أكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة المصرية "لم تقرر حتى الآن الإقدام على أي خطوات قانونية على الصعيد الدولي، من أجل دعم تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، بالاختصاص المبدئي بالنظر في ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والمطالبة بتطبيق عدد من التدابير المؤقتة الفورية التي تستهدف توفير الحماية للفلسطينيين، أهمها توقف إسرائيل عن ارتكاب جرائم قتل الفلسطينيين وإلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي بهم، أو إخضاعهم لظروف معيشية تستهدف التدمير المادي لهم، بالإضافة إلى مطالبة المحكمة إسرائيل بضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري".
وقالت المصادر إن "التقديرات الرسمية المصرية، لم تجد فائدة في تصعيد الأمر مع إسرائيل إلى أبعد من ذلك، وتمّ الاكتفاء بالبيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية، أول من أمس الجمعة، والذي طالب إسرائيل بالتنفيذ الفوري لكافة التدابير التي وردت في قرار محكمة العدل الدولية، وكرّرت فيه القاهرة دعوتها مجلس الأمن والأطراف الدولية المؤثرة، بتحمل المسؤولية نحو المطالبة الصريحة بالوقف الشامل والدائم لإطلاق النار".
سعيد صادق: مصر تستطيع أن تثبت فقط أن من يغلق المعبر هي إسرائيل
وأعاد قرار محكمة العدل الدولية، أول من أمس الجمعة، الحديث مرة أخرى عمّا يمكن أن تقدمه مصر من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف الحرب.
خيارات مصر لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية
في سياق ذلك، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مصر لن تستطيع تحمّل تبعات الذهاب إلى أبعد من بيان الخارجية المصرية، الذي يحث إسرائيل على قبول قرارات محكمة العدل الدولية بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وخطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قال فيه إننا لا نستطيع إدخال المساعدات لأن إسرائيل تمنع ذلك من الجهة المقابلة". وأضاف: "لا أتصور أن تتدخل مصر في القضية المنظورة أمام محكمة العدل بعد ذلك، فهذا كثير عليها ولا تستطيع تحمل نتائجه".
وتعليقاً على ما يمكن أن تفعله مصر بعد قرار محكمة العدل، أكد الأشعل أن مصر "من المفترض أن تقوم بعدة تحركات دبلوماسية وسياسية على الصعيد الدولي، بمعنى أن تذهب إلى مجلس الأمن الدولي، وتدعو إلى عقد جلسة خاصة، وتحصل منه على توصية وليس قراراً، بتنفيذ قرارات المحكمة، ثم تذهب بعد ذلك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تستطيع أن تفرض عقوبات على إسرائيل، أو أن تشكل قوة أممية لمصاحبة قوافل الإغاثة والمساعدات التي يجب أن تدخل إلى القطاع".
وأوضح الأشعل أنه "على الرغم من عدم وجود أثر عملي لقرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، إلا أن هناك أثراً أدبياً وأخلاقياً، وأثراً قانونياً متراكماً بالنسبة لإسرائيل التي فُضحت أمام العالم، بعدما دانتها المحكمة".
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مسؤولية إلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات العاجلة لمحكمة العدل الدولية، تقع على عاتق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، باعتباره الهيئة التنفيذية للمنظمة الدولية، ولذا فإن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، سيحيل قرارات المحكمة إلى مجلس الأمن لإصدار قرار تنفيذي موجه لإسرائيل لتنفيذ تلك القرارات".
رخا أحمد حسن: مصر ليست سلطة تنفيذ للقرار، وإنما مستعدة للمشاركة في تنفيذه مع الأمم المتحدة
وأضاف: "هنا يبرز أمران، أولهما تهرّب إسرائيل من التنفيذ استناداً إلى أن المحكمة لم تقرر وقف القتال وأعطت لإسرائيل شهراً كاملاً لتقديم تقرير عن تنفيذها قرارات المحكمة، أي أعطت المتهم حق تقييم نفسه ومدى التزامه بالقرارات، وثانيهما، احتمال استخدام الولايات المتحدة الفيتو ضد ما قد يبحثه مجلس الأمن من مشروع قرار ملزم لإسرائيل، وكلا الأمرين يخدم إسرائيل إلا إذا غيّرت واشنطن موقفها وأيدت تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية".
وقال حسن إن مصر "ليست سلطة تنفيذ لهذه القرارات، وإنما هي على أتم الاستعداد للمشاركة الفعّالة في تنفيذها مع الأمم المتحدة".
بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، في الجامعة الأميركية بالقاهرة، سعيد صادق، لـ"العربي الجديد": "يجب أن تلتزم إسرائيل بتسهيل دخول المساعدات الدولية من الطرف المصري، وإذا رفضت إسرائيل فتح المعبر من طرفها، فيمكن لمصر أن تبلغ رسمياً بالأدلة، وأن الرفض الإسرائيلي جاء مخالفاً لحكم محكمة العدل الدولية، الذي طالب بتسهيل وصول المساعدات إلى أهالي غزة".
وأضاف: "مصر تستطيع فقط طلب السماح للمزيد من المساعدات إلى غزة، وأن تسجل الموقف الإسرائيلي على أنه رفض من دولة الاحتلال المسيطرة على غزة، وهكذا تثبت مصر أن من يغلق المعبر هي إسرائيل".
فرضيات جامدة
من جهته، قال المحامي والناشط الحقوقي الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قرار محكمة العدل الدولية حمّل إسرائيل مسؤولية إدخال المساعدات، ويجب عليها أن تتخذ كل التدابير لضمان تدفق المساعدات الإنسانية ومنع إهلاك السكان المدنيين، وجريمة الإبادة الجماعية".
وتابع: "هذا يلزم دول العالم المختلفة بضرورة القيام بواجباتها الأخلاقية والقانونية، والالتزام بالتدابير المؤقتة، وإدخال المساعدات، وضمان رفع العقوبات الجماعية المفروضة على قطاع غزة، وأيضاً ضمان اتخاذ كل الخطوات مجتمعة ومنفردة بما في ذلك مجلس الأمن وكافة الجهات الدولية، لضمان إدخال المساعدات والمستلزمات الطبية والأدوية والوقود وكل ما يحتاجه السكان المدنيين، خشية تفاقم أوضاعهم الإنسانية أكثر، بالإضافة إلى وقف القتل ووقف التهجير، وهذا دور كل الجهات بما فيها مصر وجامعة الدول العربية وباقي الجهات الدولية".
عمار فايد: مصر تتمسك بالترتيب الحالي بسبب تحذير إسرائيل من قصف الشاحنات والمعبر
من جهته، قال الباحث المصري عمار فايد: "لا أعتقد أن القرار سيؤثر على نهج مصر في التعامل مع معبر رفح، فالقاهرة متمسكة بفرضية جامدة وهي أنه من الضروري التعامل مع قطاع غزة باعتباره منطقة محتلة، وبالتالي هي تتعامل مع القطاع من خلال ترتيبات مع سلطة الاحتلال".
وأضاف: "أن الهدف العام من تلك السياسة ليس عدم الرغبة في الاعتراف بحكم حماس للقطاع، ولكن لعدم تكريس الفصل السياسي بين غزة والضفة لأن هذا مستهدف الاحتلال الأساسي". وتابع: "هذا كان من الممكن تفهمه سياسياً قبل الحرب، لكن الآن الإصرار على إدخال المساعدات عن طريق إرسالها أولاً من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم كي تفتشها سلطة الاحتلال وتوافق على إدخالها، وهو ما يبقي مستوى المساعدات ونوعيتها رهناً لقرار الاحتلال، بالإضافة لذلك فإن هناك عاملاً آخر يجعل مصر تتمسك بهذا الترتيب وتتخوف من قرار إدخال الشاحنات مباشرة من معبر رفح، وهو التحذير الإسرائيلي أول الحرب بقصف الشاحنات والمعبر نفسه والذي نفذته إسرائيل بالفعل".