ليالي الكريستال في فلسطين

29 ديسمبر 2023
فلسطينيون هاربون من مخيم البريج في غزة، الثلاثاء الماضي (Getty)
+ الخط -

مع طيّ العالم صفحة عام 2023 واستقباله عام 2024، يكون الفلسطينيون قد أمضوا 85 يوماً تحت وطأة بربرية العدوان الإسرائيلي عليهم. وساهمت الأشهر الثلاثة الماضية، في الكثير من الصدمات، مع إعادة الملايين في الغرب التفكير بمكانة دولة الاحتلال، وسط افتضاح ازدواجية المعايير والأخلاق.

حتى اليوم، تتذكر أوروبا، في سياق ثقافة "تأنيب الضمير"، والشعور بـ"العار"، ما يسمّى "ليلة الكريستال"، وبالألمانية (كريستال ناخت)، حين تعرض مساء 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938، اليهود وبيوتهم ومعابدهم ومتاجرهم لحملة من التدمير والحرق.

اليوم، في عمق تقمص "الضحية" لجلّادها، وإسقاطاتها على الفلسطيني، بات صعباً على أجيال غربية، أكثر عالمية من قادتهم، ألا تقارن بين تلك الليلة وهوس جنود الاحتلال وساسته، بممارسات يومية ومتراكمة بحق الفلسطينيين. فخطاب "الصدام بين التنوير والظلامية" ينهار في شوارع كثيرة، مع كل تمعن بمحو مئات البلدات ومصادرة ممتلكات "الغائبين"، بعد تهجير مئات الآلاف في نكبة 1948، لصالح إحلال مستورَدين بدل السكّان الأصليين. وهو ما أدركه الجيل الجديد في بحثه عن جواب لسؤاله: من أين جاء الشعب الفلسطيني؟ وقد أثارت عنده مشاهد غزة غضباً من خدعة كبيرة متوارثة "عن واحة الديمقراطية والتحضر".

وليالي الكريستال الفلسطينية ليست صعبة الاكتشاف، هذا لو كانت ثمّة جرأة عند صحافة غربية خضعت لمقصّ الرقيب العسكري الصهيوني، عكس تفجعها على "حرية الصحافة"، حين استهدفت في عام 2015 صحيفة "شارلي إيبدو" في العاصمة الفرنسية باريس.

فمشاهد حرق جنود الاحتلال للمعونات الغذائية، وتدمير متجر ألعاب، واستهداف المساجد والكنائس، ومباركة الصواريخ والقذائف الأميركية لحرق وقتل الفلسطينيين، وكتابة شعارات بنجمة داوود على الجدران، وسرقة أموال شركات صرافة، والبصق في شوارع القدس على مسيحيين أوروبيين في "درب الآلام"، وغيرها الكثير، لم تعد سرّاً يُمنع تناوله، وهي تنتشر كالنار في الهشيم لرد السردية الصهيونية إلى نحرها.

في كل الأحوال، يمكن لأي حصيف أن يجري مقارنة سريعة بين اعتقال آلاف الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتعرية الأطفال والرجال، واستعراضهم بطريقة أشبه بما تعرضه أفلام سوق الناس إلى معتقلات النازية بين 1939 و1945، و"ليلة الكريستال" التي قتل فيها 91 يهودياً.

مشهد الكريستال الفلسطيني التاريخي، تزامناً مع استهداف ممنهج للمشافي والبنى التحتية الضرورية لإبقاء الإنسان حيّاً في غزة، لم يأت بمعزل عن مرض تلبّس روح الجلاد في الممارسات، وبالتحريض على الكل الفلسطيني، وعبر شاشات وصحف عبرية، وبلغة استعلائية استعمارية، لطرح ما يشبه "الحل النهائي"، ربما برمي قنابل نووية. بل إن الأمر يتجاوز الطرح المحلي إلى جمهور يقبل تطبيع الفاشية الصهيونية، إلى حد طلب التطهير العرقي من على صفحات تلك الصحف الغربية.

وليس بعيداً عن تلك الأجواء التقمصية، تسمح صحف غربية، وأميركية على وجه الخصوص، لساسة بعقلية الإبادة، مثل عضوي الكنيست داني دانون ورام بن باراك، وبمباركة بتسلئيل سموتريتش، والطبقة السياسة والعسكرية الإسرائيلية، أن ينشروا مقالات تدعو إلى تطبيق ما في أدراج دولتهم من خطط التطهير العرقي لتهجير ملايين الناس.

ويقيناً، كان العالم سيقف ولن يقعد لو أنه في المقابل دفع في مقالات "حرية التعبير" سياسي أو مشرّع فلسطيني طرحاً يقول إن الحل النهائي هو "إبادة" أو "ترحيل اليهود من فلسطين التاريخية". وتضمنت دعوات وزراء إسرائيليين رمي قنبلة نووية على غزة وإبادة الجميع، مع تحول إلى ما يشبه ثقافة جمعية تحت يافطة اختطاف الصهيونية التلمودية لمجتمع دولة الاحتلال. وهو مجتمع بات يثير الكثير من الأسئلة الغربية حيال مستقبله في فلسطين التاريخية. 

المساهمون