على الرغم من إعلان مجلس أمناء الحوار الوطني المصري الشهر الماضي، رفع التوصيات التي نتجت من الجلسات التي استمرت على مدار أشهر، إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لاتخاذ "ما يلزم" بشأنها، ووعد الرئيس بوضعها محل عنايته، إلا أن لجان الحوار المختلفة لا تزال تُعقد بوتيرتها المعتادة، حتى مع إعلان "الحركة المدنية الديمقراطية" أن التوصيات "لم تتضمن المطالب الرئيسية لها في المحاور الثلاثة".
وقال مصدر من مجلس أمناء الحوار الوطني، تحفّظ على ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "التوجيهات التي صدرت من الجهة المسؤولة عن تنظيم الحوار، أكدت ضرورة استمرار الجلسات لما بعد الانتخابات الرئاسية، رغم التوصيات التي صدرت، والتي سيعتبرها الرئيس جزءاً من برنامجه الانتخابي، ورغم اعتراضات الحركة المدنية".
تجنّب الضغوط الخارجية على النظام المصري
وأشار المصدر إلى أنّ "من الأهداف الرئيسية للحوار الوطني، كان تقديم صورة إلى الرأي العام العالمي، خصوصاً في الغرب، عن أن مصر لديها مساحة من الحوار، وحرية الرأي، وذلك لتجنب الضغوط الخارجية التي يتعرض لها النظام المصري وداعموه الدوليون من وقت إلى آخر، من جانب المؤسسات الحقوقية، والبرلمانات الأوروبية والأميركية".
من جهته، قال خالد داوود، المقرر المساعد للجنة المحور السياسي في الحوار الوطني، والمتحدث الرسمي باسم "الحركة المدنية الديمقراطية" في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "البيان الأخير للحركة، كان يتعلق بالتوصيات التي صدرت عن الجولة الأولى من الحوار، وتم رفعها للرئيس".
"الحركة المدنية الديمقراطية" لم تقاطع جلسات الحوار
وأضاف: "قلنا إن تلك التوصيات لم تشمل كل ما طرحته أحزاب المعارضة، ولكننا لم نقل إننا سنقاطع أو نجمد المشاركة في جلسات الحوار". ولفت داوود إلى أن "آخر جملة في البيان، تشير إلى أننا سنواصل متابعة جلسات الحوار، لضمان طرح مقترحاتنا في التوصيات النهائية".
وقالت الحركة في بيانها المذكور، في 27 أغسطس/ آب الماضي، إن "التوصيات التي رُفعَت إلى رئيس الجمهورية بناءً على الجلسات التي شهدتها ثلاث عشرة لجنة من لجان الحوار التسع عشرة في المحاور الرئيسية الثلاثة: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تتضمن كل ما تقدمت به أحزاب الحركة المدنية المشاركة في الحوار، خصوصاً في ما يتعلق بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة بشكل عاجل لضمان بدء مرحلة جديدة تسعى للتعامل مع ما يواجه مصر من تحديات جسيمة".
وأضاف البيان: "مع تقدير الحركة لكل الجهد المبذول حتى الآن من قبل مجلس أمناء الحوار والأمانة الفنية، فإننا نؤكد ضرورة التزام تلك الأطراف ما يصدر عن اللجان المختلفة من توصيات وعدم الخروج بمقترحات لم يجرِ التوافق عليها بين المشاركين. وتؤكد الحركة أنها ستواصل متابعة الجلسات المقبلة للحوار والتمسك بالمطالب الواردة في هذا البيان في المحاور الثلاثة".
بيان الحركة المدنية في مصر هو جرس إنذار
وفي السياق، قال عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وعضو مجلس أمناء الحوار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "هدف السلطة من استمرار الحوار الوطني، حتى بعد خروج التوصيات، هو دعم شرعيتها التي تآكلت كثيراً".
وأضاف أنّ "الذي يرجوه المشاركون في المرحلة الثانية من الحوار، أن يُقر كلامهم في شكل توصيات، لأن الناس تحدثت من تيارات مختلفة حول الموضوعات المطروحة، وكانت متفقة على قضايا كثيرة، بينما الاختلاف كان نادراً حول الموقف من بعض القضايا".
ربيع: هدف السلطة من استمرار الحوار الوطني، هو دعم شرعيتها التي تآكلت
ولا يعتقد ربيع أن الحركة المدنية شكلت عامل ضغط على الحوار للخروج بإنجازات بعد بيانها الأخير، "لأن الحركة المدنية تعرضت لأمور كثيرة، ولم تتخذ مواقف كبيرة". واعتبر بالمقابل أن البيان "كان بمثابة جرس إنذار متأخر، لأن هناك أكثر من جهة معترضة على التوصيات، وأكثر من مقرر لجنة ومقرر مساعد لجان، كلجان التعليم والاستثمار والدَّين الخارجي والصحة، أبدوا اعتراضهم على التوصيات".
وعن إمكانية استمرار الحوار الوطني بعد الانتخابات الرئاسية، قال ربيع إنه "جرى نقاش هذا الموضوع في جلسات الأحد الماضي، ومن الممكن أن يستمر الحوار بعد الانتخابات، في حال طَرح قضايا جديدة".
تشاؤم مما يدور داخل جلسات الحوار في مصر
من جهته، عبّر الرئيس السابق لـ"حزب الدستور" علاء الخيام، في حديث لــ"العربي الجديد"، عن عدم تفاؤله مما يدور داخل جلسات الحوار الوطني. وأشار إلى أنه "مُقاطع لكل شيء متعلق بالحوار"، من بعد بيان 8 مايو/أيار 2022، و"الذي كان به ضمانات وشروط للحوار لم تنفذ. ومن البداية شعرت أن الحوار يأخذنا إلى مسار مختلف عمّا نريده".
وأضاف أنه لم يعد متابعاً لبيانات الحركة المدنية، وما إذا كانت ستشارك أو لا، بعد صدور توصيات مخالفة لتوجهات الحركة، بحسب قوله.
الخيام: هناك محاولات إصلاح وأنا لم أعد مهتماً بكلّ الحوار وتفاصيله
ولفت الخيام إلى أن هناك أعضاء من الحركة المدنية لا يرغبون بالمشاركة في الحوار، مشيراً إلى أن البعض "يتجه للمشاركة في صياغة البيانات النهائية أو محاولة علاج الأخطاء أو التصريحات غير الواقعية التي صدرت أخيراً عن توصيات الحوار، المخالفة لرغبات الحركة المدنية ومطالبها، وبالتالي هناك محاولات إصلاح وأنا لم أعد مهتماً بكل الحوار وتفاصيله".
بدوره قال الناشط السياسي رامي شعث، لـ"العربي الجديد" إن "مهزلة الحوار انتهت، والنظام المصري لا يزال في عنجهيته وصلفه، يدير البلد نحو الهاوية التي تشمل كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".