ما السقف وما الممكن؟

08 ديسمبر 2021
عباس وتبون في العاصمة الجزائرية الإثنين الماضي (الأناضول)
+ الخط -

أياً كانت الحسابات السياسية والدوافع التي أشارت لصانع القرار الجزائري بالتفكير في عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في الجزائر، قبيل القمة العربية المقررة في شهر مارس/آذار المقبل، فإن الخطوة، وهي في حد ذاتها رسالة سياسية إلى أكثر من جهة، لها أبعاد وتبعات تتجاوز الجغرافيا الفلسطينية في حد ذاتها.

مثل هذه الخطوة تفرض على الجزائر السير على حد السكين، والسكين في حد ذاتها تكثر الأيادي التي تمسك بها. من المهم أن ينتبه صانع القرار في الجزائر إلى أنه يدخل مربعاً لا تقبل فيه بعض العواصم العربية التي هيمنت على ملف القضية الفلسطينية وقرار الفصائل، وعلى مخارج إدارة الصراع العربي الإسرائيلي ومداخلها؛ منافسة أو تقاسماً للأدوار، لأن بعضاً من هذه العواصم تمثل لها القضية رأس مال سياسيا يزيد في أهميتها الإقليمية، أو يوفر لها أدواراً تأخذ عنها مقابلاً.

من المهم أيضاً أن ينتبه صانع القرار في الجزائر، إلى أنه إذا كانت الجزائر التي لم تتغير كثيراً في خطها الثوري ونسق بناء المواقف لديها، فإن متغيّرات كبيرة حدثت في خريطة الصراع العربي الإسرائيلي. فدولة الاحتلال لم تعد عدواً بالنسبة لعدد غير قليل من الدول العربية، (لصنّاع القرار فيها على الأقل)، بل صارت في الجوار الجزائري، والإجماع العربي لم يتحوّل فقط من إجماع على البندقية والتحرير إلى إجماع على مبادرة السلام، بل انتقل إلى شبه إجماع على تطبيع وجد له أنساقاً وسياقات.

بين الممكن وعلو السقف، لا شيء يمنع الجزائر من أن تحاول وضع السلم للمّ الصف الفلسطيني. القضية تستحق جهداً. قد لا يغيّر ذلك الوضع كثيراً في الداخل الفلسطيني بسبب تعقيداته، وتعدد الخيارات وتصادمها حتى بين الفلسطينيين أنفسهم، لكنه قد يسهم في إعادة بعض التوازن بين خيار المقاومة المنتظمة والمراهنة العدمية على الشرعية الدولية. ثم إن الأمر يُقرأ في النهاية على أنه إعادة تمركز جزائري في الملف وفي توقيت حرج، بمعنى أنه عندما انتقل العدو الإسرائيلي ليلعب بقرب مربع الحدود الجزائرية، كان لزاماً على الجزائر أن تنتقل للعب في مربعات قريبة منه.

يدرك الفلسطينيون أن الجزائر هي أكثر الدول التي لم تحاول ولم تكن لها مصلحة في السيطرة على القرار الفلسطيني بأي شكل كان. الثبات التاريخي للجزائر يضع حدوداً أخلاقية لكل ما يخص فلسطين. لذلك، تتشبع الجزائر بالمكاسب الأخلاقية من دون الحاجة إلى أي مكاسب أو حسابات أخرى، حتى وإن وجد في الجزائر، في خضم زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من يتحفظ على الزيارة لسبب عباس نفسه، أو يسأل لماذا استقبلت الجزائر عباس على الرغم من أنه قائد التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولم يأت رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، على الرغم من أنه قائد المقاومة، وقد كان قبل مدة قصيرة في الجوار (المغرب).

المساهمون