ما تأثير قرار حركات سودانية ترك الحياد والقتال إلى جانب الجيش؟

18 نوفمبر 2023
يضع قرار حركات سودانية التخلي عن الحياد والقتال لجانب الجيش أكثر من علامة استفهام (Getty)
+ الخط -

 

يضع قرار حركات سودانية مسلحة التخلي عن الحياد والقتال إلى جانب الجيش أكثر من علامة استفهام حول تأثير ذلك على واقع الحرب في البلاد.

 ووقعت حركات متمردة في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في العام 2020، شاركت بموجبه في الحكومة الانتقالية على مستوى مجلس السيادة ومجلس الوزراء، ومن أبرز تلك الحركات حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو ميناوي، والحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل مالك عقار، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وتجمع قوى التحرير، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي.

 وبعد إطاحة الجيش حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، احتفظت الحركات بمناصبها، وبعضها أيّد الانقلاب بشكل كامل وبعضها تحفظ عليه من دون مغادرة الحكومة.

وعقب اندلاع الحرب في 15 إبريل/ نيسان الماضي، قررت تلك الحركات اتخاذ موقف حيادي من الحرب والعمل على التواصل مع طرفي الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، للتوسط بينهما لإنهاء القتال والعودة للتفاوض.

ومع اشتداد المعارك وحدوث مجازر جماعية في دارفور، المعقل الرئيسي لغالب الحركات الموقعة على اتفاق سلام، سعت الحركات لعقد صفقات جانبية مع "الدعم السريع" تضمن وصول الإمدادات الغذائية إلى السكان في دارفور، وتحمي المدنيين، وظلت حذرة لأقصى مدى من الدخول في مواجهات مع "الدعم السريع"، التي تمددت قواتها في دارفور بشكل لافت في الأسابيع الماضية، وعلى حساب الجيش السوداني.

 لكن التساؤلات ظلت تلاحق قيادات تلك الحركات عن بقائهم في بورتسودان، العاصمة الإدارية، ووجودهم في مناصب حكومية مثل حاكم إقليم دارفور ووزير المالية، ورغم ذلك يتمسكان بالحياد. وفي ظل تصاعد القتال في دارفور وحدوث جرائم بحق المدنيين قدرها نشطاء ومنظمات دولية بأنها ترقى إلى جرائم الحرب والابادة الجماعية، ازدادت الضغوط على الحركات للتخلي عن الحياد والمشاركة في حماية المدنيين.

 الخميس الماضي، عقد كل من رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم، ومني أركو ميناوي رئيس حركة تحرير السودان حاكم إقليم دارفور، مؤتمرا صحافيا، أعلنا فيه بوضوح تام التخلي عن الحياد والقتال في صفوف الجيش.

ولشرح التحول والانعطاف أكثر، أصدرت الحركات المسلحة بيانا، بررت فيه خطوتها الأخيرة، وقالت فيه إن "قوات الدعم السريع، وفي تطور غير مبرر ومؤسف، نقلت الحرب من الخرطوم إلى كردفان ثم دارفور، واتسعت وشملت أجزاء أخرى من السودان وأصبح تقسيم الوطن قاب قوسين أو أدنى، لذا قرروا الوقوف ضد مشروع تفتيت البلاد وتقسيمه الذي تقوم به مليشيا الدعم السريع وملشياتها الأخرى الأجنبية والمرتزقة"، طبقا لما ذكره البيان.

 وأوضحت الحركات أن "الدعم السريع مارس ممارسات بشعة"، مشيرة إلى أنها قررت "أمام تلك الممارسات والجرائم ضد الإنسانية، الخروج عن الحياد واللجوء للمقاومة، والتمسك بوحدة السودان، والمشاركة في العمليات العسكرية في كل الجبهات بلا أدنى تردد".

ولم يجد ذلك الموقف توافقا داخل الحركات الموقعة على اتفاق السلام مسار دارفور، إذ أصدر كل من الهادي إدريس، رئيس حركة تحرير السودان وعضو المجلس الانتقالي وعضو مجلس السيادة المقال، والطاهر حجر، رئيس تجمع قوى تحرير السودان وعضو مجلس السيادة، ومعهم حافظ عبد النبي نائب رئيس التحالف السوداني، بيانا مشتركا، تمسكوا فيه بما أسموه الموقف المبدئي تجاه الحرب وهو "موقف الحياد غير المنحاز لطرف، والتمسك كذلك بالسعي من أجل وقف الحرب بالطرق السلمية التفاوضية واستعادة التحول المدني الديمقراطي".

وأعلن البيان رفضه "جرّ إقليم دارفور إلى حرب أهلية يسعى إليها دعاة الفتنة لأجندة سياسية تخدم الأهداف الخبيثة لفلول النظام البائد"، ودعا البيان زعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية للعمل على "درء الفتنة القبلية وفضح أطرافها".

وأثار قرار تخلي الحركات المسلحة آنفة الذكر عن الحياد جدلا واسعا في الأوساط السياسية، ففي حين رحب به عدد من الجهات وعدّه الموقف الصحيح الذي تأخر كثيرا، اعتبره آخرون تكريسا لحالة الانقسام في السودان وصب مزيد من الزيت على نار الحرب.

أسباب ترك الجماعات المسلحة الحياد

ويرى محي الدين جمعة، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، إنه "ومنذ اندلاع الحرب في 15 إبريل، كان واضحا لجميع القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح مسار الحرب والاقتتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، التي تمردت على الدولة وأرادت أن تستولي على السلطة بالقوة، ومنذ تلك اللحظة تباينت المواقف بين جميع القوى السياسية بما فيها حركات الكفاح المسلح".

وأشار جمعة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه " تبين بعد ذلك للقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح أن قوات الدعم السريع لا تريد الاستيلاء فقط على السلطة بل تريد الاستيلاء على الدولة كلها، بما في ذلك المواطنون والشعب والأرض والاتفاقيات السابقة الموقعة".

وأضاف أن موقف حركات الكفاح المسلح تبلور بعد 7 أشهر من اتخاذ موقف الحياد، وذلك "بعد سيطرة الدعم السريع على إقليم دارفور، لأن ذلك يعني أن مسار دارفور في اتفاقية جوبا سيتعلق ولن ينفذ، أما الأمر الثاني، فيتعلق بشراء الدعم عدداً من المرتزقة من دولة أفريقية وعربية، ويعني ذلك أن دارفور والسودان عامة في حالة استمرار الدعم السريع، سيتحول إلى دولة المرتزقة".

وتابع المسؤول السوداني حديثه بشأن قرار ترك الحياد بالنسبة للحركات المسلحة: "بالإضافة إلى ارتكاب مليشيا الدعم السريع العديد من الانتهاكات الجسيمة ضد المواطنين العزل في دارفور، خاصة في الجنينة والخرطوم، رأت أطراف العملية السلمية ضرورة إعلان الخروج عن الحياد والوقوف مع القوات المسلحة لدحر التمرد والمليشيات، وكذلك مقاطعة مساعي القوى المدنية التي تتحرك خارج السودان بدوافع خارجية للعودة إلى الحكم مجددا، وبالتالي تنفيذ أجندة الدول ورفض الإرادة الوطنية السودانية".

"خياران أحلاهما مرّ"

 لكن مستشار قوات الدعم السريع اللواء المتقاعد صلاح عيساوي يقول، من جهته، إن قرار الحركات المسلحة التخلي عن الحياد "جاء نتيجة تهديد من الحركة الإسلامية والنظام البائد بإبعادها من السلطة، حيث أصبح أمام الحركات المسلحة أمران أحلاهم مر، المشاركة في الحرب ضد الدعم السريع أو الإقصاء عن المشاركة في الحكومة".

وأشار عيساوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن انضمام الحركات المسلحة إلى القتال بجانب الجيش "لا ولن يؤثر في ترجيح كفة الحرب لصالح الجيش، كما أن قولها بحماية المدنيين، فهذا وعد من لا يملك، ومن المؤكد أن الدعم السريع لا يستهدف مواطني دارفور كقبائل وإنما يقطع الطريق أمام من يقفون مع الجيش أو من يحاولون الانضمام إليه وحمل السلاح ضدها".

 وأضاف اللواء المتقاعد أن "قيادة مثل جبريل إبراهيم فقد الشرعية وسط قوات حركة العدل والمساواة منذ بيانها الأخير بإقصائه، بينما يظل رئيس حركة تحرير السودان مني أركو ميناوي طالب سلطة من الدرجة الأولى حتى ولو على حساب جثث أهل السودان، التي يمكن أن يستخدمها سلماً للصعود إلى السلطة".

خطوة "سلبية"

أما القيادي في قوى الحرية والتغيير محمد عبد الحكم، فيرى أن اتساع دائرة الداعمين للقتال بلا شك "خطوة سلبية في اتجاه إنهاء الحرب"، منبها إلى أن دخول بعض حركات دارفور إلى المعارك ومغادرة موقف الحياد سيزيد من تعقيدات المشهد، رغم أن بعض الأنباء تشير إلى خطورة هذا القرار على هيكل تلك الحركات نفسها، من واقع اتخاذ قرار سياسي قد لا يتسق مع القرار الميداني، وقد يؤدي إلى انشطارات داخلية لعدم التوافق الداخلي الكامل على قرار خوض الحرب.

 واستطرد عبد الحكم بقوله لـ"العربي الجديد" إن القرار "غير إيجابي بالمرة، فوحدة الهياكل وقدرة القرار على الانسياب بسلاسة داخل هياكل حركات الكفاح المسلح أمر غاية في الأهمية لمستقبلها ومستقبل البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بآليات الدمج والتسريح مستقبلاً".

 وعبّر عن أمله في تراجع كل الجنرالات عن قرارهم وفي أن يتحسسوا المآسي الإنسانية والكارثة التي حلت بشعب السودان، ويجنحوا لخيار السلم، فهو الأجدى والأسلم.