تخلّفت الجزائر عن إصدار أي بيان يخصّ الحرب الروسية في أوكرانيا، أو حتى الدعوة إلى التزام الحلول الدبلوماسية، لأسباب سياسية قد تكون مرتبطة بطبيعة العلاقات التي تربط الجزائر بروسيا في مجال التعاون العسكري من جهة، ولطبيعة المواقف والعلاقات مع أوروبا من جهة أخرى.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصدرت الخارجية الجزائرية ثلاثة بيانات تخص وضع الجالية والرعايا الجزائريين في أوكرانيا ومسألة ترحيلهم، دون التطرق إلى المسألة السياسية والحرب التي قد تلقي بتداعياتها على عديد الدول بما فيها الجزائر، على الرغم من أنّ الأخيرة تبني سياساتها ومواقفها الخارجية عادة على رفض العدوان واستخدام القوة لحل النزاعات، مع اتخاذها موقفاً غير منحاز إلى أي طرف.
ويفسّر مراقبون تجنّب الجزائر اتخاذ موقف أو إصدار أي تعليق سياسي على الحرب الروسية في أوكرانيا، بأسباب ارتباطها بعلاقات نوعية مع روسيا، ولا سيما في مجال التسليح والتعاون العسكري، إذ تعد روسيا بتسليح الجيش الجزائري، فضلاً عن اتخاذها موقفاً لمصلحة الجزائر بما يخص النزاع حول الصحراء بين المغرب و"جبهة البوليساريو".
وتجد الجزائر نفسها محرجة من اتخاذ موقف قد يفهم منه أو من سياقه تبريراً للعدوان الروسي على أوكرانيا، ولا سيما أنّ الجزائر تدعو في سياساتها الخارجية إلى ضرورة احترام سيادة الدول ورفض كل أشكال الاحتلال. وتتجنب الجزائر أخذ موقف خشية من تأثر علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "الجزائر تربطها شراكة عسكرية مع روسيا وعلاقات تجارية مع أوروبا، وهو ما يحكم على الجزائر، كما الكثير من الدول، بالوقوف في صف الحياد"، مضيفاً: "لا شيء يدعو الجزائر إلى التسرّع في إصدار موقف. حتى في حال الدعوة إلى التعقل، وفقاً لأدبيات وتعبيرات السياسة الخارجية الجزائرية، فإنه قد يفسّر على أنه موقف موجّه إلى روسيا باعتبارها هي التي بدأت الحرب".
وإضافة إلى الشق السياسي، بدت الجزائر متحفظة أيضاً على الخوض في التداعيات الاقتصادية للأزمة في أوكرانيا، على الرغم من أنها قد تستفيد من تداعيات الحرب من خلال إمكانية تدفق الغاز الجزائري إلى أوروبا، تعويضاً عن الغاز الروسي، وهو ما دفع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى زيارة الجزائر، الاثنين الماضي، لطلب زيادة الإمدادات.
وبدا التحفظ الجزائري من تجنّب اتخاذ أي موقف اقتصادي قد يفهم على نحو يسيء إلى العلاقات مع موسكو، من خلال مسارعة مدير شركة المحروقات الحكومية "سوناطراك"، إلى رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "ليبرتي" المحلية، بتهمة "التلاعب وتحريف تصريحاته"، حيث عنونت في تقرير لها "الجزائر مستعدة لتزويد الأوروبيين بإمدادات الغاز"، بما يعني تعويض الغاز الروسي، وهو عنوان كان سيسبّب إثارة مشاكل سياسية بين الجزائر وروسيا، ولا سيما إذا فهمت موسكو أنه بمثابة عرض جزائري لتشجيع الغرب على قطع إمدادات الغاز الروسي.