أحدثت اتهامات وزير العمل والضمان الاجتماعي الجزائري، الهاشمي جعبوب، لفرنسا بأنها "العدو الدائم والتقليدي" لبلاده الجزائر، خلال جلسة استجواب شفوية في مجلس الشيوخ في 8 إبريل/ نيسان الحالي، صدمة كبيرة في فرنسا، التي تسعى إلى تذويب الجليد في العلاقة المعقدة تاريخياً بين البلدين.
تلك التصريحات كانت على ما يبدو الحلقة المفقودة من تأجيل زيارة وفد فرنسي رفيع المستوى، كان من المفترض أن يقوده رئيس الوزراء جان كاستكس، هذا الأسبوع، فجاء تبرير رئاسة الوزراء الفرنسية باهتاً بالقول إن الزيارة تأجلت لأسباب صحية ترتبط بوباء كورونا، فيما تحدثت أوساط جزائرية عن احتجاج جزائري رسمي على تخفيض تمثيل الوفد وطلب تحديد موعد لاحق للزيارة.
هذه المسألة كانت موضوعاً تناوله المؤرخ الفرنسي وأستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو في صحيفة "لوموند"، اليوم الأحد، معتبراً أن تصريح جعبوب "لم يُسمع به قط في تاريخ العلاقة بين البلدين"، وأنه أثار صدمة كبيرة لكونه جاء في خضم مساعٍ فرنسية لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الجزائر. لكن هنا لا يبدو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بريئاً"، فهو، من وجهة نظر فيلو، مسؤول أيضاً عما آلت إليه الأمور نتيجة الاستراتيجية التي اتبعها في ملف العلاقات مع الجزائر؛ فبرغم "الطموح المهم والنبيل للتوفيق بين البلدين"، فإن الرئيس الفرنسي تجاهل أصوات الحراك عندما اعتقد أن خليفة عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، يمكن أن يكون شريكه في هذا العمل.
احتجاجات الحراك، التي أعيد إطلاقها في 22 فبراير/ شباط الماضي، تتميز الآن بشعارات مناهضة لفرنسا غير مسبوقة من حيث حدتها
ويقول فيليو إن ماكرون "تناسى أن تبون لا يمثل سوى الواجهة المدنية لنظام ما زال متمسكاً بقوة بالتسلسل الهرمي العسكري الأعلى. وأن هؤلاء الجنرالات ليس لديهم مصلحة في استرضاء الذكريات". وماكرون، برغم كل الضغوط الداخلية عليه من أجل المضي قدماً في علاقات إيجابية مع الجزائر، تجاهل كل هذه الاعتبارات وتعهد، في نوفمبر/ شرين الثاني 2020، بـ"القيام بكل ما هو ممكن لمساعدة الرئيس تبون"، بل أكثر من ذلك وصفه بأنه "شخص شجاع".
أثار هذا الإعلان ضجة في أوساط المعارضة الجزائرية، التي نددت بـ"تدخل" فرنسا، خاصة أن تبون كان حينها يضرب، بثلاثة أشهر تراكمية، "الرقم القياسي" في دخول المستشفى في الخارج، الذي كان يحتفظ به بوتفليقة في السابق.
وخلال هذا الوقت، واصل قصر الإليزيه اتباع جدوله الزمني، بينما قدم المؤرخ بنيامين ستورا إلى رئيس الدولة، في يناير/ كانون الثاني الماضي، تقريراً يجمع بين الصرامة الأكاديمية والطلب المدني؛ ثم تم الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في وفاة القومي علي بومنجل عام 1957 في مارس/ آذار الماضي، فيما تم تسهيل الوصول إلى أرشيفات الاستعمار في الجزائر. لكن في المقابل، يقول فيليو إن الشريك الجزائري الذي اختاره ماكرون لم يقدّر هذا العمل، بل إن مستشاراً لتبون اختصر تقرير ستورا بالقول إنه "تقرير فرنسي-فرنسي"، في حين رفع رئيس الأركان اللهجة ضد فرنسا.
وأعاد فيليو التذكير بما قالة كريم طابو، أحد أبرزه وجوه الحراك، الذي سُجن لمدة عشرة أشهر من 2019 إلى 2020، عندما أنّب ماكرون علناً في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وخاطبه بالقول "إن دعمك الظاهر للنظام الجزائري، وهو أحد أكثر الأنظمة التي تقتل الحرية في البحر الأبيض المتوسط، يكشف عن سوء نيتك ونفاقك السياسي". ولفت إلى أن احتجاجات الحراك، التي أعيد إطلاقها في 22 فبراير/ شباط الماضي، تتميز الآن بشعارات مناهضة لفرنسا غير مسبوقة من حيث حدتها، وهذا أفضى إلى تصنيف ماكرون وفرنسا، من قبل الحراك، على أنهما "شريكان" للجنرالات والنظام العسكري القائم منذ عام 1962، على حد وصفه.