قالت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا إنها أحالت، اليوم الأربعاء، "التقرير النهائي الخاص بمرحلة الطعون الانتخابية لانتخاب رئيس الدولة" إلى مجلس النواب، في وقت كشفت فيه مصادر ليبية عن مقترح غربي يتم تداوله في الأوساط الليبية مضمونه إجراء انتخابات برلمانية وتأجيل الانتخابات الرئاسية كأحد أهم الوسائل لإنقاذ العملية الانتخابية من الانهيار.
وأوضحت المفوضية، في بيان، أنها سلمت تقريرها إلى رئيس اللجنة البرلمانية المعنية بمتابعة العملية الانتخابية، الهادي الصغير، خلال لقاء جمعه برئيس المفوضية عماد السائح، بمقر المفوضية بطرابلس، مضيفة أن التقرير تضمن "بيانات وتفاصيل ملف الطعون الانتخابية الخاصة بالمترشحين لمنصب رئيس الدولة".
وعلى الرغم من أن مجلس النواب طلب من اللجنة البرلمانية تقديم تقريرها للمجلس خلال جلسة توافق، الاثنين الماضي، إلا أن رئيس اللجنة الهادي الصغير سبق أن رجح أن يتم إرجاء رفع التقرير النهائي للمجلس إلى يوم الأربعاء بسبب طلب المفوضية أياماً إضافية لإعداد تقاريرها المرفقة بمستنداتها القانونية.
ومن غير المرجح أن يصدر عن مجلس النواب قرار قريبا حيال مصير العملية الانتخابية، ولا سيما قرار تأجيلها، وخصوصا أن رئيس المجلس المكلف فوزي النويري بدأ زيارة، اليوم الأربعاء، إلى تركيا.
مقترح غربي لإنقاذ العملية الانتخابية
في غضون ذلك، توافقت معلومات مصادر ليبية حول تداول مقترح غربي، بدعم أميركي، في الأوساط الليبية مضمونه دفع قادة المشهد الليبي للتوافق على موعد قريب لإجراء انتخابات برلمانية لإنتاج مجلس نواب جديد، فيما يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية لفترة أخرى يتولى خلالها مجلس النواب الجديد الإعداد لها، مشيرة إلى قناعة باتت راسخة بشأن استحالة إجراء حتى الانتخابات البرلمانية فضلا عن الرئاسية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأن هذا الموعد بات من الماضي.
وكانت مفوضية الانتخابات قد أعلنت، السبت الماضي، عن تأجيل إعلانها عن القائمة الأولية للمرشحين للانتخابات البرلمانية الذين بلغ عددهم 5385 مرشحا، وبررت قرارتها بأن عددهم "فاق المتوقع"، ما يجعل عملية تدقيق ملفاتهم ومراجعتها "تأخذ فترة زمنية أطول من المخطط لها".
ويتعين على المفوضية فتح باب الطعون على المرشحين بعد الإعلان عن القائمة الأولية، لتعقبها مرحلة أخرى يتم فيها الاستئناف على الطعون، قبل الإعلان عن القائمة النهائية، التي كان من المفترض إعلانها يوم السابع من ديسمبر الجاري، وفقا للجدول الزمني المعلن من المفوضية.
وكانت مصادر ليبية قد كشفت النقاب، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن إبلاع مفوضية الانتخابات مجلس النواب بضرورة أن يعيد "النظر في تحديد إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر من إجراء الرئاسية وضرورة تمديد الفترة الفاصلة بينهما لشهرين على الأقل"، دون أن تشير إلى تقديم البرلمانية على الرئاسية، مضيفة أنها طلبت أيضا ضرورة تعديل بنود في قانون الانتخابات الرئاسية "ومن بينها تعديل على المادة العاشرة من قانون الانتخابات الرئاسية بالطعون ضد المترشحين والاستئناف عليها حتى يتسنى لها معالجة الكثير من المختنقات التي تواجه سير أعمالها".
صعوبات عديدة
ولا يبدو من خيار أمام جهود إنقاذ الانتخابات في ليبيا إلا تقديم الانتخابات البرلمانية على الرئاسية، بحسب رأي الصحافي الليبي سالم الورفلي، لكنه يؤكد وجود صعوبات عديدة ستواجه هذا الخيار، خصوصا مجلس النواب، الذي صمم قوانين الانتخابات بتأجيل انتخاب مجلس نواب جديد إلى ما بعد انتخاب رئيس الدولة ليضمن بقاءه في المشهد وعدم إفلات زمام الأمور من يده.
وليس من فاعل في المشهد يمكنه فرض هذا الخيار إلا الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز، بحسب رأي الورفلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مضيفا "النشاط الأممي في المشهد الليبي خلا تماما من جهود وليامز وإن عادت بصفة مستشارة أممية، إلا أنه من غير الخافي أنها جاءت لتقود جهود إنقاذ الأوضاع لمصلحة بلادها وحلفائها الغربيين".
ويرى الصحافي أن المرشحين للانتخابات البرلمانية لا يدور حولهم أي جدل، ما يسهل إجراء الانتخابات البرلمانية وقبول كل الأطراف المختلفة بهذا الخيار.
وضع قاتم
إلا أن الناشطة السياسية الليبية هنية فحيمة لا ترى أن الظروف الحالية تساعد وليامز لتمرير رؤية خاصة ببلادها وبحلفائها، وقالت إن "قائمة المتنافسين الأكثر جدلا في خريطة الانتخابات تعكس اختلاف المواقف الدولية، وهو السبب في اختلال ميزان العملية الانتخابية، وأوله الاندفاع الروسي الكبير من خلال إصرار موسكو على ترشح سيف الإسلام وبقائه في المشهد، يقابله رفض غربي تقوده واشنطن التي تسعي لفرض رؤيتها الخاصة".
وأشارت فحيمة إلى أن عدم وضوح المواقف الإقليمية ودول الجوار الليبي زاد من قتامة الوضع. ودافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال تصريحات تلفزيونية أخيرا، عن حق سيف الإسلام في الترشح، وطالب "الأميركيين والأوروبيين بأن يدعوا الليبيين يقررون بأنفسهم"، وبعدم التدخل في الانتخابات الليبية، وتؤكد فحيمة أنه "لم يعد أحد لا يعتقد أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين هم الذين دفعوا بستيفاني وليامز للمشهد مجددا لعرقلة التوغل الروسي في ليبيا على الأقل".
وخلال يوم واحد، أمس الثلاثاء، أجرت وليامز 13 لقاء بمختلف المسؤولين الليبيين في طرابلس، أولها لقاؤها برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وآخرها برئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، مرورا برئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح، فيما بدأت جولة، اليوم الأربعاء، في عدد من المدن الليبية، حيث وصلت إلى مدينة مصراته للقاء قادتها، ومن المرجح أن تزور أيضا مدنا في شرق ليبيا.
خلال يوم واحد أجرت وليامز 13 لقاء بمختلف المسؤولين الليبيين في طرابلس
ولم تدل وليامز حتى الآن بأي تصريح بشأن لقاءاتها الكثيفة، التي تراها فحيمة مجرد محاولات للبحث عن مخرج لإنقاذ العملية الانتخابية من خلال تأجيلها ولتضييق خيارات أطراف خارجية تسعى لتقويض العملية الانتخابية برمتها، لكنها في الوقت ذاته ترى أن إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الرئاسية ربما يكون الخيار الوحيد الذي قد يقبل به كل المتنافسين، لأنه الضامن الوحيد لاستمرار بقائهم في مشهد التنافس الانتخابي، كما أنه يعطي متنفسا لوقت آخر ليرتب كل طرف أوراقه.