لمن ستعطي الجماعات الدينية أصواتها في الانتخابات التركية؟

13 مايو 2023
أردوغان بتأبين شخصية صوفية بإسطنبول، سبتمبر 2022 (عارف هودافيردي يمان/الأناضول)
+ الخط -

تحتفظ الجماعات الدينية في تركيا بتأثير واضح على الأحزاب والعمل السياسي، فزيارة الزعماء لشيوخ الجماعات وخطب ودّهم قبل كل انتخابات لم يعودا أمراً خافياً على أحد. وتعتبر الجماعات الدينية والطرق الصوفية من أبرز وأقدم القوى على الساحة الاجتماعية في تركيا الحديثة، إذ إنها أُجبرت لفترة طويلة أن تعيش في الظل هرباً من ضغوط الكمالية العلمانية، لكنها أصبحت في العقود الأخيرة، لا سيما في عهد حزب العدالة والتنمية، عنصراً حاضراً بقوة سياسياً واجتماعياً في تركيا، بل من أهم اللاعبين غير الحزبيين القادرين على التأثير في تركيا على مستويات عدة أبرزها السياسة.

الجماعات الدينية

على الرغم من صدور قانون بإغلاق التكايا (مكان لتجمّع صوفيّ) والزوايا الصوفية في عام 1925، تشير دراسة أعدها الباحث أليف جوشكون في عام 2018 إلى وجود أكثر من 30 طريقة ونحو 400 فرع تابع للصوفيين في تركيا. ويُلاحظ أن الموظفين المُعيّنين من قِبل الدولة في المساجد ينتمون لجماعات تحمل اسم المسجد أو المنطقة الموجودين فيها.

ومن بين هؤلاء يبرز النقشبنديون، وهم من الجماعات الناشطة سياسياً، ويواصلون أنشطتهم في فروع مختلفة، مثل جماعة منزل وجماعة إسماعيل آغا وجماعة إسكندر باشا وجماعة أرانكوي. ومن بين الجماعات الفاعلة الأخرى هناك النورسيون، الذين انقسموا إلى عشرة فروع بعد وفاة سعيد النورسي، والإيشيكتشيلار، والسليمانيون، الذين يُعدّون جماعة منفصلة على الرغم من أنهم يحملون تعاليم النقشبندية.

وبالإضافة إلى ذلك، تبرز جماعات من التقاليد القادرية، والرُفاعية، والمَوْلوية، والسلفية. وهناك أيضاً حركات تكوّنت حول أشخاص ولم تَحُز على الطابع المؤسسي بالكامل. ومن الممكن سرد سير أبرز وأكبر الجماعات الموجودة في تركيا والتي لها مشاركة واسعة وتأثير في الحياة السياسية على النحو التالي:

جماعة إسماعيل آغا (İsmailağa Cemaati)

تعود التسمية إلى مسجد إسماعيل آغا في إسطنبول، تيمناً بأبو إسحاق إسماعيل أفندي، وهو شيخ الإسلام السادس والخمسين في الدولة العثمانية، وهي صوفية التوجه نقشبندية الطريقة، حنفية المذهب والفقه.

وبشكل عام يتوافق خطابها الديني وفتاويها وآراؤها مع رئاسة الشؤون الدينية. وتعرضت الجماعة ومؤسسها للكثير من المضايقات الأمنية، بتهمة أن توجهها يهدد مبدأ علمانية الدولة. وفي عام 2006 اغتيل خضر علي مراد أوغلو، وبيرم علي أوزتورك، اللذين كانا مرشحين لخلافة زعيم الجماعة محمود أوسطا عثمان أوغلو.

كما أُطلقت النار على سيارة الشيخ محمود أفندي في عام 2007، في محاولة لاغتياله، لكنه نجا منها، وبعد وفاة أوسطا عثمان أوغلو في 23 يونيو/ حزيران 2022 حلّ مكانه حسن كيليتش.


يوسف بهادر كسكين: جماعات دينية مقربة من المعارضة تخشى نهاية حقبة الحرية إذا خسر أردوغان

وفُسرت هذه المحاولات حينها بأنها دليل واضح على حجم التأثير الهائل لهذه الجماعة على الملايين من المواطنين الأتراك، ولعل الزيارات المتتالية لقيادة الصف الأول في الدولة التركية، كرجب طيب أردوغان وبن علي يلدريم (تولى منصبي رئيس الحكومة والبرلمان سابقاً)، قبل العمليات الانتخابية، لها تعكس مدى القوة التأثيرية لتلك الجماعة. وهو ما يعزز الاعتقاد بأنها على الأرجح ستصوت لتحالف العدالة والتنمية.

جماعة إسكندر باشا (İskenderpaşa Cemaati)

جماعة صوفية تتبنى الطريقة النقشبندية، تأسست في نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، على يد الشيخ محمد زاهد كوتكو الذي توفي في عام 1980. يُنسب اسمها إلى جامع إسكندر باشا في إسطنبول، ويتزعمها اليوم محرم نور الدين جوشان. تُعرف جماعة إسكندر باشا باسم وَقْفِها "طريق الحق" (Hakyol)، وتمتلك روابط سياسية قوية.

ويُقال إن كوتكو أدى دوراً هاماً في تأسيس حزبي النظام الوطني والسلامة الوطني، وأيضاً شجّع نجم الدين أربكان على دخول السياسة. وقد قام رجب طيب أردوغان بأداء صلاة الجمعة الأولى بعد انتخابات نوفمبر 2002 التي أوصلته إلى السلطة في مسجد محمد زاهد كوتكو بأنقرة. ويُفسَّر ذلك بأنه انتماء رمزي بين الطرفين. وقبل كل انتخابات تؤكد الجماعة على تأييدها لحزب العدالة والتنمية.

جماعة إرانكوي (Erenköy Cemaati)

تُعرف بأنها جماعة نقشبندية صوفية تتألف بشكل عام من التجار ورجال الأعمال المحافظين، وتوجه مريديها من خلال الوعظ الديني. يرأسها حالياً عثمان نوري توب باش. وإلى جانب "وقف عزيز محمود هدائي"، لدى الجماعة عدة مؤسسات، هي مجلة ألتن أولوك (Altınoluk)، مركز الأبحاث العلمية (İLAM)، وراديو إركام (Erkam)، ودار إركام للنشر التي تترجم المؤلفات إلى أكثر من 40 لغة. أعضاء الجماعة يؤيدون حزب العدالة والتنمية انطلاقاً من كونه، كما يقولون، الأجدر في تنفيذ سياسات تحاكي طموح الطبقة المحافظة في تركيا.

السليمانيون (Süleymancılar)

يَنسب أعضاء الجماعة أنفسهم إلى شيخهم سليمان حلمي أفندي، الذي دأب على تعليم القرآن في أكثر الأوقات ضيقاً على الحركات الدينية في تركيا.

ويُقدر عدد المنتسبين إليها بنحو مليوني عضو. وسبقت للجماعة المشاركة الفعلية في العمل السياسي، فقد وقع الاختيار في تسعينيات القرن الماضي على شيخ الجماعة كمال كاتشار من قبل حزب العدالة الذي أسسه سليمان ديميريل، ليكون نائباً في مجلس النواب لدورات ثلاث، وكان كاتشار أحد أعضاء الهيئة التركية البرلمانية لدى المجلس الأوروبي.

ومن الصعب تحديد الجهة السياسية التي سينتخبها السليمانيون في انتخابات 2023، نظراً لعدم وجود توجه سياسي واضح لدى قادتهم، لكن يُتوقع أن حزب السعادة والعدالة والتنمية والحركة القومية هي الأحزاب الأقرب لاستقطاب أصوات السليمانيين.

جماعة المنزل (Menzil Cemaati)

جماعة نقشبندية تُصنف بأنها الجماعة الأكثر عدداً في تركيا. تأسست على يد محمد راشد أروال، ويتولى قيادتها اليوم سيد عبد الباقي أروال. اشتقت اسمها من قرية منزل بولاية أديامان الواقعة في جنوب شرقي تركيا، حيث يقع مقرها (تكيّتها). وتعرف أيضاً باسم "سمرقند"، لامتلاكها قناة تلفزيونية وإذاعة ودار نشر بهذا الاسم.

وهناك مزاعم بوجود علاقات وثيقة بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية وبأنها سدّت الفجوة التي خلّفتها تصفية كوادر تنظيم غولن (FETÖ) من مؤسسات الدولة. يُطلق عليها الحضن الرحيب للقوميين الأتراك. فهي الجماعة التي فتحت لهم الأبواب على مصراعيها، بعد المضايقات السياسية التي تعرضوا لها إبان انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980.

ويُعد مؤسس حزب الحركة القومية تركيش أرسلان ومؤسس حزب الاتحاد الكبير محسن يازيجي أوغلو من أهم الثمار السياسية لهذه الجماعة. وإلى اليوم أتباعها على عهدهم في انتخاب الحركة القومية.

جماعة اشكتشيلار (Işıkçılar Cemaati)

تستمد اسمها من حسين حلمي إيشيك، تلميذ السيّد عبد الحكيم الأرواسي ومؤلف كتاب "علم الحال الكامل - السعادة الأبدية". وتُعرف الجماعة بشركة إخلاص القابضة (İhlas Holding). وبعد وفاة إيشيك عام 2001 خلفه أنور أوران الذي قدم مبادرات هامة خاصة في المجال الاقتصادي إلى أن وافته المنية في عام 2013.

ومن الناحية الهيكلية فهي على خط مغاير للجماعات أو الطرق. ولدى مجموعة إخلاص استثمارات كبيرة في الإعلام والتعليم والتجارة، وقد سارت على الخط القومي - المحافظ وأقامت علاقة وثيقة مع السلطة الحاكمة.

الجماعات والانتخابات

وفي السياق، ذكر أستاذ الإلهيات في جامعة أماسيا يوسف بهادر كسكين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجماعات والطرق في تركيا تتعرض لضغوط شديدة وتشويه، خصوصاً من قِبل وسائل الإعلام في قضايا مثل الإساءة للأطفال (في إشارة إلى الزواج بقاصرات) أو العنف، ولا شك أن لهذه العملية بُعداً سياسياً، فلا ينبغي تجاهل مساعي تقويض السلطة الحاكمة من خلال علاقاتها مع الجماعات.


تشير دراسة أعدها الباحث أليف جوشكون إلى وجود أكثر من 30 طريقة ونحو 400 فرع تابع للصوفيين

وقال كسكين إنه "في الانتخابات المقبلة، من المرجح أن يحظى أردوغان بدعم غالبية الجماعات كما هو الحال في السنوات الماضية، على الرغم من وجود شخصيات غير صديقة لها داخل التحالف الجمهوري الحاكم مثل دولت بهتشلي، وذلك بفضل جذور أردوغان المحافظة وخطواته الجريئة ضد الوصاية العسكرية.

وتحافظ الجماعات على مسافة من المعارضة بسبب الهوية العلمانية لحزب المعارضة الرئيسي الشعب الجمهوري، واتفاقية إسطنبول وخطابات المثلية الجنسية".

ولفت كسكين إلى أن العديد من الجماعات الدينية المقربة من المعارضة، لديها موقف مشابه من جهة الاعتقاد بأن حدوث تغير في السلطة الحاكمة وتولّي شخصية لديها توجهات علمانية رئاسة الجمهورية يعني نهاية حقبة الحرية والعمل المعلن للجماعات، ولذلك ستدعم العديد من الجماعات حزب العدالة والتنمية وأردوغان من أجل مواصلة وجودها في وظائف الدولة وعدم فقدان الأعمال الاقتصادية التي تجريها مع الدولة، وعلاقاتها المجتمعية.

وفي مقال بصحيفة "راديكال" التركية بعنوان: "لمن ستعطي الجماعات الدينية أصواتها في الانتخابات؟"، ذكر الكاتب التركي الشهير عمر شاهين، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن النخبة الدينية تعرضت إبان حكم الجمهورية للتضييق والخنق، ونظراً لسياسة العزل التي طبقتها أجهزة الدولة ضدها، فقد وجدت النخبة الدينية في مطلع الألفية الثالثة في العدالة والتنمية وأردوغان المنفذ الوحيد لممارسة أنشطتها الفكرية، وهذا السبب الرئيس الذي يقف وراء تأييد جماعات دينية كثيرة لحزب العدالة والتنمية.