وإزاء الحديث عن خوف أوروبا من أن يصل "داعش ليبيا" إلى أراضيها، تتسارع التسريبات عن خطط واستراتيجيات عسكرية يجري إعدادها لتوجيه ضربات للتنظيم، وهو الأمر الذي كان محور مشاورات المؤتمر الدولي لمكافحة "داعش" الذي انعقد في العاصمة الإيطالية روما هذا الأسبوع، واجتماع آخر في أمستردام ضم وزراء الدفاع في دول الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضاً: ليبيا: انطلاق العد العكسي للتدخّل العسكري الأجنبي
وفي ما يتعلق بالسياسة الأوروبية تجاه المشاركة العسكرية في ليبيا، يقول متابعون إنه بعد اعتداءات نوفمبر/تشرين الثاني الفرنسية، تغيّرت طريقة التعاطي مع الدور العسكري للجيوش الأوروبية خارج حدودها، ويتم الآن العمل على إيجاد جهد عسكري مشترك، خصوصاً أن "داعش" لا يزال يتمتع بالكثير من نقاط القوة على الرغم من خسارته لمصادر تمويل وعدد من عناصره نتيجة الضربات الجوية التي طاولت مراكزه في كل من سورية والعراق.
وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، واضحة في حديثها لصحيفة "بيلد" أخيراً لجهة استعداد برلين للمشاركة في المهمة العسكرية بليبيا، بقولها "ليس بمقدور ألمانيا التهرّب من مسؤولياتها، وبالتالي عليها المساهمة". وهو ما عادت وأكدت عليه أول من أمس في أمستردام، لافتة إلى أن الاتحاد الأوروبي يستعد لمهمة ليبيا، وذلك في ظل المعلومات التي تشير إلى أن ألمانيا وإيطاليا وفرنسا بصدد مناقشة مستقبل ليبيا مع ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن الجانب الألماني تقصد أن يكون بين أعضاء الوفد عدداً من أركان الجيش الألماني، وهذا ما ذكره المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب "اليسار" يان فان اكن، معتبراً أن هذا الأمر اشارة إلى أن هناك نية لإرسال قوات برية إلى ليبيا.
لكن في الوقت عينه يبقى التدخّل العسكري، البري تحديداً، أمراً بالغ الصعوبة ومحور جدل، ولو تحت شعار مكافحة الإرهاب، وفق ما يرى خبراء، في ظل الأزمات التي تعاني منها ليبيا وغياب سلطة شرعية وجيش ليبي موحّد. وهو ما أكده ماتيو توالدو، أحد أعضاء المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في بروكسل، والذي اعتبر في حديث صحافي أنه لا فائدة من المشاركة في المهمة كونها لا يمكن أن تجدي نفعاً مع الفراغ في السلطة الليبية وعدم وجود قوات عسكرية ليبية قادرة على تحرير ليبيا من التنظيمات الإرهابية. مع العلم أن مراقبين يعتبرون أنه لا يمكن الحديث عن تصوّر لبناء الدولة الليبية قبل إيجاد حل للأزمة في البلاد وعبر العمل ضمن حكومة وحدة وطنية، ووضع إطار زمني لتكوين سلطة ادارية وعسكرية، ومعالجة الوضع الإنساني الصعب في البلد الممزق.
ويبرز في هذا السياق ما نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين لم تسمّهم، من أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما أمامهم أسابيع كثيرة أو حتى أشهر قبل شن حملة عسكرية جديدة ضد تنظيم "داعش" في ليبيا. وقال المسؤولون إن عقبات ضخمة تقف في طريق زيادة المشاركة العسكرية الأميركية، وأكبر هذه العقبات هي تشكيل حكومة ليبية موحدة قوية بما يكفي للدعوة لمساعدات عسكرية خارجية والاستفادة منها. وقال المسؤولون إن الاستعانة ببعض الحلفاء قد يتطلب أيضاً تفويضاً جديدا من الأمم المتحدة.
وأكد المسؤولون أنفسهم لـ"رويترز" أنّ الولايات المتحدة تضع خيارات عسكرية وأن هذه الخيارات نوقشت خلال اجتماع عقد الأسبوع الماضي بين الرئيس باراك أوباما وكبار مساعديه الأمنيين ولم يتوصل لنتيجة حاسمة. وفي السياق، يحذر المسؤولون، الذين وصفتهم "رويترز" بأنهم على دراية بالمناقشات الداخلية للإدارة الأميركية، من أنه "من السابق لأوانه تقدير متى قد يبدأ تحرك عسكري ولكنهم حذروا من أن ذلك قد يستغرق أسابيع كثيرة أو حتى أشهر".
بدوره، قال دبلوماسي غربي "على حد علمي لا توجد نية واضحة للمضي قدماً في القيام بعمل من الطراز العسكري. هناك كثير من التفكير وكثير من التخطيط".
في غضون ذلك، يتم التركيز حالياً على الجهد الاستخباراتي في عدد من دول الجوار الليبي، لا سيما تونس والمغرب والجزائر.
وفي هذا السياق، لفت المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون ماكلوغلين، في مقال له نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية، إلى أن مواجهة "داعش" تتطلب أولاً فهم طريقة عمله واستراتيجيته التي تقوم على دائرة داخلية، وتضم سورية ولبنان والعراق والأردن وفلسطين، ودائرة خارجية تضم باقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيراً إلى أن ليبيا محور خارجي مهم كونها تسمح ببناء الجسور بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. ويشير خبراء أوروبيون إلى ان التنظيم بدأ بتغيير استراتيجيته، وهو يحاول التحصّن في المناطق الليبية الغنية بالموارد الطبيعية بحيث سيعمل على الاستفادة منها بعدما تقلّصت مداخيله نتيجة الضربات التي تعرض لها من قوات التحالف، كما أن موقعها الجغرافي يسمح له بالتنسيق مع تنظيمات أخرى كـ"بوكو حرام" في نيجيريا.
اقرأ أيضاً: الجزائر تتحوّط للتدخّل في ليبيا: إجراءات استباقية على الحدود