ينعقد، اليوم الأربعاء، في العاصمة الألمانية برلين "مؤتمر برلين" الثاني حول ليبيا، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة الحكومة الليبية وممثلين عن 12 دولة معنية بالصراع فيها، من الولايات المتحدة الأميركية إلى الدول الأوروبية والأفريقية المحيطة، ويُعوَّل على أن تقدّم الدبلوماسية الألمانية قوة دفع جديدة لعملية السلام التي تحتاجها البلاد التي تعيش صراعاً منذ عام 2011. يأتي ذلك بعد أن كان المؤتمر الأول الذي انعقد في يناير/كانون الثاني 2020، قد حرّك الجمود بين الأطراف المتصارعة، وخلق إطاراً دبلوماسياً مفيداً، وساهم في منع نشوب نزاع مباشر بين تركيا ومصر وروسيا، إلا أن الدول الثلاث أبقت على تدخلها في الصراع المسلح في ليبيا، ولم تمتثل لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، واستمر تدفق الجنود والمرتزقة الأجانب والمعدات العسكرية إلى البلاد، إلا أن الآمال تنعقد حالياً، على أن يتحول وقف إطلاق النار الحالي إلى سلام طويل الأمد.
وفي هذا الإطار، ذكرت "دويتشلاند فونك" الإعلامية، أن المؤتمر سيناقش بإيجابية العقبات التي تعترض تعزيز الاستقرار، ومن بينها الخلاف حول العملية الانتخابية، وسيناقش سحب المرتزقة، ومشكلات أخرى تواجه الحكومة لا تقل صعوبة، من بينها بناء جيش وطني موحد. وفي هذا الشأن، لفتت الباحثة كلاوديا غازيني من مجموعة الأزمات مع وكالة الأنباء الألمانية، أن المؤتمر يأتي في الوقت المناسب، وسيقدم تقييماً للتقدم الذي أُحرِز خلال المؤتمر الأول، ومن المتوقع أن يعطي دفعة جديدة لتعزيز الأمن والاستقرار، بعد أن عجز كل من البرلمان الليبي والسلطة التنفيذية وحدهما عن دفع العملية إلى الأمام، مع تحذيرها من إمكانية أن تستعيد القوات الأجنبية سلطتها ونفوذها في البلاد في حال الفشل.
ومن المرجّح أن يحقق المؤتمر بعض النجاح في عدد من الملفات، ومن بينها وضع جدول زمني لانسحاب المرتزقة يكون مقبولاً من المشاركين.
وفي السياق، أشار فولفرام لاشر، الخبير في الشؤون الليبية في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، مع "زود دويتشه تسايتونغ" إلى أن هناك ثلاثة مجالات لم يحرز فيها أي تقدم منذ تولي الحكومة المؤقتة لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة السلطة، فالبنك المركزي ما زال يعيش على وقع الانقسامات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هياكل القيادة العسكرية، كذلك لم يُسحَب المرتزقة والجنود الأجانب من البلاد، وهم الذين يبلغ عددهم حوالى 20 ألفاً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
ويوضح لاشر أن المال وتوازن القوة العسكرية، هو ما سيحسم ما إذا كان الغرب والشرق سيدعم وجود مؤسسات الدولة مجدداً، فيما يرى البعض أنه لا بد بعد انسحاب المرتزقة من وجود بعثة مراقبة دولية مدنية، بقيادة الأمم المتحدة، لمراقبة وقف إطلاق النار والانتخابات.
وعن أهمية مؤتمر برلين الثاني، أشارت "زود دويتشه تسايتونغ" إلى أن الغرض الرئيسي منه بالنسبة إلى الليبيين إظهار رغبة المجتمع الدولي في إجراء الانتخابات فعلياً يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وعلى عكس المؤتمر الأول، حيث كان الطرفان المتنافسان، فايز السراج وخليفة حفتر، حاضرين كمتفرجين، تشارك الآن الحكومة الليبية الحالية رسمياً، وفي ظل هذا الوضع يجب أن تكون هذه الحكومة ملزمة برسم مسار للانتخابات البرلمانية، والتحضير لها، بدءاً من مطلع يوليو/ تموز المقبل، من خلال صياغة قانون انتخابي جديد، رغم أنها لم تجتمع إلا بشكل متقطع خلال الأشهر الماضية. كل ذلك في ظل عدم التوافق بعد على الميزانية، والمليشيات المتنافسة، وممثليها السياسيين المتنافسين على السلطة وأموال الدولة.
وعن اختيار ألمانيا لتكون مكاناً لعقد المؤتمر، يمكن القول إن البلاد الواقعة في وسط أوروبا ليس لها مصلحة ذاتية واضحة في ليبيا، كذلك فإنها لا تنافس على نفوذ فيها، وعلى عكس القوى الاستعمارية السابقة مثل إيطاليا وفرنسا، التي لها مصالحها الخاصة واهتمامها بالنفط الخام والغاز واليورانيوم، فإن الدبلوماسية الألمانية تمكنت من تقديم نفسها بوصفها وسيطاً نزيهاً وسط حقل ألغام سياسي عالمي، رغم الحديث عن أن لدول الاتحاد الأوروبي مصلحة مشتركة واحدة فقط في ليبيا، هي إبقاء المهاجرين من جنوب الصحراء الأفريقية في ليبيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ميركل وحكومتها، قبل وقت قصير من انتهاء ولايتها الرابعة، تريد تحقيق نجاح، ولو جزئياً، وخاصة في السياسة الخارجية، وتبدو الفرصة مواتية مع وقف إطلاق النار ووجود حكومة موحدة برئاسة الدبيبة، إلى جانب استئناف إنتاج النفط، ويأتي ذلك كله بعدما تلاقت مصالح الأتراك والعرب والروس والأميركيين والأوربيين، بعد أن كانت البلاد الصحراوية مسرحاً لعدة صراعات بالوكالة خلال السنوات السابقة، وسط غياب التفاهم الكامل حول العملية السياسية، مع الوجود العسكري الأجنبي المزود بالعديد والعتاد من دبابات وصواريخ. في ظل الخوف من خطر اندلاع الحرب مجدداً، والعودة إلى العنف إذا لم يحرز أي تقدم عملي يذكر.