ما الذي يحدث في ميسان العراقية: القصة كاملة

10 فبراير 2022
عناصر من الحشد الشعبي في ميسان (Getty)
+ الخط -

تشهد محافظة ميسان (390 كيلومترا جنوبي العراق)، ومنذ نحو أسبوعين، عمليات اغتيال متتابعة طاولت عددا من الشخصيات المحلية والأمنية والقضائية المحسوبة على أطراف سياسية متنافسة داخل المحافظة الحدودية مع إيران، وتحديدا من التيار الصدري، صاحب الثقل الجماهيري الأكبر من جهة، وجماعة "عصائب أهل الحق"، المسلحة والمدعومة من إيران من جهة أخرى، والتي يتزعمها قيس الخزعلي.

وتسببت موجة الاغتيالات، التي طاولت عناصر أمن وقضاة وأعضاء في الجماعتين خلال الأسبوعين الماضيين، برفع وتيرة التوتر الأمني بالمحافظة وإرسال قوات أمنية إضافية إليها.

وبدأت سلسلة الاغتيالات بقيام مسلحين مجهولين بقتل الضابط في وزارة الداخلية حسام العلياوي، شقيق وسام العلياوي القيادي في "عصائب أهل الحق"، الذي قتل في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 خلال التظاهرات التي شهدتها مدينة ميسان.

عقب ذلك، فتح مسلحون مجهولون النار، السبت الماضي، على القاضي أحمد الساعدي، المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف ميسان، وخصص مجلس القضاء الأعلى مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الفاعلين، والأربعاء الماضي، اغتال مسلحون مجهولون أحد عناصر التيار الصدري البارزين ويدعى كرار أبو رغيف، بإطلاق النار عليه في مركبته في حي المعلمين، وتعرضت زوجته لإصابة خلال عملية الاغتيال.

ودفعت هذه العمليات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى زيارة محافظة ميسان برفقة وفد أمني رفيع المستوى ضمَّ وزيري الدفاع جمعة عناد والداخلية عثمان الغانمي، ودعا إلى "التحرّك السريع وتحمّل المسؤوليّة بشأن الأمن في المحافظة"، محذراً من أن "الفوضى لا ترحم أحداً، والجميع سيدفع الثمن، فعلينا أن نعمل معاً، ونتعاون لنصل إلى النتائج المرجوّة".

وأمر بتشكيل قيادة عمليات أمنية خاصة بالمحافظة، وبسلسلة تغييرات في صفوف قادة الأمن أيضا.

ولم يقتصر التوتر الأمني في محافظة ميسان على مدينة واحدة، بل امتد إلى عدة مدن، منها الكحلاء والعزير إضافة إلى العمارة، وهي مركز المحافظة.

وتتخوف الحكومة العراقية في بغداد والقوى السياسية من أن يمتد التوتر ليصل إلى العشائر في المحافظة التي تمتلك السلاح بوفرة، وسبق أن دخلت بعضها في مواجهات ثأر ومشاكل قديمة في وقت سابق من العام الماضي، وجرى التوصل إلى تهدئة ومصالحات برعاية بعض رجال الدين هناك.

واليوم، الخميس، أرسل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وفدا إلى المحافظة للتهدئة، وذكر في بيان له، أن الهدف من إرسال الوفد هو وأد الفتنة التي أججتها السياسة بين التيار الصدري والعصائب، مخاطبا سكان المحافظة بالقول "لا تشمتوا بنا الأعداء"، كما دعا جماعة "عصائب أهل الحق" إلى "التعاون مع الوفد".

في المقابل، حذّر زعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي، عبر تغريدة، أهالي مدينة ميسان مما وصفه بـ"مشروع فتنة يراد إيقاعه بين أبناء الوطن الواحد والمذهب الواحد والمحافظة الواحدة".

من جانبه، دعا رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري إلى "ضبط النفس"، عقب الاغتيالات الأخيرة في ميسان، كما حذّر العامري من أن "الاقتتال المحلي الذي أنفق لأجله الأعداء المليارات ولم ينجحوا"، وفقا لقوله، "ربما يقدم إليهم بهذه الطريقة مجاناً، فنحذر إخواننا من الانجرار وراء الفتن والانصياع لمشاعر الغضب، فالشجاع من احتمل المظلومية وصبر لحقن دم حرام أو لردع عدو متربص".

كما دعا مستشار زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني مسعود حيدر "أصحاب القرار والسلاح في الوسط والجنوب" إلى أخذ العبر والدروس من الاقتتال الداخلي في كردستان العراق خلال فترة التسعينيات. وقال حيدر، في تصريحات قدمها الخميس: "نرجو منكم أخذ العبر والدروس من الاقتتال والدمار في المناطق الغربية والمناطق ذات الأغلبية السنية، وأن ‏الشرارة التي تتحول إلى لهيب ستحرق الجميع بلا استثناء".

مصادر محلية في مدينة العمارة أكدت، لـ"العربي الجديد"، وجود مساع للتهدئة خلال الساعات المقبلة، مع بدء قوات الأمن بتطبيق حظر التجول الليلي في بعض المناطق المتوترة في المحافظة.

وأكد أحد المصادر، في اتصال هاتفي، أن "الأمر بدأ سياسيا والخوف هو أن ينتقل إلى ثأر عشائري لا يتوقف، وخاصة أن الضحايا الذين تم اغتيالهم غدرا هم من عشائر نافذة"، متهما الأمن العراقي "بعدم فرض القانون ولا فرض سيطرته، ما سمح لبعض الشباب المندفع بالتصرف بشكل سيئ في الأيام الماضية".

في هذه الاثناء، أعلن آمر لواء القوات الخاصة في ميسان، اللواء غالب محمد، اليوم الخميس، عن انطلاق عمليات فرض الأمن والقانون في ميسان، فيما أشار إلى القبض على أكثر من 90 مطلوباً بالمحافظة.

وقال محمد، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع): إنه "بإشراف رئاسة قيادة أركان الجيش، باشرت قيادة قوات الفرقة الخاصة بالتوجه إلى محافظة ميسان، وتحديداً إلى مدينة العمارة، لدعم وإسناد القطعات الأمنية الموجودة، وإلقاء القبض على المجرمين والخارجين عن القانون وفرض الأمن والاستقرار"، موجهاً رسالة إلى أبناء ميسان بأن "القطعات الأمنية على أهبة الاستعداد وساهرة للحفاظ على الأمن".

وأضاف أنه "تم إلقاء القبض على أكثر من 90 مطلوباً في ميسان"، مؤكداً أن "القوات الأمنية ما زالت تسعى للقبض على المجرمين من خلال ثلاثة أطواق، وهي السيطرات الخارجية والسيطرات الداخلية وعمليات الدهم والتفتيش".

في السياق، قال الناشط المدني نزار المحمداوي إن "حالة من الغليان تشهدها محافظة ميسان بسبب صراع حزبي وسياسي وانفلات السلاح بين الفصائل، وخلال الأسبوعين الماضيين شهدنا عدة عمليات اغتيال بدوافع سياسية، و5 عمليات اغتيال فاشلة"، معتبراً، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية متهمة بالتواطؤ مع هذه الجهات المسلحة التي تقتل المواطنين، وأنها لا تلجأ إلى أي طريقة لردع العصابات السياسية والمسلحين".

من جانبه، علق عضو البرلمان العراقي عن محافظة ميسان باسم الخشان على الأوضاع في المحافظة بالقول إن "الأحزاب باتت تضرب بعضها بعضا، وهذه النهاية الحتمية لقوى السلاح، سواء التي فازت بالانتخابات الأخيرة أو تلك التي خسرت ولا تريد الاعتراف بخسارتها، لكن الخاسر هو المواطن الميساني الذي تحولت مدينته إلى ساحة للتصفيات السياسية"

وبيّن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة مقصرة تجاه ضبط الأمن في ميسان، وتعاني من ضعف واضح تجاه إيقاف نزيف الدم وقتل الأبرياء، لأنها لا تريد أن تخسر الدعم السياسي لها في المستقبل".

المساهمون