انتهت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر من معاينة اللجان التي سيجري فيها التصويت خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وعددها 10085 لجنة، إلى جانب توفير الحبر الفوسفوري المستخدم في الانتخابات، بحسب ما أعلنه المدير التنفيذي للهيئة، المستشار أحمد بنداري، أمس الأول الأربعاء. وأشار بنداري إلى تحديد الهيئة الاثنين المقبل للإعلان عن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة، وكافة الإجراءات المتعلقة بها.
تأخر فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية
لكن مصدراً قضائياً في الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية كشف أن "انتظار وصول تقارير أمنية ومخابراتية من الجهات الأمنية والسيادية المختلفة تسبب في تأخر إعلان فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ودعوة المواطنين للانتخاب".
وأضاف المصدر في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الجهات لم ترسل حتى الآن تقريرها حول ملاحظاتها بشأن التصور الخاص بالجدول الزمني للعملية الانتخابية الذي وضعته الهيئة الوطنية للانتخابات وأرسلته إلى هذه الجهات من أجل التنسيق معها والتأكيد على الخطة الزمنية المقرر إعلانها ومدى ملاءمتها".
وتابع المصدر أن "الهيئة الوطنية للانتخابات، تواصلت مع هذه الجهات مجدداً، من أجل استعجال تقاريرها، تمهيداً للمراجعة النهائية للجدول الزمني وإعلانه، في ظل ضيق الوقت والتزام الهيئة بإجراء الانتخابات وإعلان النتائج النهائية قبل يناير/ كانون الثاني 2024، وهو موعد انتهاء الإشراف القضائي على الانتخابات، وفقاً للنص الدستوري".
وأوضح المصدر أن "التواصل مجدداً مع الجهات المذكورة جاء بعد انتهاء الجهاز التنفيذي بالهيئة من وضع تصور لكل المتطلبات اللازمة، في سبيل إنجاز الاستحقاق الانتخابي المرتقب، والموعد المحدد للانتهاء من توفير تلك المتطلبات، وإعداد تقرير مفصل بكافة الإجراءات التي اتُخذت ونفذت، وعرضه على مجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات".
وأضاف المصدر أنه "عقب تسلم هذه التقارير، والذي يُعتقد أنه سيتم خلال فترة قصيرة، سيعقد اجتماع لمراجعة التقارير واعتماد الجدول الزمني للعملية الانتخابية، وعقد مؤتمر صحافي للإعلان رسمياً عن فتح باب الترشح والجدول الزمني للانتخابات".
أحمد بهاء الدين شعبان: بعد الرئاسيات سنشهد إجراءات اقتصادية قاسية
وتنص المادة 210 من دستور 2014 على أن تتم الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل من الهيئة الوطنية للانتخابات، كما تنص المادة 34 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات على الإشراف القضائي على الفرز وإعلان النتائج لمدة عشر سنوات بدءاً من إقرار الدستور في يناير 2014 لينتهي العمل به في يناير 2024.
وبينما لا يزال موعد الانتخابات الرئاسية بمصر غير محدد على وجه الدقة بشكل رسمي، غير أن تسريبات تؤكد أنها ستجرى في النصف الأول من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وهو ما اعتبر متابعون أنه تبكير لها لقطع الطريق على المعارضة التي تحاول تقديم مرشح يواجه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وربط مراقبون بين موعد الانتخابات الرئاسية المرتقب، ورغبة السلطة في تجنّب ضغوط دولية وإقليمية ترمي لإجراء "إصلاحات اقتصادية وسياسية"، بالتزامن مع تصاعد دعوات تطالب السيسي بعدم الترشح لولاية ثالثة.
وحول هذه التطورات، اعتبر مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" جمال عيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "النظام المصري يرمي من تبكير إجراء الانتخابات الرئاسية، إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وفي مقدمتها قطع الطريق على قوى المعارضة المصرية لتشكيل جبهة موحدة تدعم أحد المرشحين المحتملين لمواجهة السيسي، ما يجعل خوض أي مرشح محتمل للسباق الرئاسي أمراً شديد الصعوبة. ويضمن هذا الأمر تمرير الاستحقاق الانتخابي بشكل آمن ومريح للسلطة".
وأضاف عيد أن "من الأهداف التي تسعى السلطة إلى تحقيقها أيضاً من وراء هذه الخطوة تفويت الفرصة على أي من المرشحين من خلفية عسكرية لخوض الانتخابات في مواجهة السيسي، باعتبار أنهم يحتاجون أولاً للحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إطار تاريخ زمني محدد، وهو ما يعرقله قرار السلطة بتبكير الانتخابات الرئاسية".
وتابع عيد: "لا تغيب أهداف أخرى تسعى السلطة في مصر لتحقيقها من وراء هذه الخطوة، إذ تدرك أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ستدفع لاتخاذ إجراءات قاسية، تنفيذاً لبنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، الذي قام بتأجيل مراجعته لمدى التزام مصر بتعهداتها مرتين. وهي التعهدات التي ستجبرها على تعويم آخر للجنيه، سينعكس على معدلات التضخم ويؤثر بالسلب على مستوى معيشة المصريين، بالتالي ينبغي تبكير الانتخابات بشكل يوفر لرأس السلطة شرعية، ولو شكلية، للقيام بها حتى ولو حساب الأغلبية الساحقة من المصريين".
جمال عيد: ينوي النظام قطع الطريق أمام مرشح المعارضة
وعلى الرغم من اتفاقه مع معظم ما جاء في الرأي السابق، إلا أن رئيس الحزب الاشتراكي المصري، القيادي في الحركة المدنية الديمقراطية أحمد بهاء الدين شعبان، رأى أن موعد الانتخابات الرئاسية "يستند لعدد من المبررات الدستورية، منها ضرورة الالتزام بالمادة 140 من الدستور، التي تشترط الدعوة للانتخابات قبل 120 يوماً من نهاية ولاية الرئيس المنتخب، التي بدأت في 2 إبريل/ نيسان 2018، وبالتالي فإن عقد الانتخابات في هذا التوقيت يعد في الإطار الطبيعي للالتزام بالمواعيد الدستورية".
أهداف التوقيت غير المعتاد للانتخابات
مع ذلك لا ينفي شعبان في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "وجود عدد من الأهداف الأخرى من وراء إجراء الانتخابات في هذا التوقيت غير المعتاد، منها تعزيز فرص الرئيس المنتهية ولايته، إدراكاً من السلطة لصعوبة الأوضاع الاقتصادية، والحاجة إلى تنفيذ اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والذي سيترجم في قرارات اقتصادية قاسية تتمثل في بيع الأصول وتعويم الجنيه، بشكل سيكون له تأثيرات كارثية على الأغلبية الساحقة من المصريين".
في المقابل، أبدى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عمرو هاشم ربيع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "تحفظاً شديداً" على تعبير "تبكير الانتخابات الرئاسية"، مؤكداً أن "المادة 140 من دستور 2014 المعدل، تنص على ضرورة الدعوة للانتخابات قبل 4 أشهر من بداية ولاية الرئيس المنتخب، والتي بدأت بإعلان نتيجة الانتخابات الماضية في الثاني من إبريل/ نيسان 2018".
وأوضح أن ذلك يعني "أن تبدأ هذه الإجراءات في 2 ديسمبر، المتمثلة في دعوة الناخبين للاقتراع وبدء الترشح للانتخابات"، مضيفاً أنه "ليس هذا التوقيت الدستوري الوحيد المرتبط بضرورة بدء إجراءات الانتخابات، بل هناك المادة الخاصة بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات وفق قاعدة (قاضٍ لكل صندوق)، التي حددت 10 سنوات ينتهي معها هذا الإشراف في موعد أقصاه 17 يناير 2024، بشكل يجعل الدعوة للانتخابات في هذا التوقيت دستورية وقانونية، بل يؤشر إلى أن أي مخالفة لهذا الموعد يصم العملية الانتخابية برمتها بعدم الدستورية".
ونفى ربيع "وجود أي علاقة بين موعد الانتخابات الرئاسية ووجود حزمة أهداف سياسية واقتصادية للسلطة، منها قطع الطريق على ترشيح شخصيات مدنية أو عسكرية لهذا الاستحقاق، أو تقييد مدة الدعاية مع الناخبين أو شرح برامج المرشحين لجمهور الناخبين، أو السعي لتمرير إجراءات اقتصادية قاسية تنفيذاً للاتفاق مع صندوق النقد الدولي"، مؤكداً أن "هذه أقوال مرسلة ولا علاقة لها بالواقع جملة وتفصيلاً".