بعد نحو 40 يوماً على خلافتها بوريس جونسون على رأس حزب المحافظين والحكومة البريطانية، تنوء ليز تراس تحت ثقل الضغوط الناجمة عن الوضع الاقتصادي المتعثر في بريطانيا، وغياب الوضوح في خططها الاقتصادية والطاقوية، خصوصاً للشتاء الآتي، والذي تُرجم بإقالة وزير المالية كوازي كوارتنغ، أمس الجمعة.
مسار تراس الخاطئ
وفتح ذلك الباب أمام احتمال خروجها من "10 داونينغ ستريت"، ومباشرة كثيرين الحديث عن لائحة مرشحين لخلافتها. واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "التحول الحاد في السياسة من جانب تراس يكشف عن مخاطر اتخاذ المسار الخاطئ في مكافحة التضخم الحاد".
ويتعلق الأمر خصوصاً بموضوع التخفيضات الضريبية، فبعد أن وعدت بزيادة الضرائب على الشركات من 19 في المائة إلى 25 في المائة، عادت وتراجعت عنها. وسبق لتراس أن تراجعت عن اقتراحها بإلغاء ضريبة بنسبة 45 في المائة على أصحاب الدخل الأعلى. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن هذه الخطوات أفضت إلى توقع انخفاض في الإيرادات الحكومية وتضخّم ديون بريطانيا.
أحد مؤيدي تراس: كان مؤتمرها الصحافي أسوأ ما رأيته
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو لديها مساحة مناورة أكبر إلى حد ما من بريطانيا، لأن الدولار واليورو يستخدمان على نطاق أوسع بكثير في جميع أنحاء العالم كعملات احتياطية أكثر من الجنيه الإسترليني.
وترى الخبيرة الاقتصادية في كلية لندن الجامعية ماريانا مازوكاتو، أن "ما هو مفقود من الخطة الاقتصادية لتراس هو برنامج استثمار عام ذو رؤية ثاقبة، مثل خطط المناخ والرقمنة، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار والتي اعتمدها الاتحاد الأوروبي، أو برنامج المناخ والبنية التحتية في الولايات المتحدة".
وتشدّد على أنه "إذا لم يكن لديك خطة نمو، وسياسة ابتكار استراتيجية صناعية، فلن يتوسع اقتصادك". أما "بي بي سي" فكشفت أن النقاش السياسي في بريطانيا بدأ ينحو إلى ضرورة إجراء تغيير على رأس الحكومة، بعد دعوة بعض نواب حزب المحافظين تراس إلى الاستقالة، بعد المؤتمر الصحافي، أمس الجمعة، والذي وصفه أحد كبار المسؤولين بأنه "كارثة كبرى".
كما دعا الديمقراطيون الليبراليون والحزب الوطني الاسكتلندي إلى إجراء انتخابات عامة، لكن تراس استبعدت إجراء انتخابات قبل عام 2024، ومع الأغلبية الكبيرة للحكومة في البرلمان، ستجد المعارضة صعوبة كبيرة في إجراء انتخابات. وتطرقت "بي بي سي" إلى كيفية تجنّب تراس الإجابة عن أسئلة أربعة صحافيين، سألوها جميعاً عن سبب عدم مغادرتها منصبها مع كوارتنغ، بل شددت على تصميمها على تحقيق ما وعدت به، قبل أن تغادر فجأة بعد 8 دقائق من بدء المؤتمر، مما صدم بعض الصحافيين الذين لم يحصلوا على فرصة لطرح الأسئلة".
وكان كوارتنغ قد نشر في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، "الميزانية المصغرة" لتحقيق رؤية رئيسة الوزراء، معلناً عن أكبر حزمة من التخفيضات الضريبية منذ عقود.
جونسون مرشح للعودة إلى "10 داونينغ ستريت" خلفاً لتراس
لكن هذه الميزانية أثارت فزع الأسواق المالية، محدثة تمرداً بين نواب حزب المحافظين، الذين حثوا رئيسة الوزراء على التخلي عن أجزاء من خطتها الاقتصادية لدعم الموارد المالية لبريطانيا". ونقلت "بي بي سي" عن بعض نواب حزب المحافظين قولهم إنه "سيتعين عليها (تراس) الاستقالة"، مضيفين: "إنها أسوأ من كوربين"، في إشارة إلى زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين.
وقال وزير سابق لـ"بي بي سي": "لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو إلى أجل غير مسمى"، مضيفاً أن "الناخبين لن يغفروا لنا" إذا أطاح نواب حزب المحافظين برئيس وزراء آخر. وقال أحد مؤيدي تراس: "كان هذا أسوأ مؤتمر صحافي رأيته منذ عقد ونصف".
خلافة تراس
وفي وقتٍ كان الإعلام المحلي والخارجي يناقش التحولات الأخيرة في لندن، طرحت صحيفة "ذا غارديان" ملف خلافة تراس. وذكرت أن المنافسة منحصرة بين 5 متنافسين، يمكن أن يخلفوا تراس كخامس زعيم لحزب المحافظين منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
ويبرز اسم ريشي سوناك، الذي كان المرشح الأول لخلافة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في الصيف، داخل الصفوف الحزبية، غير أنه خسر أمام تراس في تصويت قاعدة الحزب المحافظ. ودعا سوناك إلى الحذر في التعامل مع الأسواق والضرائب، فيما وصفته بأنه "حذر بصورة مبالغ بها في الموضوع المالي".
ويُعد سوناك موثوقاً به لدى عالم الأسواق، ومن المفترض، وفقاً لـ"ذا غارديان" أن يُسهم في تهدئة الوضع الاقتصادي. ويعود اسم جونسون مجدداً إلى الواجهة، على الرغم من الفضائح المتلاحقة التي أدت إلى تقديم استقالته في الصيف الماضي. ويعود سبب توقع البعض عودة جونسون إلى نجاحه في بناء ائتلاف انتخابي غير عملي ولكنه فعّال، على قاعدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم نجاحه في مشاريع الإنفاق العام. كما تبرز أسماء بيني موردونت ومايكل غوف وبن والاس لخلافة تراس.