناً أساسياً من مكوناته".
وأضافت المصادر أنه "في مقابل ذلك، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين هي أيضاً تتمسك بموقف رافض للدخول في حوار مع النظام المصري، وترفض أن تكون طرفاً في أي معادلة إقليمية جديدة تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل خاص، وخصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس".
وقال مصدر سياسي مصري رفيع إن "الذكرى التاسعة لانقلاب 3 يوليو 2013، تمر الآن وقد جرت في نهر السياسة مياه كثيرة، فبعد أن كان النظام المصري حريصاً كل الحرص على تصوير ما حدث في ذلك اليوم، الذي أطاح فيه الجيش أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، على أنه ثورة شعبية، خوفاً من الوصمة الدولية التي وصم بها كانقلاب عسكري، بات الآن مطمئناً لمواقف الدول التي وقفت ضده في السابق، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا".
وأضاف المصدر أنه "لهذا السبب، فقد تغير خطاب النظام السياسي وأصبح لا يتحفظ عند الحديث عن دور القوات المسلحة الرئيسي في الانقلاب، كما تخلت نبرة الهجوم الحاد عن ذكر فترة حكم جماعة الإخوان، وخصوصاً الرئيس الراحل محمد مرسي".
وفي إطار ذلك، أكد السياسي المصري البارز أن هنالك "ضغوطاً قوية تمارس على النظام المصري منذ فترة طويلة، لاتباع سياسة جديدة في التعامل مع جماعة الإخوان، تقضي بالإفراج عن قيادات الجماعة المعتقلين، وفتح المجال السياسي من جديد أمام الجماعة، لكن نظام الرئيس السيسي عادة ما يتهرب من ذلك الاستحقاق بوسائل مختلفة ومتعددة، تارة بالتذرع بأنه يواجه الإرهاب، وتارة أخرى بالتأكيد على أن قرار المصالحة مع الجماعة في يد الشعب".
وأضاف المصدر أنه "على الرغم من ذلك، فإن نظام الرئيس السيسي، يضع في اعتباره أن مسألة عودة جماعة الإخوان واردة ويمكن أن تحدث في أي وقت، ولذلك فهو يناور في هذه القضية، وأحياناً ما يرسل إشارات بعدم معارضته إشراك الجماعة مرة أخرى".
وأوضح المصدر أن "الاعتراف والدعم الأميركي للأنظمة الإسلاموية التي أتت إلى الحكم في الدول العربية نتيجة الثورات التي بدأت عام 2011، أخذا يتراجعان عندما فشل الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في الالتزام بخطوطه الحمراء في سورية وتخلى عن الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، عندما أطاحه الجيش المصري في انقلاب عام 2013، وهو ما أكد أن الولايات المتحدة غير متحمسة للاستثمار في المنطقة". وأضاف المصدر أن "هذا الوضع تغير نسبياً في الوقت الحالي، عندما تعلمت واشنطن الدرس، وأيقنت أن التخلي عن المنطقة العربية، أضرّ بموقفها في الوقت الذي تواجه فيه روسيا والصين".