لماذا لا يحلّ قيس سعيّد البرلمان التونسي؟

27 اغسطس 2021
للبرلمان الدور الرئيسي في تأليف المحكمة الدستورية في تونس (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

لم يخفِ الرئيس التونسي قيس سعيّد، منذ توليه الرئاسة في العام 2019 وحتى قبلها، مناهضته للبرلمان ومعاداته لمكوناته الحزبية. غير أنه لم يُقدم إلى اليوم على حله، بالرغم من دعوات أنصاره، مفضلاً تمديد تجميده، لتختلف الآراء حول القيود الدستورية والسياسية التي تمنعه من ذلك، أو المخاوف من الإقدام على هذه الخطوة. وبدا واضحاً منذ إعلان تعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، في 25 يوليو/ تموز الماضي، تحميل الرئيس مجلس النواب مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد. 
وقال سعيّد، بعد إقراره تمديد الإجراءات الاستثنائية وتعليق نشاط البرلمان إلى أجل غير معلوم، إنّ "المؤسسات السياسية كانت تمثل خطراً جاثماً على الدولة"، معتبراً أن "البرلمان نفسه يمثل خطراً على الدولة، خصوصاً في ظل عمليات البيع والشراء داخله من أجل تمرير القوانين لصالح اللوبيات"، حسب تعبيره، ومؤكداً، في الوقت ذاته، "وضع حد لهذه الممارسات". وجاء بيان سعيّد حول تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية لحظات قبيل منتصف ليل الإثنين الماضي، وقبيل انتهاء مهلة الثلاثين يوماً التي كان قد حددها يوم 25 يوليو الماضي. وقال البيان إن "سعيّد أصدر أمراً رئاسياً يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021، المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر". وأضاف أن "رئيس الدولة سيتوجه في الأيام المقبلة ببيان إلى الشعب التونسي".

منى الدريدي: الفصل 80 يفترض بقاء البرلمان بحالة انعقاد

أوضحت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة القانون البرلماني منى كريم الدريدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الموانع القانونية والدستورية التي تحول دون حل البرلمان، مشيرة إلى أن "هذه الخطوة محكومة بضوابط قانونية مقيدة، ولا إمكانية لترجمتها، انطلاقاً من الفصل 80" من الدستور. وحسب الدريدي، فإنه يمكن لسعيّد حل البرلمان في حالة واحدة، مرتبطة بعدم حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب، وهي وضعية غير متوفرة حالياً، على اعتبار أن عمل البرلمان معلق، وليس هناك حكومة لعرضها أمامه للمصادقة عليها. 
وأوضحت الدريدي أنه بالاعتماد على تأويل الفصل 80، الذي يتطلب وجود محكمة دستورية، وحتى في حالة ذهاب الرئيس في تأويله الخاص مستنداً إلى سلطته التقديرية، معتبرة أن "دواليب الدولة معطلة، وأن هناك خطرا داهما"، فإن الفصل 80 في هذه الوضعية الاستثنائية يفترض بقاء مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حله، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، حسب نص الدستور. واعتبرت أنه حتى في حالة الخروج عن النص الدستوري، وتجاوزه للفصل 80 ودخولنا في دائرة الأمر الواقع، عبر توجه الرئيس نحو خيار حل البرلمان، فإن سعيّد سيواجه دعوات محلية ودولية لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. ولهذا فإن الدريدي استبعدت ذهاب سعيّد لحل البرلمان، والتعرض إلى ضغوط لإجراء انتخابات بالمنظومة السابقة نفسها، والتي قد تعيد تشكيل المشهد السياسي بالأحزاب نفسها، وهو ما يعتبره الرئيس، بحسب تقديرها، خطراً أيضاً.

في مقابل ذلك، استبعد خبير القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود موانع أو قيود أمام الرئيس لحل البرلمان في ظل الوضع الاستثنائي، معتبراً أن "لا شيء قانونياً يمنع سعيّد من الذهاب في خيار حل البرلمان". وقال: "في صورة تعارض النص الدستوري مع الإرادة العامة، فإنه يتم تسبيق الإرادة العامة، وبالتالي فإن سعيّد يمكنه تحقيق الإرادة الشعبية ومطلبها في حل البرلمان"، وأشار إلى أن "هناك اختلاف في القراءة والتأويل بين مدرستين قانونيتين، واحدة تعتمد على النص والشكليات، وأخرى تعتمد روح النص الدستوري". وأضاف أنه "يمكن تكييف وضع البرلمان الحالي بأنه قانوني بحسب النص، بينما يعد قد انتهى واقعياً، وذلك يجعل عودته إلى العمل صعبة". 
واعتبر الخرايفي أن هناك "معطيات وأوضاعا واقعية عاشها البرلمان في الفترة الأخيرة تؤكد أنه يمثل خطراً حقيقياً، عبر العودة إلى الاعتصام والصراعات التي بلغت حد العنف الشديد وإراقة الدماء، بالإضافة إلى تعطيله دواليب الدولة، وهو ما نزع عنه الشرعية"، وقال إن "البرلمان انتهى فعلياً أيضاً بوجود عدد من نوابه في السجن، وآخرين فارين من العدالة، وبعضهم محل بحث وتحقيق، ومهددون بالسجن، وآخرون قيد الإقامة الجبرية"، معتبراً أن "هذه المعطيات الواقعية، بالإضافة إلى ضربها لثقة المواطن، أنهت حياة البرلمان".

رابح الخرايفي: خطوة سعيّد المقبلة قد تكون حل البرلمان

وقال الخرايفي إن "كل شيء ممكن ومتوقع من سعيّد، إذ يمكن أن يكون حل البرلمان الخطوة التي قد يقدم عليها في قادم الأيام، وقد يكون هذا الأمر محور بيانه للشعب الذي أعلن عنه في بلاغ تمديد الوضع الاستثنائي" أخيراً، وبيّن أن "حل البرلمان قرار مزلزل قد يهز المشهد السياسي"، مشيراً إلى أنها "قد تكون خطوة مؤجلة من الرئيس وورقة يخفيها، وأحد الصواريخ الجاهزة على منصاتها التي حذر من إطلاقها"، واعتبر أن "حجم التأييد الشعبي والثقة بسعيّد تتزايد. كما أن تعاطي الأحزاب والمنظمات، وصمت المجتمع الدولي، يثبت أن قرار تمديد الإجراءات الاستثنائية وتعليق عمل البرلمان لم يعد محل معارضة، بما يضعف فرضية وجود مخاوف لديه من هذه الخطوة". 
وقال إن "الرئيس مناهض للنظام السياسي ككل، وليس البرلمان فقط باعتباره جزءاً من هذا النظام"، مشيراً إلى أن "فرضية حل البرلمان، وإعادة إنتاج برلمان جديد بنفس القوانين والنظام السياسي، خيار يصعب أن يذهب فيه الرئيس، لأنه بمثابة العودة إلى الوراء"، واعتبر أن هذا الأمر يفرض على سعيد "تقديم قانون مُنظم للسلطة العمومية، يعوض الدستور في بابي السلطتين التنفيذية والتشريعية، ليؤسس لنظام رئاسي، ويعزز صلاحيات الرئيس مقابل سحب صلاحيات من البرلمان، مع الإبقاء على بقية أبواب الدستور المتعلقة بالمبادئ العامة والحقوق والحريات التي لا تعد محل خلاف".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون