شهدت الأيام القليلة الماضية، دَفْع الجيش المصري المزيد من قواته إلى مناطق وسط سيناء، في إطار ملاحقته تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، بعدما باتت هذه المناطق أبرز معاقله في هذه المرحلة، عقب طرده من مناطق رفح والشيخ زويد والعريش.
ويعزو بعض المراقبين اهتمام القيادة العسكرية بمناطق وسط سيناء إلى وجود منشآت عسكرية واقتصادية ذات أهمية بالغة، قد تكون هدفاً للتنظيم في حال تمركزه بشكل يسمح له بتنفيذ هجمات، وكذلك المخطط الرئاسي لإنشاء منطقة صناعية استراتيجية وسط سيناء خلال الفترة المقبلة.
وصول قوات عسكرية كبيرة إلى وسط سيناء
وقالت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن الأيام القليلة الماضية شهدت وصول قوات عسكرية مصرية بشكل غير مسبوق إلى مناطق وسط سيناء، وتحديداً إلى منطقة جبل المغارة المكون من سلسلة جبال وتضاريس جغرافية متنوعة، كما وصلت إلى جنوب بئر العبد كمناطق المصفق والمزار وتفاحة.
شملت القوة الجديدة التي وصلت إلى وسط سيناء قوات من الصاعقة وقوات خاصة
وأوضحت أن القوة الجديدة، التي وصلت إلى المنطقة، شملت قوات الصاعقة وقوات خاصة، وكتائب استطلاع تتبع المخابرات الحربية، عدا عن قوة قبلية مسلحة تابعة لاتحاد قبائل سيناء، آتية من مناطق رفح والشيخ زويد، لمساندة المجموعات القبلية العاملة في مناطق بئر العبد ووسط سيناء.
وأضافت المصادر أن القوات أنشأت ارتكازات جديدة أعلى المنطقة الجبلية، وعلى الطرق الرئيسية، واستطاعت التقدم في مناطق تمركز "داعش"، في ظل التغطية الجوية من الطوافات، وكذلك استخدام القوات الخاصة طائرات بدون طيار تكشف لهم المنطقة التي يتواجدون فيها بشكل واضح، بالإضافة إلى الاستعانة بقصاصي الأثر البدو، الخبراء في المنطقة الجبلية وتضاريسها.
وأوضحت أنها المرة الأولى التي تجتمع فيها كل هذه المقوّمات في حملة عسكرية واسعة لقوات الجيش والمجموعات القبلية في تلك المناطق الوعرة.
مشاريع استراتيجية وسط سيناء
ووفقاً للمعلومات الحكومية المنشورة عن أبرز المشاريع الاستراتيجية في وسط سيناء، يظهر مطار البردويل الدولي، ومصنع إنتاج الرخام والغرانيت في رأس سدر، والمجمع الصناعي للرخام بمنطقة "الجفجافة" بوسط سيناء، ومصنع العريش للإسمنت، ومصنع إسمنت سيناء، ومصانع تكرير الملح، والطوب المفرغ، واستخراج الرمل الزجاجي، والإسمنت الأبيض، واستخراج المواد الطبية من النباتات الطبيعية.
وفي 26 من الشهر الماضي، كشف محافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة عن وجود تخطيط لإنشاء المنطقة الصناعية وسط سيناء، طبقاً لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتخصيص مساحة 78386 فداناً، بما يعادل 329 كيلومتراً مربعاً، كمنطقة صناعية بوسط سيناء.
وأوضح شوشة، وقتها، أنه جرى تقسيم المنطقة إلى عدة قطاعات، من بينها قطاع (أ) بمساحة 3571 فداناً، يخصص للصناعات المتوسطة وفوق المتوسطة والتكميلية للصناعات الثقيلة والصناعات المتنوعة، مثل طوب رملي وطفلي وجيري، ومصانع خراطيم هيدروليكية، ومخارط إصلاح معدات، وميناء جاف.
وأضاف: أما قطاع (ب) فهو على مساحة 10 كيلومترات مربعة، ومخصص للصناعات الثقيلة والملوثة للبيئة مثل: صناعات الإسمنت، ومجمع كيميائي لإنتاج رماد الصودا، ورمل زجاجي، وطحن وتعبئة الجير، والجبس، وصناعات الأسمدة، وغيرها.
وأشار شوشة إلى أن القطاع (ج)، وهو على مساحة 20 كيلومتراً مربعاً، مخصص لصناعات الرخام والغرانيت والسيراميك، حيث من المقترح إنشاء 75 مصنعاً للرخام، من خلال 76 محجر رخام، وذلك نظراً إلى أن خامات المحاجر بالمحافظة تمثل حوالى 50 % من المنتج المحلي للجمهورية، وجاري تخطيطها واستثمارها من خلال الهيئة العامة للاستثمار.
وسيتم في القطاع (د)، وهو بمساحة 4 كيلومترات مربعة، إنشاء منطقة سكنية خدمية للمنطقة الصناعية. وقطاع (هـ) بمساحة 150 كيلومتراً مربعاً، هو مصدر لخامات الرمال، وقطاع (و) بمساحة 129 كيلومتراً مربعاً هو مصدر لخامات الحجر الجيري والرمال.
ولفت شوشة إلى أنه فور صدور القرار الجمهوري قامت الدولة بتوفير البنية الأساسية التحتية بإقامة محطة للكهرباء، وجاري مضاعفة طاقتها، إلى جانب توصيل خط مياه وإقامة خزان للمياه، وإقامة مجمع صناعي للملح في منطقة الروضة ببئر العبد لتضم جميع صناعات الملح.
هدف أكبر من ملاحقة "ولاية سيناء"
وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن النشاط المفاجئ لقوات الجيش المصري، في مناطق وسط سيناء، بعد ترك التنظيم فترة طويلة فيها، من دون أي مواجهة عسكرية بينهما، يشي بوجود هدف أكبر من ملاحقة فلول "ولاية سيناء"، التي انتقلت من رفح والشيخ زويد والعريش إلى جبال وسط سيناء.
وأوضح أنّ هذا الأمر يأتي وسط الحديث عن المشروع الاقتصادي الاستراتيجي الذي تسعى الدولة إلى إنشائه وسط سيناء، الغنية بالموارد الطبيعية التي تستطيع ضخ استثمارات جديدة من شأنها زيادة غلة سيناء في صندوق الدولة.
وأضاف الباحث أنه في الوقت الذي يقاتل فيه أبناء سيناء التنظيم الإرهابي في كل سيناء، بما فيها مناطق الوسط، كانت تصريحات شوشة تكشف عن حقيقة الموقف، بأنه تجري التحضيرات لمد الخدمات اللازمة لمناطق وسط سيناء، المستهدفة في المشروع الاستراتيجي الجديد "المنطقة الصناعية" التي سيجري العمل بها بناءً على تعليمات مباشرة من رئاسة الجمهورية.
ملاحقة التنظيم تحضير للمشروع المقبل
وأشار إلى أنه اتضح أن الهدف الأبرز للحملة العسكرية الحالية ليست ملاحقة التنظيم، بقدر ما هي تحضير المنطقة للمشروع المقبل، وحماية المشاريع القائمة من خطر "داعش"، الذي قد يتجه لمهاجمتها في ظل ضعفه في بقية مناطق سيناء خلال الفترة الأخيرة، بعدما تمكّن الجيش، بمساعدة من المجموعات القبلية، من فرض السيطرة على مناطق واسعة في شمال سيناء خلال الأشهر الأربعة الماضية.
باحث بشؤون سيناء: الهدف الأبرز للحملة العسكرية حماية المشاريع من خطر داعش
وبيّن أن مشكلة أهالي سيناء ليست في إنشاء المنطقة الصناعية، أو تطهير المنطقة من "داعش"، بقدر ما تتعلق بإهمال حقوق البدو، الذين قدموا العشرات من أبنائهم وأشقائهم في إطار مساعدة الجيش لإنهاء وجود "داعش" في شمال ووسط سيناء.
وأشار الباحث في شؤون سيناء إلى أنه بمجرد الوصول إلى المراد من الحملة العسكرية، سيُعاد للتعامل معهم، كما كان الحال سابقاً، بالسجن والقتل والاختفاء القسري، أو تجاهلهم في الحصول على أنشطة اقتصادية ذات قيمة من هذه المشاريع العملاقة التي سيجري إنشاؤها خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح أنّ هذا الأمر ينطبق كذلك على كل أبناء مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء، الذين لم يجدوا مكاناً لهم في الوظائف الحكومية والمشاريع الاقتصادية طيلة السنوات الماضية.
يشار إلى أنّ المئات من المقاتلين البدو يتحركون بمعية الجيش المصري لملاحقة تنظيم "داعش"، على محاور شمال سيناء كافة منذ سنوات. إلا أن الحملة العسكرية الأكبر بمشاركة الطرفين بدأت في شهر مارس/آذار الماضي، من مناطق جنوب رفح، وأدت إلى طرده من مناطق واسعة كان يتمركز فيها منذ سنوات طويلة، ولم يتمكّن الجيش من دخولها.
وتتركز الأنظار نحو وسط سيناء، بعد هروب عناصر ومجموعات "داعش" إليها خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما دفع الجيش إلى زيادة قواته هناك، لإنهاء وجود التنظيم فيها، وإفساح المجال أمام الحركة الاقتصادية للنشاط مجدداً فيها، من دون معرفة مصير المقاتلين البدو في الخريطة التي يجري رسمها لمناطق وسط وشمال سيناء.