يكتسب اليوم الأحد، أهمية خاصة في روزنامة الصراع الإيراني ـ الأميركي، لدلالاته المختلفة للطرفين. فمن جهة، ترى إيران أن هذا اليوم يمثل بداية مرحلة جديدة لها، ينتهي فيه الحظر التسليحي عليها، وفق القرار رقم 2231 لمجلس الأمن. غير أن الولايات المتحدة تعتبر أن الحظر التسليحي على إيران مُدّد اعتباراً منذ 20 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد إعلانها تفعيل آلية "فضّ النزاع" في الاتفاق النووي. وجاء الموقف الأميركي بعد فشل جهود واشنطن خلال الأشهر الماضية في إقناع أعضاء مجلس الأمن بتمديد الحظر التسليحي على طهران، ليُقدّم في نهاية المطاف خلال شهر أغسطس/آب الماضي مشروع قرار لهذا الغرض. لكن الولايات المتحدة أخفقت في تمريره بعد معارضة روسيا والصين وامتناع 11 عضواً آخر، بمن فيهم الشركاء الأوروبيون للاتفاق النووي عن التصويت.
أبدت الأمم المتحدة شكوكها في ما إذا كانت آلية "فضّ النزاع" قد فُعّلت أم لا
خلفية الحظر
يعود تاريخ صدور الحظر الأممي لبيع وشراء الأسلحة على إيران، إلى نحو 13 عاماً، عندما زاد التركيز الإعلامي الغربي على الأنشطة النووية الإيرانية منذ عام 2002 من حساسية القوى الغربية تجاه هذه الأنشطة، ليتحول بعدها الملف النووي الإيراني إلى أحد أهم عناوين الصراع بين طهران والعواصم الغربية. بعد ذلك أُجريت جولات تفاوض بين إيران وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها فشلت في حل الخلافات بين طهران وهذه الأطراف، على الرغم من التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة لم تدم كثيراً، إلى أن أحال مجلس محافظي الوكالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن عام 2005. بعدها تم تدويل الملف الذي بات في عهدة مجلس الأمن الدولي، ليبدأ الأخير في إصدار جملة قرارات أممية ضد إيران، للضغط عليها بغية الوصول إلى تسوية للأزمة النووية. ومن ضمن هذه القرارات، كان القرار رقم 1747 الصادر في 24 مارس/ آذار 2007، الذي فرض حظراً تسليحياً أممياً على طهران، بدافع القلق من طبيعة برنامجها النووي.
وشمل الحظر بيع وشراء أي نوع من الأسلحة التقليدية، وأهاب القرار بجميع دول العالم الامتناع عن "توريد أو بيع أو نقل أي دبابات أو مركبات قتالية مدرّعة، أو منظومات مدفعية من العيار الكبير أو طائرات قتالية أو طائرات هليكوبتر هجومية، أو سفن حربية أو قذائف أو منظومات قذائف بحسب سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، إلى إيران بشكل مباشر أو غير مباشر من أراضيها أو على يد رعاياها أو باستخدام السفن التي ترفع أعلامها أو طائراتها". وشمل القرار أيضاً منع "تزويد إيران بأي مساعدة تقنية أو تدريب أو مساعدة مالية أو استثمارات أو خدمات سمسرة أو غيرها من الخدمات، ونقل الموارد أو الخدمات المالية المتصلة بتوريد تلك الأصناف أو بيعها أو نقلها أو صنعها أو استعمالها، منعاً لحدوث تراكم أسلحة مزعزع للاستقرار".
وكان هذا الحظر يمثل أحد القضايا العالقة الأساسية أثناء المفاوضات النووية بين المجموعة الدولية وإيران، التي كانت تطالب بإلحاح بإلغاء أي حظر عليها في أي اتفاق. فتوصل الطرفان إلى حل وسط بشأنه، يقضي بإنهاء الحظر التسليحي بعد خمس سنوات من التوقيع على الاتفاق النووي، أي في تاريخ اليوم 18 أكتوبر الحالي، كما نص عليه القرار 2231 الصادر في 20 يوليو/تموز 2015، بعد نحو أسبوع من التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية.
غموض حول بقاء الحظر
لكن الغموض يسود حول بقاء الحظر من عدمه على ضوء التباين المتباعد في موقف كل من واشنطن وطهران تجاه ذلك. مع العلم أن الأمم المتحدة أبدت شكوكها في ما إذا كانت آلية "فضّ النزاع" قد فُعّلت أم لا، بحسب رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في 20 سبتمبر الماضي إلى مجلس الأمن تعليقاً على الإعلان الأميركي بتفعيل الآلية. وقال الأمين العام في حينه، إنه "يوجد شك على ما يبدو بشأن ما إذا كانت العملية قد بدأت بالفعل، وشكّ في الوقت ذاته بشأن ما إذا كان إنهاء (القرارات السابقة) لا يزال ساري المفعول". إلا أن عدم حسم الأمم المتحدة الموضوع لصالح واشنطن، ورفض غالبية أعضاء مجلس الأمن (13 عضواً من أصل 15) بمن فيهم الشركاء الـ5 للاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، الخطوة الأميركية، واعتبارها "غير شرعية" لانسحاب واشنطن من الاتفاق في 8 مايو/أيار 2018، والتأكيد على أن القرار 2231 ما زال ساري المفعول، يأتي في صالح الموقف الإيراني. ويمكن القول إن موقف طهران مسنود أممياً من الناحية القانونية والسياسية وواشنطن في عزلة. لكن ثمة تساؤلات ملحة تطرح عما إذا كان لهذا "الانتصار القانوني والسياسي"، الذي تتحدث عنه الحكومة الإيرانية، مردود عملي لها على أرض الواقع، لتتمكن من استيراد ما تحتاجه من الأسلحة المتطورة وتصدير سلاحها المحلي إلى دول أخرى.
وترى إيران أن ذلك أمر حتمي بالنسبة لها وسيحصل، لذلك بدا الرئيس الإيراني، حسن روحاني، متفائلاً جداً يوم الأربعاء الماضي، خلال جلسة حكومية، مؤكداً أنه "بدءاً من الأحد يمكننا بيع وشراء الأسلحة". وقال "سنبيع أسلحتنا لأي جهة نريدها ونستوردها من أي دولة نريدها". وبارك روحاني للشعب الإيراني بمناسبة حلول موعد انتهاء الحظر التسليحي، قائلاً إن "هذا الحظر الظالم الذي استمر لعشر سنوات، سيُرفع اعتباراً من يوم الأحد المقبل، بعد مقاومة الشعب والجهود الدبلوماسية، وعلى الرغم من محاولات أميركا على مدى السنوات الأربع الأخيرة".
روحاني: سنبيع أسلحتنا لأي جهة نريدها ونستوردها من أي دولة نريدها
لكن على الرغم من التفاؤل الكبير الذي يبديه الجانب الإيراني، إلا أنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان بإمكانه القيام بتجارة الأسلحة بيعاً أو شراءً، لتحديات عدة. وفي مقدمة تلك التحديات، تحدٍ أميركي متمثل في تهديد واشنطن دول العالم، إذا تعاملت مع إيران على أساس انتهاء الحظر التسليحي عليها. فقد أكدت الولايات المتحدة أنها ستفرض عقوبات مشددة على أي دولة وطرف أجنبي، يتعامل مع صفقات تصدير أو توريد للأسلحة، في خطوة من شأنها أن تدفع دول العالم إلى التخلي عن فكرة الدخول في هذه الصفقات مع إيران.
وتشير تجربة العقوبات، التي أعادت الإدارة الأميركية فرضها منذ انسحابها من الاتفاق النووي على مراحل عدة خلال العامين الأخيرين في انتهاك واضح للقرار 2231، إلى فاعلية التهديدات الأميركية. وأجبرت مفاعيلها دول العالم عملياً على الامتثال للعقوبات المفروضة على إيران، على الرغم من رفض معظمها هذه العقوبات نظرياً. مع العلم أن الصين وروسيا، حليفي إيران والشريكين في الاتفاق النووي، التزمتا بهذه العقوبات إلى حدّ كبير. واليوم وصلت العقوبات الأميركية الاقتصادية إلى درجة عالية من القسوة والتشدد، دافعة طهران للشكوى من عدم تمكنها حتى من استيراد الأدوية والمواد الغذائية، فضلاً عن توريد سلع أخرى، خصوصاً ذات الطابع العسكري.
من التحديات أيضاً أمام إيران لشراء الأسلحة من الخارج، الأزمة الاقتصادية التي تعيشها في الوقت الراهن، على خلفية العقوبات الأميركية المشددة. الأمر الذي أدى إلى تقليص مواردها ومصادرها المالية إلى حدّ كبير، ودفع إلى انكماش الموازنة الإيرانية خلال العامين الأخيرين، بنسبة 7.2 في المائة، فضلاً عن عجزها الكبير المقدر بنحو 200 ألف مليار تومان (ما يعادل 48 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي 4200 تومان للدولار الأميركي).
وعليه، خفّضت إيران خلال عامي 2019 و2020 موازنات المؤسسات العسكرية بنسب متفاوتة تصل إلى 20 في المائة، وذلك بعدما أعادت العقوبات الأميركية جدولة الأولويات الإيرانية في الإنفاق المالي.
ومع عودة العقوبات الأميركية عام 2018، انخفض الإنفاق العسكري الإيراني في هذا العام بنسبة 9.5 في المائة، متراجعاً إلى 13.2 مليار دولار، بما يعادل 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. فاحتلت إيران المركز 18 على قائمة أكثر الدول في الإنفاق العسكري في العالم. مع العلم أن الإنفاق في القطاع الأمني العسكري يبلغ عادة 3.44 في المائة من حجم الناتج الإجمالي المحلي لإيران، البالغ 430 مليار دولار لعام 2018.
وعلاوة على شحّ الموارد المالية وسيولة النقد الأجنبي لإنجاز صفقات شراء أسلحة من الخارج، تواجه طهران تحدّياً مالياً آخر، هو عدم قدرتها على إجراء أي معاملة مالية بسبب الحظر الأميركي على تعاملاتها المالية المصرفية مع الخارج. وقد تمّ تجميد أصول لها في المصارف الخارجية تُقدّر بنحو 150 مليار دولار بسبب العقوبات الأميركية، وطهران غير قادرة حالياً على سحبها. ولتجاوز التحدي المالي، يتحدث مراقبون عن إمكانية قيام طهران بمقايضة النفط المحظور مقابل الأسلحة، في حال تمكنت من عقد صفقات مع دول أخرى.
لن تستطيع إيران إجراء تعاملات مالية بسبب العقوبات الأميركية
وسبق أن أكدت طهران على لسان أكثر من مسؤول سياسي وعسكري أنها "حققت اكتفاءً ذاتياً في التسليح وليست بحاجة إلى الأسلحة من الخارج". وهو ما أدلى به أيضاً قائد قوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زادة، في 21 سبتمبر الماضي، خلال احتفال عسكري بالذكرى الأربعين لاندلاع الحرب الإيرانية ـ العراقية (1980 ـ 1988)، وفقاً للتلفزيون المحلي. وسبق أن اتجهت إيران نحو الاعتماد على قدراتها الذاتية، خلال العقود الماضية بسبب تعرضها لحظر تسليحي مباشر أو غير مباشر، من أجل توفير احتياجاتها التسليحية. وتمكنت من إنتاج أسلحة محلية الصنع، في مقدمتها الصواريخ من طرازات وبمدى متعدد، وطائرات مسيرة، ومدمرات وسفن حربية وزوارق حربية وغواصات وغيرها من أسلحة.
مع ذلك، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته في مجال التسلح، فإن إيران تعاني من تهالك أسطولها الحربي الجوي كما تعاني من نقص في الطائرات، التي خسرت أعداداً كبيرة منها خلال الحرب مع العراق. ولم تتمكن من تحديث أسطولها بسبب العقوبات الغربية، بالإضافة إلى أن تكاليف صيانة المقاتلات القديمة التي استوردتها إبان العهد الملكي (مرحلة ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979) عالية جداً. وعليه فإن أهم احتياجات إيران اليوم تكمن في مجال المقاتلات الحربية، إذ يُقدّر مراقبون غربيون كلفة تحديث الأسطول الحربي الجوي الإيراني بنحو 100 مليار دولار.
في السياق، ترغب طهران، وفق مراقبين، في شراء مقاتلات روسية وصينية متطورة، أمثال مقاتلات "ميغ ـ 29" و"أف سي ـ 1" و"جي ـ 6" و"جي ـ 7"، و"ميغ ـ 19" و"سو ـ 30" و"ميغ ـ 21" و"جي 10 ـ سي". كما ترغب في شراء أسلحة أخرى، مثل سفن الهجوم السريع "تايب ـ 02" ودبابات "تي 90"، والغواصات من فئة "يوان"، ومنظومات الدفاع الجوي "أتش كيو ـ 10" الصينية ومنظومة "أس 400" الروسية.
دول مرشحة لشراء الأسلحة
وفيما يبدو أن الحظر التسليحي على إيران قد انتهى على الورق اليوم، لكن لمعرفة ما إذا كان سيستمر عملياً أم لا، فإن الأمر متوقف على الموقف العملي للدول الأخرى، تحديداً شركاء الاتفاق النووي، الذين ستنتقل الكرة إلى ملعبهم. لكن من بين هؤلاء الشركاء، لم تدلِ الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بأي تصريح، تفيد من خلاله أنها ستعمل بمقتضى انتهاء الحظر التسليحي، رغم تأكيدها على الالتزام بالاتفاق النووي ومعارضتها تفعيل الإدارة الأميركية آلية "فض النزاع"، وإعادة إحياء القرارات الأممية السابقة. وفي السياق، لا يخفى أن الدول الأوروبية، خصوصاً الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي، تملك التحفظات الأميركية نفسها على البرنامج العسكري الإيراني، تحديداً البرنامج الصاروخي. وسبق أن أدلى مسؤولون أوروبيون بتصريحات خلال الأشهر الماضية، تؤكد رغبتها باستمرار هذا الحظر.
إيران تعاني من تهالك أسطولها الحربي الجوي ونقص طائراتها
وبغض النظر عن هذه المواقف، فإن أوروبا ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 لم تعد شريكاً لإيران في تجارة الأسلحة، ولم تبع الأسلحة لها. كما شدّدت إيران على عدم حاجتها لأسلحة أوروبية، حسبما ذكر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف للتلفزيون الإيراني، في 19 سبتمبر الماضي.
وتراهن إيران في شراء الأسلحة من الخارج على الشريكين الآخرين للاتفاق النووي، البائعين التقليديين للأسلحة لها، أي الصين وروسيا، اللتين أفشلتا مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لتمديد الحظر على إيران في بيع وشراء الأسلحة، في خطوة قد تكون بهدف إزالة العراقيل الأممية أمام بيع الأسلحة لإيران، لعقد صفقات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات. كما أن موسكو وبكين أكدتا صراحة أن الحظر التسليحي على طهران لن يبقى قائماً اعتباراً من اليوم، معلنتين عن استعدادهما لبيع الأسلحة لها. وهو ما كشف عنه ظريف في مقابلته مع التلفزيون الإيراني بقوله: "بإمكاننا تأمين حاجاتنا من الأسلحة من دول مثل روسيا والصين، اللتين تربطهما علاقات استراتيجية بنا".
وتركّز إيران بشكل خاص على استيراد الأسلحة من روسيا، حتى أن مباحثات استكشافية قد بدأت بالفعل بين طهران وموسكو حول إمكانية عقد صفقات محتملة بعد انتهاء الحظر. وعليه ألمح السفير الإيراني لدى روسيا، كاظم جلالي، في يوليو/تموز الماضي إلى وجود مباحثات بين الطرفين حول شراء الأسلحة الروسية، مشيراً في حديثٍ لصحيفة "كوميرسانت" الروسية إلى "أننا في حالة تطوير العلاقات مع روسيا بشكل نشط في مختلف المجالات، ومنها المجال العسكري والفني". وأضاف أن البلدين "لديهما رغبة مشتركة" في تعزيز العلاقات العسكرية، كاشفاً عن أن بلاده تجري "مشاورات مع روسيا حول تعزيز بنيتها الدفاعية".
غير أن إعلان موسكو وبكين استعدادهما لبيع أسلحة لطهران لا يعني أن تنفيذ ذلك هو بسهولة الحديث عن الأمر، لأن روسيا والصين ستواجهان تحديات كبيرة في عقد صفقات تسليح مع إيران. وفي مقدمة هذه التحديات، العقبة الأميركية المتمثلة في فرض عقوبات على أي دولة تنتهك الحظر التسليحي عليها، فضلاً عن معارضة أطراف إقليمية أخرى لذلك، مثل إسرائيل ودول خليجية، والتي تربطها بكل من الصين وروسيا علاقات استراتيجية واقتصادية قوية.
وعلى الرغم من الخلافات بين واشنطن وكل من موسكو وبكين، إلا أن بينهم مصالح متشابكة أيضاً. على سبيل المثال، وفي ضوء التهديدات الأميركية، هل يمكن أن تقدم الصين على مجازفة من العيار الثقيل، من خلال بيع أسلحة محظورة أميركياً لطهران، لتخاطر بمبادلاتها الاقتصادية البالغ حجمها نحو 600 مليار دولار سنوياً، لقاء الحصول على بضعة مليارات دولارات؟
أما إيران فلها تجربة مريرة مع روسيا في هذا المجال بعدما رفضت الأخيرة تسليمها منظومة "أس 300" تنفيذاً لصفقة أُبرمت عام 2008، بذريعة الحظر الدولي عليها. ودفع الحكومة الإيرانية إلى رفع شكوى ضد موسكو في الأوساط الدولية، قبل أن ينفذ الكرملين الصفقة عام 2016 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، وبعد الاستئذان من مجلس الأمن الدولي حينها لوجود الحظر التسليحي الدولي.
مع ذلك، لا تخفي الإدارة الأميركية مخاوفها من حصول إيران على أسلحة متقدمة من الصين وروسيا، وهو ما دفع مسؤولين أميركيين لتحذير البلدين في الأشهر الأخيرة. وسبق لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن نقلت في خريف عام 2019 عن مسؤول مخابرات أميركي، لم يكشف عن هويته، قوله إن إيران ستشتري على الأرجح دبابات وطائرات جديدة من روسيا والصين".
وجهات محتملة للتصدير
وعلى الرغم من تسمية إيران للصين وروسيا رسمياً كمصادر لشراء الأسلحة بعد رفع الحظر الدولي، لكنها لم تحدد وجهات محتملة لتصدير بعض أنواع الأسلحة محلية الصنع، خصوصاً الصواريخ التي تشكل قوة ردع أساسية لها، لامتلاكها قدرات صاروخية كبيرة وصواريخ متطورة. وتمتلك إيران علاقات صداقة مع دول تملك نفوذاً سياسياً وعسكرياً في آن واحد، والمقصود هنا على وجه التحديد سورية والعراق ولبنان، فضلاً عن فنزويلا التي تربطها بإيران علاقات قوية منذ عقود. وتجعل هذه العلاقات تلك الدول مرشحة لتكون وجهة الصادرات التسليحية الإيرانية، لكن عدا فنزويلا، لم تعلن أي منها استعدادها لشراء الأسلحة من إيران.
لروسيا والصين مصالح أكبر مع الولايات المتحدة من إيران
كما أن وجود لاعبين منافسين في تلك البلدان، يقلّص من الفرص أمام إيران لعقد صفقات تصدير أسلحة لها، فعلى سبيل المثال، بالنسبة للبنان، تعتبر الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا مصدراً رئيسياً لتزويد الجيش اللبناني بالأسلحة، سواء على شكل مساعدات أو عمليات شراء. ولذلك يستبعد جداً أن تسمح هذه الأطراف بدخول "العدو" الإيراني على هذا الخط، فضلاً عن المعارضة الكبيرة التي ستلقاها الخطوة من التيارات المتصارعة مع حلفاء إيران اللبنانيين.
في العراق، باتت الولايات المتحدة منذ عام 2003 المصدر الخارجي الرئيسي لتزويد الجيش العراقي بما يحتاجه من عتاد، لذلك من المستبعد أيضاً أن تستبدل بغداد هذا المصدر بإيران. ولا يعود السبب فقط لوجود حكومة مقرّبة من واشنطن، بل لأن مثل هذه الخطوة تعرّض العراق لعقوبات وضغوط أميركية. بالتالي فإن بغداد التي جمّدت منذ عامين تقريباً، نحو 5 مليارات دولار من عوائد الصادرات الإيرانية من الغاز والكهرباء تفادياً للعقوبات الأميركية، لن تُقدم على الأغلب على مجازفة نقض الحظر التسليحي الأميركي على إيران.
وبالنسبة لسورية المتحالفة مع إيران، التي تمتلك فيها قواعد عسكرية، فإن روسيا تشكّل مصدرها التسليحي الرئيسي. وبالنظر إلى وجود نوع من التنافس بين روسيا وإيران في سورية، رغم مصالحهما المشتركة في الدفاع عن الحليف المشترك، إلا أنه ليس واضحاً بعد إن كانت دمشق يمكنها فعلاً الحصول على ضوء أخضر روسي لإضافة الأسلحة الإيرانية إلى مخازنها التسليحية أم لا. كما أن التوجه نحو عقد صفقات أسلحة مع إيران، من شأنه أن يعرّض سورية لمزيد من الهجمات الإسرائيلية، التي تستبيح الأراضي السورية منذ عشر سنوات تقريباً، بدافع منع استمرار الحضور العسكري الإيراني فيها.
أما في ما يتعلق بفنزويلا، التي تحصل هذه الأيام على دعم إيراني كبير من خلال تزويدها بالوقود على خلفية العقوبات الأميركية، فقد أعلن رئيسها نيكولاس مادورو في 22 أغسطس الماضي، أن شراء الصواريخ الإيرانية "فكرة جيدة"، وذلك رداً على تصريحات لنظيره الكولومبي إيفان دوكي، بشأن توجه كاراكاس لشراء هذه الصواريخ. وخاطب مادورو وزير دفاعه فلاديمير بادرينو لوبيز قائلاً إن "التحدث مع إيران فكرة جيدة، لنر ماذا تمتلك من صواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى، لندرس الموضوع بالنظر إلى علاقاتنا الوطيدة معها"، متسائلاً: "لماذا لم تخطر هذه الفكرة في بالي؟".
وليس واضحاً ما إذا كان الرئيس الفنزويلي قد أدلى بهذه التصريحات فقط بهدف مناكفة نظيره الكولومبي أم لا، أو توجيه رسائل معينة للجانب الأميركي، خصوصاً أنه يعلم جيداً حجم التحديات الكبيرة في تنفيذ مثل هذا التوجه. فمن المستبعد جداً أن تسمح الولايات المتحدة بوصول الصواريخ الإيرانية إلى فنائها الخلفي. بالتالي، وعلى ضوء التحديات الكبيرة التي تواجهها طهران في تصدير أسلحتها للخارج، يبدو أن الأولوية القصوى بالنسبة لها بعد رفع الحظر هي استيراد الأسلحة النوعية المتطورة من الصين وروسيا.