ما بعد "مسيرة الأعلام": قلق إسرائيلي مستمر من صواريخ غزة

19 مايو 2023
التعزيزات الأمنية التي أحاطت بالمسيرة عكست حالة التخوف الإسرائيلية (أسوشييتد برس)
+ الخط -

 بدا المشهد في القدس المحتلة، طوال أمس الخميس، مقلقاً ومتوتراً، حيث احتشد آلاف المستوطنين عند باب العامود، أحد أبواب القدس العتيقة، في ساعات المساء، ورقصوا بالأعلام الإسرائيلية، ورددوا هتافات دموية ضد الفلسطينيين، ثم تابعوا طريقهم إلى ساحة حائط البراق، ضمن مشاركتهم في "مسيرة الأعلام" بمناسبة ما يُسمى "يوم القدس"، المخصص للاحتفال باحتلال الشطر الشرقي من المدينة عام 1967.

وقبل ذلك، اقتحمت أفواج من المستوطنين المسجد الأقصى على مدار ساعات النهار بمشاركة بعض أقطاب حكومة الاحتلال. تخللت حالة الهستيريا التي بدت عليها المسيرة اعتداءات شنّها المستوطنون المشبعون بالكراهية على المقدسيين في البلدة القديمة وخارجها، باستهداف السكان وتحطيم مركباتهم في منطقة الطور ومناطق أخرى. 

مر اليوم العصيب على أبناء القدس وسط إدانات فلسطينية ودولية اعتيادية، فيما أكدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، في بيان اليوم الجمعة، تنفيذ اعتقالات على خلفية "المواجهات"، إلا أن ثمة معادلات ظهرت في حيثيات المسيرة، وإن حاولت المنظومة الإسرائيلية إنكارها.

خوف من صواريخ غزة

على الرغم من حالة التأهب الكبيرة في الأجهزة العسكرية الإسرائيلية وتعزيز نشر منظومة "القبة الحديدية" في منطقة القدس، فضلاً عن نشر أكثر من 3200 شرطي في أرجاء المدينة، إلا أن الأحداث انتهت من دون إطلاق صواريخ من قطاع غزة كما حصل عام 2021، عندما تفرقت "مسيرة الأعلام" مدفوعة بالذعر من صواريخ عملية "سيف القدس" التي أطلقتها حركة "حماس" كرد فعل في حينه.

 وعلى الأرض، لم تشهد القدس إلا مواجهات محدودة، لتُختتم المسيرة والاحتفالات الإسرائيلية بهدوء نسبي.

عدم وجود أي تهديد حقيقي من غزة لمسيرة الأعلام كان متوقعاً هذه المرة، فالمقاومة خرجت قبل أيام معدودة من عدوان إسرائيلي، استشهد خلاله أكثر من 30 فلسطينيا، بينهم قيادات في "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي".

رغم ذلك، بدا أن حالة التأهب الإسرائيلية تتناقض إلى حد ما مع التصريحات الإسرائيلية بشأن "النصر الكبير" في العدوان الأخير على غزة، واستعادة قوة الردع، مثل ما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه يوم الأحد الماضي، بعد يوم على انتهاء العدوان الذي حمل اسم "درع وسهم". قال نتنياهو إن إسرائيل وجهت ضربات لحركة "الجهاد الإسلامي" لن تنساها، ما أدى الى "تغيير معادلة الردع"، على حد تعبيره.

ورأى المحلل العسكري في صحيفة " هآرتس" عاموس هارئيل، اليوم الجمعة، أن حالة التوتر التي شهدتها القدس على خلفية "مسيرة الأعلام" والمشاورات الكثيرة التي سبقتها "تشير إلى الوضع الحقيقي. إسرائيل ليست متأكدة إطلاقا من انتصارها، وتخشى من رد فعل قوي من قطاع غزة، ما قد يعيد التصعيد العسكري إلى المنطقة".

كما لفت هارئيل إلى مشاركة وزراء في المسيرة، على رأسهم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يمثل التوجهات الأيديولوجية لعدد كبير من المشاركين. ورأى أن سلوكيات بن غفير ومؤيديه هي التي من شأنها تحديد قوة الرد الفلسطيني "مستقبلاً".

هذا الاستنتاج يلتقي مع ما قالته حركة "حماس" في بيان صادر عن رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية بالتزامن مع "مسيرة الأعلام"، وجاء فيه أن "استنفار الكيان من شماله إلى جنوبه لتوفير حماية لما يسمى مسيرة الأعلام يعكس الهشاشة الأمنية التي يعيشها". وأضاف هنية أن "ما يجري الآن يوضح طبيعة الصراع بأبعاده الدينية والوطنية.. إغلاق البلدة القديمة في القدس يعكس رعب المستوطنين من صمود أهلنا في القدس المحتلة".

على صعيد "حماس"، رأى هارئيل أيضاً أن الحركة وإسرائيل تفضّلان استمرار الوضع القائم، فيما تحتاج "الجهاد الإسلامي" إلى بعض الوقت لاستجماع ذاتها بعد العدوان الأخير. ورأى هارئيل أن "سماح "حماس" لـ"الجهاد الإسلامي" بإطلاق الصواريخ من دون أن تتضرر هي، وبموازاة ذلك مواصلتها تعزيز قوتها العسكرية، يقلق الكثيرين في إسرائيل".

صراعات إسرائيلية داخلية

بدا جلياً أن السواد الأعظم من المشاركين في "مسيرة الأعلام" هم من المستوطنين والتيارات اليمينية المتطرفة، الأمر الذي استوقف نظر محللين إسرائيليين، منهم المحلل السياسي بين كاسبيت، الذي كتب في موقع "والاه" حول أهمية القدس للإسرائيليين، كما يراها هو، وعاب على التيارات الأخرى من ليبراليين وعلمانيين وسائر الإسرائيليين "تقديم القدس على طبق من ذهب" للمشاركين في المسيرة والتيار الذي يمثلونه، متسائلا: "ألم يحن الوقت لاحتلال القدس من جديد؟".

واستطرد بن كاسبيت قائلاً: "هكذا نحن، دائماً نقدّم التنازلات أباً عن جد. منحنا اليمين المتطرف والمتدينين هذا اليوم على طبق من ذهب.. لماذا لا نحتفل نحن بهذا اليوم بشكل منفصل، ونثبت أن ثمة طريقة أخرى؟ مناسبة أكثر. طريقة صهيونية، وطنية، إبداعية لا تطرف فيها أو تحدٍ أو محاولة لإشعال المكان كله؟ كيف سمحنا للصهيونية الدينية بسحب البساط من تحتنا والسيطرة على هذا الكنز الوطني؟ هذا يستدعي لجنة تحقيق، ولكن بات أمراً واقعاً. في عيون جزء كبير من المعسكر الديمقراطي - الليبرالي الكبير والمتعدد الذي يحب هذا المكان، يُعتبر يوم القدس مرادفاً للتطرف ولاحتفال أعضاء كنيست لا يكترثون للتحذيرات الأمنية" باقتحام المسجد الأقصى، بحسب ما جاء في المادة التحليلية.

هتافات دموية وإدانة أميركية

على الجانب آخر، واجهت المسيرة إدانات واسعة من قبل عدة دول، لكن هذه الإدانات على أرض الواقع لم تسهم في حماية المقدسيين داخل أزقة البلدة القديمة وخارجها من الاعتداءات والاعتقالات.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية: "نحث الأطراف على ضبط النفس وتجنب الأعمال الاستفزازية والخطابات التي تغذي التوتر. هذا يشمل التصريحات والأفعال العنصرية، وكذلك العنف". ودانت "بشكل قاطع" اللغة العنصرية أيا كان شكلها، معتبرة أن هتافات الكراهية مثل "الموت للعرب" شائنة ومرفوضة.

في المقابل، لم يستنكر نتنياهو في خطابه، خلال أمسية أقيمت احتفالا بـ"يوم القدس" الليلة الماضية، الهتافات العنصرية والفاشية، ومنها "فلتحرق بلداتكم"، ولا استفزاز الفلسطينيين والاعتداءات عليهم، ولكنه قال إنه "على الرغم من التهديدات، بل بسبب التهديدات، أصدرتُ تعليماتي لتنظيم المسيرة حسب مسارها الأصلي. آلاف الأعلام الإسرائيلية التي رُفعت خلالها هي ردنا على جميع المنظمات الإرهابية: لن تخيفونا بتهديداتكم"، وفق زعمه.

المساهمون