ماذا يحدث في حكومة المحافظين البريطانية؟

20 أكتوبر 2022
تراس ما تزال في منصبها حتى اللحظة (جيسيكا تايلور/أسوشييتد برس)
+ الخط -

كانت الليلة البارحة ساخنة في صفوف حزب "المحافظين" البريطاني على خلفية جلسة تصويت على مشروع قانون طرحته المعارضة بعد يوم كان أيضاً حافلاً بدوره ومشحوناً بالتوترات والتخمينات والانتظار. الكلّ ينتظر، إما تنحّي رئيسة الحكومة ليز تراس أو تغيير قواعد الحزب وإجراء تصويت لحجب الثقة أو تحوّلا جذريا في سياسات تراس، ما يقلب المعادلة وينقذها وينقذ سمعة الحزب ومستقبله السياسي.

وكان مساء البارحة موعد التصويت على مشروع قانون جديد طرحه "حزب العمال" المعارض يحظر بشكل نهائي التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط في الوقت الذي تبنّت فيه تراس خططاً لرفع الحظر عنه. وحتى اللحظات الأخيرة، كان الارتباك حاضراً، إذ سرّبت معلومات عن أن التصويت على القانون سيعتبر تصويتاً على حجب الثقة عن تراس، لما سيحمل في طيّاته من معان حول التمرّد على سياساتها و"الانقلاب" عليها. ودفع ذلك الكثير من النوّاب المحافظين إلى الامتناع عن التصويت خوفاً من فقدان عضويتهم في الحزب.

ورغم أن التصويت على قانون عن التكسير الهيدروليكي من المفترض ألا يكون على صلة بمكانة رئيسة الحكومة حتى وإن كانت خطط الأخيرة معارضة لذلك القانون، فإن تراس تجد نفسها في ورطة على أكثر من صعيد. إذ من المحتمل أن يصوّت معظم أعضاء الحزب ضدّ الحكومة، وبالتالي سيتّضح حجم المعارضة التي تلقاها بشكل علني. أما إذا اعتبرت أن التصويت على القانون مرتبط بالتصويت على الثقة، فإنها تخشى الأمر ذاته، خاصة وأن الكثير من الأعضاء أعلنوا علانية أنهم مستعدّون للمغامرة بعضويتهم وتحمّل العواقب.

وقد عمّت الفوضى مجلس العموم ليلة أمس في مشهد لا تزال أصداؤه مشتعلة بين أعضاء الحزب ومعارضيهم عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وأعلن اليوم الخميس رئيس مجلس النواب، ليندساي هويل، عزمه على التحقيق في المزاعم التي وردت إليه بشأن ما وقع الليلة الماضية من أحداث وصفها بعض النواب بـ"الخشنة" حيناً و"البلطجية" حيناً آخر.

وقال هويل في تصريح للنواب: "أذكّر الأعضاء أن مدونة السلوك تنطبق عليهم وكذلك على أعضاء مجتمعنا البرلماني". وجاءت دعوته المسؤولين المختصّين إلى إجراء تحقيق على خلفية الارتباك الذي عاشته أروقة البرلمان البارحة ليلاً مع التقاط صور توثّق ذلك الارتباك وتلك الفوضى.

واعتبرت وزيرة النقل آن ماري تريفيليان، في حديث لـ"سكاي نيوز"، أن من غير المقبول أن يتعرّض الأعضاء للتنمّر أثناء التصويت، مضيفة أن رئيس مجلس النواب "سيحقق فيما حدث وسيتّخذ القرار النهائي في التجاوزات التي وقعت".

وكان المسؤولون عن الانضباط الحزبي، أو ما يعرف بـ "السيّاط" في حزب المحافظين، قد أبلغوا جميع نواب الحزب بضرورة التصويت ضد الاقتراح الذي قدّمه حزب العمال المعارض أو مواجهة مصير تعليق عضويتهم، إلا أنهم تراجعوا لاحقاً أثناء التصويت وأفادوا بأن التصويت على حظر التكسير الهيدروليكي لا يعدّ "تصويتاً على الثقة". من جهته، أرسل "داونينغ ستريت" فجر اليوم رسالة إلى الصحافيين تفيد بأن وزيراً أبلغهم "بالخطأ" أن التصويت ليس تصويتاً على الثقة، بينما هو في الحقيقة تصويت جدّي وعلى النوّاب الذين امتنعوا عن التصويت مع الحكومة أن "يتوقّعوا إجراءات تأديبية مناسبة".

وانتشر مساء أمس خبر عاجل يفيد باستقالة أقرب الحلفاء إلى تراس ورئيسة الانضباط "السوط" ويندي مورتن، احتجاجاً على "الخشونة" في التعامل وعلى "المهزلة" التي أصبح عليها الاقتراع، بحسب تعبير صحيفة "ذا غارديان". ثم تمّ تعديل الخبر "العاجل" إلى إقالة وليس استقالة. إلا أن "داونينغ ستريت" أصدر بياناً بعد ساعات يقول فيه: "رئيسة السوط ونائبها مازالا في المنصب".

يُذكر أن تراس تواجه اليوم مأزقاً حقيقياً من يسار الحزب ومن يمينه أيضاً. وكانت رسالة استقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، مساء أمس، شديدة القسوة وحمّالة رموز وإشارات "مهينة" بالنسبة لرئيسة حكومة اضطرت للاعتذار بعد أقل من شهرين من تولّيها المنصب. وجدّدت تراس أمس الأربعاء اعتذارها عن الأخطاء التي ارتكبتها واعترفت من جديد بأنها ربما ذهبت بعيداً في استراتيجيتها وبخطوات أسرع من اللازم، كما استجابت للانتقادات التي طاولتها هي والمستشار الجديد جيريمي هانت بشأن المعاشات التقاعدية.

واعتذارها لا يشبه اعتذار سلفها بوريس جونسون الذي خرق القانون عبر إقامته حفلات في مقرّ إقامته معرّضاً حياته وحياة موظّفيه وأصدقائه للخطر، بينما الأخطاء التي تعتذر عنها تراس تخصّ الحياة اليومية لملايين البريطانيين، بما في تلك الحياة من مواد غذائية وكهرباء وطبابة وأدوية.

تراس لا تزال في منصبها حتى اللحظة، وقد تنجو لأيام أو أسابيع ليس بفضل سياساتها، بل بسبب عدم امتلاك الحزب للبديل الفوري، إضافة إلى حالة الخوف التي يعيشها من الفوضى التي سبّبها السباق الماضي والذي استمرّ شهرين وسط أزمة اقتصادية حادة تبدو اليوم أكثر حدة وقوة.

وكان العضو المحافظ البارز سايمون هور قد صرّح لـ"بي بي سي"، صباح اليوم، بأن تراس لا تملك سوى 12 ساعة لتقلب المعادلة موّجهاً النداء لـ"داونينغ ستريت" ولمكتب السيّاط المسؤول عن الانضباط الحزبي، لإزالة "الأمور الخلافية". وقال هور إن الحكومة تعيش أياماً عصيبة وإنه لم يسبق له أن شهد هذا التشاؤم المتصاعد لدى جميع الأجنحة في حزب المحافظين.