أثارت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد حول استقلالية الهيئة العليا للانتخابات جدلاً سياسياً وقانونياً، ومخاوف لدى الأحزاب والفاعلين السياسيين، وعززت التساؤلات حول نوايا الرئيس بشأن إمكانية حل مجلسها أو إعادة تنظيمها بمراسيم رئاسية.
وشكك سعيّد، خلال لقائه أول من أمس الخميس رئيس محكمة المحاسبات نجيب القطاري، في استقلالية هيئة الانتخابات، منتقداً بطريقة غير مباشرة تصريحات رئيسها نبيل بفون، الذي كان اعتبر أن قرارات 25 يوليو/تموز غير دستورية. وقال سعيّد: "لا بد أن أؤكد أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أو التي توصف كذلك، عليها أن تكون بالفعل مستقلة".
وكان رئيس الهيئة نبيل بفون قال، في تصريح سابق، إن "هيئة الانتخابات تتابع بصدمة القرارات التي أعلنها رئيس الجمهورية في 25 يوليو"، معتبراً أن "هذه القرارات غير متطابقة مع أحكام الدستور، حيث إن الدستور حدد صلاحيات رئيس الجمهورية في الفصلين 77 و78، من بينها استعمال الفصل 80 عندما يكون هناك خطر داهم مهدد لكيان الوطن، غير أنه في كل الحالات، يفرض الفصل 80 حالة الانعقاد الدائم لمجلس نواب الشعب حتى في الحالات الاستثنائية".
وأضاف بفون في تصريح لإذاعة "شمس" أنه "لا يمكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في ظل فراغ على مستوى السلطة التشريعية، باعتبار أن الدستور حدد ذلك فقط في حالة حل البرلمان، وهذا غير متوفر"، كما أشار بفون إلى أن "هيئة الانتخابات ليست هيئة تقنية، حيث يؤكد الفصل 125 من الدستور أن الهيئات الدستورية تدعم الديمقراطية، التي من أهم مقوماتها احترام التعاقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وهذا العقد هو الدستور التونسي"، مؤكداً أن "المرجع الوحيد لإجراء الانتخابات السابقة لأوانها هو الدستور لا غير".
ودوّن أمين عام الحزب "الجمهوري" عصام الشابي ساخراً على حسابه بـ"فيسبوك": "والآن جاء الدور على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إلى الأمام.. لا رجوع إلى الوراء".
وقال وزير الخارجية الأسبق والقيادي في حركة "النهضة" رفيق عبد السلام، في تعليق على صفحته بـ"فيسبوك"، إن "تونس دخلت مع قيس سعيّد مرحلة التبوريب اللادستوري، وبلغة أشقائنا أهل المشرق دخلت حقبة البلطجة السياسية".
وشدد عبد السلام على أنه "بعد ضرب الهيئة المستقلة لمقاومة الفساد والاستيلاء على أرشيفها ومقرها، ووضع رئيسها تحت الإقامة الجبرية، انتقل قيس سعيّد إلى الخطوة الموالية، وهي حل هيئة مراقبة دستورية القوانين لكي يخيط لنا دستوراً على مقاسه سمّاه بالأحكام الانتقالية".
وأكد خبير القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حل هيئة الانتخابات من قبل رئيس الجمهورية أمر وارد في هذا الوضع الاستثنائي"، مشيراً إلى أن "الأمر الرئاسي 117 جعل الهيئات الدستورية من أنظار رئيس الجمهورية". وتابع الخرايفي: "في الفكر القانوني والدستوري الاستثنائي، فإن الهيئات الدستورية أصبحت من مشمولات رئيس الجمهورية، ويمكنه النظر في إعادة تنظيمها أكثر"، مستدركاً بأنه "يمكنه حذف الهيئات، ولكنه أمر مستبعد، ما يجعل الأرجح هو إعادة تنظيمها بمقتضى الأمر 117".
وفسر الخرايفي "أن هيئة الانتخابات الآن في وضعية شلل، فإعادة هيكلتها وتنظيمها مرتبطة بمجلس نواب الشعب، والبرلمان غير موجود في هذا الوضع"، مشدداً على أن "إعادة التنظيم بصفة وقتية أمر وارد قانونياً".
وأشار المتحدث إلى أنه "إذا كنا مقبلين على انتخابات سابقة لأوانها، أو استفتاء، فبالضرورة ستتم إعادة تنظيم الهيئة وتركيب مجلس الهيئة"، لافتاً إلى أن الحجة في ذلك "تجديد ثلث اعضاء تركيبة الهيئة التي انقضت ولايتهم منذ عام تقريباً، إلى جانب انتخاب رئيس جديد للهيئة خلفاً لنبيل بفون الذي انتهت ولايته".
وذكر الخرايفي أن "عملية تجديد الهيئة وانتخاب رئيسها تمر عبر البرلمان، غير أن البرلمان الآن في حكم المعدوم"، مشيراً إلى أن "رئيس الهيئة بفون سبق وقدم تصريحاً من 25 يوليو، حيث اعتبرها غير دستورية، متجاوزاً صلاحياته، وفقد حياده ومصداقيته"، بحسب رأيه.
وقال الخرايفي "أتصور وأعتقد وأكاد أجزم أن الرئيس يتوجه نحو إعادة تنظيمها". وتابع محدث "العربي الجديد" أنه "إذا أثبتت محكمة المحاسبات وجود فساد مالي وإخلالات، فستكون حجة قوية في يد رئيس الجمهورية، وإذا أحيل ملف الهيئة على القطب القضائي المالي، فإنه يُعدّ بمثابة نهاية الهيئة وحجة لرئيس الجمهورية لإعادة تنظيمها".
بدورها، قالت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأمر الرئاسي 117 يخول لرئيس الجمهورية إعادة تنظيم تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأسس عملها، عبر مرسوم يؤسس لهيئة جديدة".
وأوضحت أن "حل هيئة الانتخابات بمرسوم يفرض إرساء هيئة انتخابية جديدة، إذا ما قرر رئيس الجمهورية الإبقاء على الباب المتعلق بالهيئات الدستورية".
وحول التشكيك في استقلالية الهيئة ونتائج العملية الانتخابية، اعتبرت منى كريم الدريدي أن "هذا النهج يشكك في شرعية ومشروعية كامل المنظومة المنتخبة، فضلاً عن تأثيره على كامل المسار الديمقراطي وصورة تونس"، قائلة "إن ما بني على باطل فهو باطل.. وبالتالي، ذلك يجعل كل النتائج باطلة بشكل لا يتحمل التجزئة".
وتعليقاً على تشكيك الرئيس في الهيئة، تساءل رئيس كتلة حزب "قلب تونس" بالبرلمان أسامة الخليفي قائلاً: "يعني الهيئة التي أنجزت الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019 لم تكن مستقلة، إذاً ماذا نحن بصدد فعله الآن؟". وأضاف الخليفي في تدوينة عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "إذاً فلنعد كل شي، انتخاب البرلمان والرئاسة، لنمحي ونعيد البناء، ما بني على باطل فهو باطل، ولكن كله باطل…".