ما الهدف من مطالبة أمازيغ المغرب بتعديل الدستور؟

27 يوليو 2024
احتفال للأمازيغ في الرباط، 14 يناير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تفعيل الهوية الأمازيغية والدعوة لتعديل الدستور**: تسعى فعاليات أمازيغية في المغرب لتعزيز الهوية الأمازيغية وتفعيل طابعها الرسمي من خلال تعديل دستور 2011، حيث أطلقت أكثر من 200 جمعية ميثاق "دينامية الفعل الأمازيغي بالمغرب".

- **التحديات والانتقادات**: يواجه مطلب تعديل الدستور انتقادات من بعض الباحثين والسياسيين الذين يرون أن الوضع الحالي غير منسجم، وأن اللغة العربية تعاني أيضاً من التهميش لصالح الفرنسية.

- **الميثاق ودوره في تعزيز الحوار**: يهدف الميثاق إلى تعزيز الحوار العمومي حول مستقبل الأمازيغية، ويجمع الجمعيات الأمازيغية حول مطالب جديدة، مما يعزز التفاؤل بمستقبل الأمازيغية في ظل الإرادة السياسية القوية.

تسعى فعاليات من أمازيغ المغرب إلى تمكين الهوية الأمازيغية وتفعيل طابعها الرسمي، من خلال رفع مطلب تعديل دستور المملكة الحالي، وذلك بعد أكثر من عقد من إقرار أول وثيقة دستورية في تاريخ البلاد تعترف بالأمازيغية لغة رسمية. وفي وقت تعيش فيه الحركة الأمازيغية منذ وضع الدستور الجديد عام 2011 حالة من الجمود، ووضعاً يتسم بالأزمة والتشتت، تدخل الحركة اليوم منعطفاً جديداً بعد إطلاق عدد من الفعاليات، الأسبوع الماضي، ميثاقاً جديداً يُعد بمثابة خطة عمل مستقبلية تؤطر مسار تحركها في المرحلة المقبلة.

وفي خطوة قد يعتبرها البعض عودة إلى نقطة البداية، وهي اعتراف الدستور المغربي بالأمازيغية، رفعت أكثر من 200 جمعية و80 فعالية وقّعت على ميثاق "دينامية الفعل الأمازيغي بالمغرب"، مطلب "وضع دستور جديد ضامن للمساواة في الحقوق والحريات، ومكرس لها بين اللغتين الرسميتين للدولة"، و"مراجعة القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ليستجيب لتطلعات ومطالب الحركة الأمازيغية وفق منهجية تشاركية، ويضمن تحقيق الغاية الدستورية من خلال إقراره بالارتقاء بلغة أمازيغ المغرب لتلعب أدوارها ووظائفها لغةً رسمية للبلاد".

إسماعيل حمودي: مطلب فعاليات أمازيغ المغرب غير واقعي لأن العربية أيضاً مهمشة

كذلك دعا الميثاق إلى إدراج "هذه اللغة الرسمية في مختلف مناحي الحياة العامة بنظرة شمولية"، إلى جانب "إعداد ميثاق وطني للغات والثقافة المغربية يمأسس لمبادئ وقيم التعدد والتنوع اللغوي والثقافي في مختلف السياسات العمومية والترابية، ويحد من مظاهر التمييز والتراتبية بين اللغات الوطنية".

ولئن ظل مطلب الاعتراف الرسمي بالأمازيغية مطلباً استراتيجياً ومحورياً يؤطر نضالات عمل أمازيغ المغرب لسنوات، فإن دعوة فعاليات أمازيغية حالياً إلى "وضع دستور جديد ضامن للمساواة في الحقوق والحريات، ومكرس لها بين اللغتين الرسميتين للدولة"، تفتح الأبواب على مصراعيها لتطرح أسئلة حول مدى واقعية المطلب وحاجة البلاد إلى دستور جديد.

الاعتراف بلغة أمازيغ المغرب

واعترفت الدولة بلغة أمازيغ المغرب في الخطاب الملكي عام 2001، قبل أن يصار إلى الاعتراف الدستوري بها لغة رسمية في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة عام 2019. وينظر إلى دستور 2011 على أنه أحدث قطيعة نهائية مع كل الدساتير السابقة حول هوية المغرب. إذ نص في ديباجته على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية الموحدة، وانصهار مكوناتها العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كذلك نص الفصل الخامس منه على "أن تعد الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة من دون استثناء، على أن يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها بصفتها لغة رسمية".

وضع دستوري غير منسجم

ورأى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من التنصيص لأول مرة على لغة أمازيغ المغرب لغة رسمية، إلا أن الدستور الحالي كرس وضعاً دستورياً غير منسجم". وأوضح أنه "في الوقت الذي نص في الفصل الرابع صراحة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، كان من المفروض أن ينص على اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة في نفس الفصل، إلا أن واضعيه ارتأوا أن يخصصوا فصلاً آخر هو الفصل الخامس لكي يركزوا على أن اللغة العربية تظل هي اللغة الرسمية للدولة ثم الإشارة بعد ذلك إلى أن اللغة الأمازيغية هي بدورها لغة رسمية للدولة، ما رأى فيه نشطاء من أمازيغ المغرب نوعاً من التمييز بين اللغتين". وأضاف: "من هنا المطالبة بتعديل دستوري يصحح هذا الوضع. وهذا بطبيعة الحال يمكن أن يُحسم إذا توفرت الإرادة السياسية والظروف الملائمة في تنظيم استفتاء حول تعديل هذا الفصل، على غرار ما عرفه المغرب من استفتاءات سابقة حول تعديل بعض الدساتير السابقة".

مصطفى عنترة: الميثاق يأتي في مرحلة اتسمت بخفوت قوة الحركة الأمازيغية

في المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إسماعيل حمودي، أن مطلب فعاليات أمازيغ المغرب "غير واقعي، لأن العربية أيضاً مهمشة في سوق اللغات المغربي. وقد أثبت التقرير الأخير لمجلس النواب أن العربية والأمازيغية، كلتيهما تعاني من التهميش لصالح اللغة الفرنسية"، مؤكداً أنه كان على معدي الميثاق المطالبة بالمساواة لفائدة اللغتين مع اللغة المهيمنة أي الفرنسية.

العربية والأمازيغية في وضعية دفاع

وتابع حمودي، في حديث مع "العربي الجديد": "في الواقع، كل من العربية والأمازيغية في وضعية دفاع ومقاومة للهيمنة الفرنسية، خصوصاً أن هذه الأخيرة تظل لغة مرتبطة بمعاني الهيمنة والاستعمار والتبعية. وكان حرياً بمن أعد الميثاق أن ينطلق من هذه الحقيقة الموضوعية بدل افتعال التنافس أو الصراع بين العربية والأمازيغية لغايات أيديولوجية صرفة".

واعتبر أن الميثاق محاولة من قبل الهيئات التي أعدته للتموقع السياسي والمدني، بعد مرور ما يزيد على عقد من دستور 2011، ولإعادة صياغة خط سياسي نضالي للحركة الأمازيغية، التي فوجئت بمستجدات دستور 2011، لأنه تضمّن مكاسب تجاوزت مطالبها. ورأى أن الميثاق بهذا المعنى يعيد تحديد الأفق الاستراتيجي للحركة الأمازيغية، وفي ذلك تكمن راهنيته، كما أنه محاولة أيضاً لتجميع ما تبقّى من جمعيات أمازيغ المغرب حول مطالب جديدة، بعدما فضّلت الهيئات الأساسية في الحركة الأمازيغية التحالف مع أحزاب الأغلبية الحكومية.

في المقابل، قال الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري والكاتب المهتم بالثقافة الأمازيغية، مصطفى عنترة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ميثاق ديناميات الفعل الأمازيغي بالمغرب" يأتي في مرحلة اتسمت بخفوت قوة الحركة الأمازيغية التي لم تستطع أن تراجع آليات عملها، وتجدد خطابها، وتعيد ترتيب رؤيتها في التعاطي مع المستجدات المتسارعة التي عرفتها الساحة المغربية، في مسعى لأن تستعيد قوتها وموقعها بما هي حركة مدنية ديمقراطية تناضل من أجل إحلال الأمازيغية مكانتها في مؤسسات الدولة والمجتمع. وأضاف: كما أنه يأتي في ظل تزايد الانتقادات ضد الحكومة بسبب بطء تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف المجالات المحددة لها من قبل القانون التنظيمي ذي الصلة. وأشار إلى أن الميثاق سيساهم كذلك في تعزيز الحوار العمومي حول وضع ومستقبل الأمازيغية خصوصاً أن الحزب الأول في الحكومة (التجمع الوطني للأحرار) كان قد وعد بعهد جديد للأمازيغية من خلال وضعها ضمن أولوية برنامجه السياسي.

ورأى أن مطلب وضع دستور جديد فيه نوع من المبالغة، ذلك "أننا ما زلنا لم نستكمل بعد البناء المؤسساتي الدستوري، إذ توجد على سبيل المثال لا الحصر بعض الهيئات وكذلك المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لم تفعّل بعد رغم مرور 13 سنة على المصادقة على الوثيقة الدستورية الجديدة". وتابع: "بالرغم من ذلك، يجب علينا أن نبقى متفائلين حول مستقبل الأمازيغية، لأن ما تحقق لفائدتها خلال حكم الملك محمد السادس من مكتسبات هامة ونوعية يعد إنجازاً تاريخياً، فهناك إرادة سياسية قوية لأعلى سلطة في البلاد تؤمن بأن الاختيار الديمقراطي لا رجعة فيه، وكذلك دستور متقدم في مضامينه رغم بعض الملاحظات".