لماذا عاد الحديث عن "المرحلة الانتقالية" في الجزائر؟

08 ديسمبر 2020
شبه إجماع على رفض فكرة الفترة الانتقالية (فرانس برس)
+ الخط -

لاقى الحديث مجدداً عن ضرورة إقرار مرحلة انتقالية في الجزائر رفضاً لدى الدوائر الرسمية وقطاعات سياسية، أبدت في الآونة الأخيرة مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى الخروج عن الدستور وتوترات داخلية وقفز على التمثيلية الانتخابية. 
وأكدت "حركة البناء الوطني" في بيان لرئيسها عبد القادر بن قرينة أمس الاثنين، رفضها "أي مرحلة انتقالية تعيينية تفرض وصاية عن الإرادة الشعبية، وإننا نبقى منخرطين في الرواق الدستوري ليس بالضرورة هو الحل الأفضل فقط وإنما هو الطريق الآمن لا محالة".
وجاء في البيان كذلك "منذ تصريح الرئيس الفرنسي (إيمانويل) ماكرون حول قضايا وطنية داخلية وهي تتعالى أصوات من جديد تنادي بمرحلة انتقالية، وبغض النظر عن صحة الرئيس والذي نتمنى له الشفاء العاجل والعودة لأرض الوطن لمواصلة أداء أعماله، فإننا نؤكد بأننا دوماً مع أي إجماع وطني للقوى التمثيلية للأمة الجزائرية، ولن نخرج عليه، وموقفنا لم يتغير وسيبقى مع تقوية الدولة الجزائرية ومؤسساتها السيادية في إطار الدستور، وقوانين الجمهورية والنظم الساري العمل بها".

كذلك حذّر رئيس حزب "جيل جديد"، سفيان جيلالي، في مقال مطول نشره أخيراً في صحف محلية من المخاطر المترتبة على المراحل الانتقالية، وقال "الجزائر ليست بحاجة إلى حميد كرزاي الأفغاني ولا أحمد الشلبي العراقي، والجزائر لا تحتاج إلى من يعين لها سياسيين ليمثلوا شعبها".
بدوره، أكّد الأمين العام بالنيابة للمنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير) محند واعمر بن الحاج، في بيان صدر اليوم الثلاثاء، رفض المنظمة لفكرة المرحلة الانتقالية، داعياً الدول الغربية إلى ترك الجزائريين ليحددوا خياراتهم السياسية بدون أي تدخل من أي كان. 
وتعترض السلطة نفسها والجيش على خيار المرحلة الانتقالية، لكونها بحسب مقاربات السلطة تدفع إلى الخروج عن المسار الدستوري. ووصف وزير الاتصال المتحدث باسم الحكومة، عمار بلحيمر، دعاة المرحلة الانتقالية بأنهم "تابعون للاستعمار".
وقال في تصريح أوردته وكالة الأنباء الجزائرية إن "الجزائر تعيش تدافعاً سياسياً بين تيارين؛ الأول هم من الذين يحنون للعهد الاستعماري البائد ويتسترون خلف مزاعم الديمقراطية من خلال المرور عبر مرحلتهم الانتقالية أو التأسيسية"، فيما اعتبر التيار الثاني "دعاة إحداث التغيير الجذري بطرق سلمية وعبر مؤسسات الدولة". 
وتأتي هذه التصريحات المتتالية في سياق نقاش سياسي يتصاعد في الجزائر، حول خيار المرحلة الانتقالية، منذ تصريحات أدلى بها قبل أسبوعين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمجلة "جون افريك" تحدث فيها عن عبور الجزائر من فترة الانتقالية، وأنه سيعمل كل شيء حتى يكون هذا الانتقال ناجحاً.
وتعززت هذه التصريحات بتسريبات إعلامية وتخمينات عن وجود خيار انتقالي يمكن أن تتبناه السلطة والجيش، في حال تعذر على الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مواصلة مهامه على رأس الدولة، بسبب وضعه الصحي جراء إصابته بفيروس كورونا، إذ طالت فترة غيابه في رحلة علاجية في ألمانيا. 
وتدفع بعض القوى السياسية المعارضة، من التيار الديمقراطي منذ فترة طويلة، خاصة مع بدء الحراك الشعبي، بفكرة المرحلة الانتقالية لتقاسم السلطة وإقرار مسار تأسيسي جديد، بينها "جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"حزب العمال". وسبق لها أن طرحت مبادرات سياسية تتضمن الفكرة والآليات نفسها. وفي الغالب توجه اتهامات لهذه الأحزاب بأن دعوتها إلى المرحلة الانتقالية مرتبطة بعجزها التمثيلي وخوفها من الإخفاق في الاستحقاقات الانتخابية. 
والخميس الماضي قال رئيس البرلمان الجزائري، سليمان شنين، في جلسة برلمانية إنه لن تكون هناك مرحلة انتقالية في البلاد، متهماً دوائر وجهات أوروبية بالسعي لفرض خريطة طريق سياسية تتضمن إقرار مرحلة انتقالية في الجزائر، قد تؤدي إلى تقسيم البلاد وإدخالها في مأزق غياب الاستقرار.

 

وطرحت فكرة إقرار مرحلة انتقالية في مارس/ آذار 2019، قبيل استقالة عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة، خلال الاجتماع الشهير الذي عقد أواخر الشهر نفسه، بين شقيق الرئيس المستقيل، السعيد بوتفليقة، وقائدي المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق، للتفاهم على خطة مرحلة انتقالية رشح لقيادتها الرئيس الأسبق ليامين زروال أو شخصيات أخرى، بينها رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس. واستطاع الجيش إحباط المحاولة عقب كشفها من قبل زروال الذي استدعي من قبل المجتمعين، ودفع ذلك بوتفليقة إلى تقديم استقالته في الثاني من إبريل/ نيسان 2019. 
لكن بعض المراقبين يعتقدون أن عودة طرح التداول السياسي حول المرحلة الانتقالية في الجزائر مجرد نقاش إعلامي وجد في غياب تبون مبرراً ومناخاً له، ويرون أن السلطة والجيش ليس لهما أي استعداد ولا يريان أية ضرورة للذهاب إلى مرحلة انتقالية، خاصة في ظل إقرار دستور جديد.

المساهمون