لوكاشينكو على طريق الأسد: تحالف لملاحقة رجالات النظام البيلاروسي

27 مارس 2021
واجهت أجهزة الأمن المحتجين بالقمع (Getty)
+ الخط -

على طريقة ملاحقة مجرمي الحرب السورية في ألمانيا وغيرها من البلدان، تشكّلت في الأيام القليلة الماضية مبادرة دولية من 19 دولة لملاحقة مسؤولي النظام الحاكم في بيلاروسيا، في رسالة بعدم التسامح مع محاولة الإفلات من العقاب لـ"آخر ديكتاتوريات أوروبا"، كما يُطلق بعض ساسة وصحافة الاتحاد الأوروبي على حكم الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، الذي يحكم مينسك منذ العام 1994، ويدور في الفلك الروسي.

وأثارت الانتخابات التي جرت في بيلاروسيا في أغسطس/آب الماضي، وأُعلن بعدها عن فوز لوكاشينكو بولاية رئاسية سادسة، غضباً دولياً كبيراً ورفضاً لنتائجها بعد الحديث عن حصول عمليات تزوير كبيرة، وتبعت ذلك احتجاجات ضخمة، قابلتها السلطة بالقمع والاعتقالات، لتفر زعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا إلى ليتوانيا. ومع سعي المعارضة للتحرك مجدداً في الشارع، على الرغم من المخاوف من إفراط أجهزة الأمن بالقمع، خصوصاً مع تزايد عمليات تصفية معارضين، فإن خشية موسكو تزداد أيضاً من هذه التحركات، ومن دعم الأوروبيين لتيخانوفسكايا، التي يعتبرونها الفائز الحقيقي في الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي، على الرغم من تأكيدها أنها ستوازن في العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

وفي ظل هذه الأجواء، برز إعلان الدول الـ19 عن المبادرة، التي عهدت فيها إلى المؤسسة الحقوقية الدنماركية "ديغنتي" (المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب) مهمة جمع الأدلة والوثائق عن عمليات "الاضطهاد والتعذيب والقتل" التي تمارسها أجهزة الأمن التابعة للرئيس البيلاروسي بحق المعارضين والمتظاهرين في بلاده، منذ انتفاضة الشارع في أعقاب الاتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي. وأوكلت مجموعة الدول المبادرة، من بينها بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة ودول إسكندنافية، مهمة جمع الأدلة إلى معهد "ديغنتي" في كوبنهاغن، لخبرته في ملاحقة عمليات التعذيب والقتل خارج القانون.

أعلنت 19 دولة عن مبادرة لجمع أدلة عن عمليات الاضطهاد والتعذيب والقتل التي تمارسها أجهزة الأمن البيلاروسية

واعتبر مسؤول المشروع في "ديغنتي"، الذي رأس سابقاً لجنة التعذيب في الأمم المتحدة، ينس مودفيغ، أن "الولاية القضائية العالمية ستطبق على الحالة البيلاروسية كما طُبقت أخيراً في ملاحقة جلادي (رئيس النظام السوري بشار) الأسد في ألمانيا وغيرها". كما أعلن المدير العام لمؤسسة "ديغنتي" راسموس غرو كريستيانسن، أنه وفقاً للولاية القضائية العالمية، فإنه يتوقع أن تشكّل الأدلة التي جُمعت أساساً لتحقيق ومقاضاة في دول أخرى غير بيلاروسيا، وهو ما يُستخدم حالياً "لملاحقة مجرمي الحرب السوريين".

ويؤكد أصحاب المبادرة أن الأدلة التي جُمعت وتُجمع في بيلاروسيا نفسها يمكن أن تقدّم في مينسك بحال التغيير الديمقراطي، ويمكن أيضاً تسليم الأدلة إلى الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها. ووفقاً لـ"ديغنتي"، فإن المنصة الجديدة من 19 دولة ستعمل بشكل وثيق مع منظمات حقوق الإنسان في بيلاروسيا، التي جمعت بالفعل أدلة ووثقت من الضحايا والشهود ما جرى، بالإضافة إلى وثائق هؤلاء الذين فروا إلى خارج بلدهم هرباً من قمع سلطات مينسك. ويشدد مسؤولو المؤسسة الدنماركية على أن "المعلومات الشخصية الحساسة للضحايا والشهود لن تكون متاحة للعامة بل لخبراء البيانات الدوليين والأمم المتحدة، وفقاً لمعايير حقوقية دولية، ويمكن تسليمها إلى المفوض السامي للأمم المتحدة من خلال أمانة عامة مشكلة من 10 موظفين مقرهم كوبنهاغن، بالإضافة إلى وجود موظفين في عدد من الدول الأوروبية الأخرى". وسيتمكن البيلاروسيون الذين تعرضوا للتعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من التواصل مع المنصة من خلال إحدى المنظمات البيلاروسية المعنية بحقوق الإنسان، لتوثيق شهاداتهم.

وزير الخارجية الدنماركي، ييبي كوفود، وفي أعقاب اجتماع لحلف شمال الأطلسي أخيراً، أكد أن المبادرة هي رسالة جادة "لتفهم عصابات البلطجة في نظام لوكاشينكو أننا لن نتسامح مع العنف والتعذيب ولن يكون هناك إفلات من العقاب"، بحسب الصحافة الدنماركية. وأوضح الوزير أن المبادرة "تهدف إلى إرسال رسالتين واضحتين، كي تفهم من خلالها عصابات البلطجة التابعة لنظام لوكاشينكو أننا لن نتسامح مع محاولة الإفلات من العقاب، وتعرف أن العالم يراقب وأن انتهاكات حقوق الإنسان يتم توثيقها حتى يمكن تقديم الجناة إلى العدالة". وشدد على أن الرسالة الأخرى هي للنشطاء السلميين المؤيدين للديمقراطية في بيلاروسيا "بأن دعمنا وتضامننا مع دفاعهم عن الحقوق الديمقراطية والمدنية هو أكثر من مجرد كلمات، ونأمل أن نمنح بذلك الشعب الشجاعة لمواصلة النضال من أجل الديمقراطية والحقوق الأساسية في بيلاروسيا".

اعتقلت السلطات أكثر من 50 متظاهراً في مينسك خلال احتجاجات ضد لوكاشينكو الخميس الماضي

وتأتي هذه المبادرة مع استمرار قمع السلطات لأي تحرك في الشارع، واعتقلت الخميس الماضي أكثر من 50 متظاهراً في مينسك، خلال احتجاجات ضد لوكاشينكو. وبحسب وسائل إعلام، استخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه ضد المتظاهرين. فيما قالت منظمة "فياسنا" لحقوق الإنسان إن أكثر من 100 ناشط اعتُقلوا في أنحاء البلاد يوم الخميس. وسعت الحركة الديمقراطية البيلاروسية خلال الأيام الماضية، تحت عنوان "225 يوماً من الثورة لأجل الحرية"، للتحرك مجدداً في الشارع، على الرغم من المخاوف الكبيرة من إفراط أجهزة أمن لوكاشينكو، الممسك بالسلطة منذ ربع قرن، بالقمع، وخصوصاً مع تزايد عمليات تصفية معارضين والتحجج أن بعضهم "مات ليس نتيجة الضرب المبرح إنما بسبب الخمور"، كما في قصة الشاب رامان باندارينكا (31 سنة)، الذي قُتل تحت ضربات وحشية في مينسك من قوات أمنية بلباس مدني، بحسب بيانات المعارضة خلال الأيام الأخيرة. وتحولت قصة هذا الشاب إلى أيقونة بتفاصيلها التي استُعرضت في وسائل الإعلام وأمام ساسة الغرب.

يُذكر أن المعارضة البيلاروسية تنشط منذ أشهر في بروكسل وعدد من العواصم الأوروبية للضغط من أجل الوصول إلى ما جرى تبنيه أخيراً. ولعبت المعارضة البارزة سفيتلانا تيخانوفسكايا من منفاها الليتواني دوراً هاماً في تحريك الساحة الغربية لدعم حراك الشارع البيلاروسي. ورفضت تيخانوفسكايا عروضاً بيلاروسية للعودة إلى مينسك، معتبرة أنها لا تريد أن تلقى مصير المعارض الروسي أليكسي نافالني في السجن.

المساهمون